التعاون الخليجي المُشترك.. مزيد من المُراجعة
لا يخفى على كل مراقب ما قامت وتقوم به السعودية من جهود في لم الشمل وتوحيد الصف الخليجي وتعزيز تعاونه وصموده أمام التيارات الخارجية التي تسعى إلى شق صفه مستغلة في ذلك بعض القضايا الصغيرة, التي لن تثني قادته ـ بإذن الله ـ عن إكمال المسيرة. لقد كان إحدى ثمرات التعاون الخليجي المشترك، تأسيس مجلس التعاون الخليجي، ففي عام 1981 وفي الرياض تم التوقيع بين زعماء دول المجلس الست: المملكة، الإمارات، الكويت، البحرين، قطر، وعُمان على تأسيس هذا الكيان الكبير مبنياً على كثيرا من السمات والقواسم المشتركة التي تجمع دوله. لقد أصبح لدول المجلس مكانة اقتصادية متميزة ومرموقة في عالم اليوم، اقتصادات صاعدة وبمواصفات تندر أن تجتمع في أي تكتل آخر، فهي دول ريعية، تسعى إلى استغلال ثرواتها النفطية ما أدى إلى ارتفاع مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، اقتصادات مفتوحة على العالم الخارجي بشكل كبير كما أن أسواقها المالية ليست متكاملة بشكل رئيس مع الأسواق المالية العالمية كونها أسواقا ناشئة وفي مراحل النمو والتطور، ضعف تكامل القطاع النفطي مع بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى، يضاف إلى ذلك تجانس البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وكما لعله ليس من قبيل المصادفة أن يتمركز أكثر من 50 في المائه من الاحتياطي النفطي العالمي المعروف، أي بلغة الأرقام تمتلك دول المجلس من الاحتياطيات النفطية المؤكدة ما مقداره 3.441 مليار برميل، ومن الغاز الطبيعي 3.44 تريليون متر مكعب، بحيث تنتج أكثر من 18 في المائة من إنتاج النفط الخام العالمي عام 2007، وشكلت هذه النسبة نحو 40 في المائة من إجمالي صادرات دول مجلس التعاون للعام ذاته. الحقائق سالفة الذكر تؤكد أن دول المجلس جزء من المنظومة الدولية تؤثر وتتأثر بما يجري على الساحة الدولية من أحداث، فهي تتأثر بتأثر إيرادات صادراتها من النفط الخام كونه العامل المؤثر ذا الثقل الأكبر في اقتصاداتها، حيث إن انخفاض أسعاره يؤدي إلى انعكاسات سلبية على وارداتها من السلع الضرورية اللازمة للتنمية. وضمن هذا المنظور، فتدني أسعار النفط الخام وهبوطها من علياء قمتها إلى ما يقارب 70 دولاراً للبرميل هذه الأيام، مع ضعف التوقعات للنمو الاقتصادي العالمي سيحرم دول المجلس من إيرادات إضافية قد توجهها لتحقيق طموحاتها التنموية وبما يخدم تنويع القاعدة الإنتاجية. إن المضمون الأساس والهدف الواضح من تأسيس المجلس، ينطلق من أن العلاقات بين الدول دائماً تحكمها المصالح المُشتركة وترتكز على مبدأ القوة في العلاقات الدولية، وهذه لن تتأتى إلا من خلال العمل الجماعي والتكتل الاقتصادي عن طريق تنسيق السياسات الاقتصادية والأمنية والعسكرية والتعليمية وتحقيق التكامل فيما يعود بالنفع على مواطنيها، ما يفتح الباب مستقبلاً على مصراعيه لتكتل عربي أوسع وأشمل. لقد كشفت الجهود الوحدوية الخليجية ومقارنة بالتكتلات الوحدوية العربية الأخرى أن المجلس أثبت قدرته على الصمود رغم الصعوبات الاقتصادية والمالية التي مرت به ما أعطاه ميزة على غيره من المحاولات الوحدوية الاقتصادية العربية، على الرغم من مرور ثلاثة عقود على تأسيسه وإن كانت نجاحاته ليست على المستوى المأمول وأقل من الطموحات. من المعلوم أن الاقتصادات الخليجية متنافسة وليست متكاملة, وهذا يرجع إلى طبيعة النشاط والموارد المُتاحة, وحتى نحقق درجة أعلى من التكامل أو الحد الأدنى منه، وجب علينا تنسيق سياساتنا الإنتاجية والتسويقية. التكامل الاقتصادي يعني وجود تعرفة موحدة تؤمن نوعا من الحماية للمنتجات الوطنية، سهولة تدفق السلع بين الدول الأعضاء، وتسهيل حركة الرساميل، كما تساعد على تنسيق السياسات الاقتصادية ما يساعد على مواجهة كثير من الأزمات المالية والاقتصادية الخارجية. وإزاء مثل هذا الوضع، فإن ما حققه المجلس خلال عمره المديد لم يتعد بضعة مكاسب نذكر منها منطقة التجارة الحرة حيث حرية التبادل التجاري بين الأعضاء وإعفائها من الرسوم الجمركية وتنسيق سياسات المجلس تجاه الغير على الرغم من خروقات بعض الأعضاء وتوقيعهم اتفاقات ثنائية من دون موافقة بقية الدول الأعضاء. الاتحاد الجمركي بحيث يتم توحيد التعرفة الجمركية وتوحيد إجراءات الاستيراد والتصدير وتحديد نقطة دخول واحدة يتم تحصيل الرسوم الجمركية الموحدة فيها ومن ثم يتم توزيع الحصيلة على الدول الأعضاء في السوق الخليجية المشتركة، وأخيراً توقيع الاتحاد النقدي الخليجي رغم تحفظ دولتين عليه. اللافت للانتباه ضعف التجارة البينية الخليجية وهذا مرده إلى تجانس النشاط الإنتاجي السلعي لهذه الدول ولأن معظم وارداتها من الخارج، فالحل يكمن في توزيع النشاط الإنتاجي والاستثماري طبقاً لنظرية المزايا النسبية لكل دولة، لأن تكرار المشاريع الاستثمارية والإنتاجية في كل دولة يجعل هذه المشاريع ليست بذات فائدة كبيرة مايجعلها تصب في خانة المشاريع الاستهلاكية، كما يتطلب الأمر توجيه بعض النشاطات الخدمية لتستفيد منها بعض الدول الأعضاء الأقل دخلاً ما يعزز تحسين الظروف المالية لدول المجلس. سرعة البت في كثير من القضايا الاستثمارية والقانونية وتسهيل الإجراءات الوحدوية التنسيقية خاصة الصناعات البتروكيماوية التي ستكون رافداً ماليا مهما في حال انخفاض الإيرادات النفطية بما فيها تهيئة الظروف المناسبة لتنقل عناصر الإنتاج بكل حرية وسهولة, وفوق هذا وذاك، الحرص الشديد على إبعاد التوترات السياسية عن القضايا الوحدوية الاقتصادية والمالية.