لجنة عليا لتسوية المنازعات المصرفية وتحويل اللجنة الحالية إلى جهة استئناف
كتبت مقالاً في مجلة "تجارة الرياض" العدد 397 في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 1995م اعتبره من تفضلوا بقراءته أول مقال ينشر عن لجنة تسوية المنازعات المصرفية، حيث لقي الكثير من الترحيب من زملاء المهنة ورجال القضاء ورجال الأعمال، وأجد نفسي مضطراً لمعاودة الكتابة عن لجنة تسوية المنازعات المصرفية وذلك لسببين، الأول مرور 20 عاماًً على إنشائها والثاني كثرة النقد الذي أوردته وسائل الإعلام خلال الأيام الفائتة، الذي وجه للجنة دون غيرها من اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي، واستيفاء للموضوع من جميع جوانبه واستناداً إلى تجربتي في اللجنة التي دامت خمس سنوات سأتناول في هذا المقال أولاً مرحلة إنشاء اللجنة، ثانياً متى تكون الدعوى مصرفية، ثالثاً الاختصاص القضائي للجنة وأنواعه وماهية القضايا التي تخرج من اختصاص اللجنة، رابعاً بعض المبادئ التي قررتها اللجنة، وأخيراً التوصيات أو ما تحتاج إليه اللجنة في المرحلة المقبلة.
أولاً: مرحلة إنشاء اللجنة
نظراً لما للبنوك التجارية من أهمية ودور في الاقتصاد الوطني وللمساعدة في تحصيل حقوقها بشكل عادل على نحو يضمن الاستمرارية في أداء دورها، وللمحافظة على مراكزها المالية لخدمة الاقتصاد الوطني والمواطن، ولحفظ حقوق عملائها ومودعيها ومساهميها وفقاً للاتفاقيات المبرمة بينها وبين عملائها، فقد صدر الأمر السامي الكريم رقم 729/8 وتاريخ 10/7/1407هـ الموافق 10/3/1987م بتشكيل لجنة تسوية المنازعات المصرفية لتقوم بدراسة القضايا والخلافات التي تنشأ بين البنوك وعملائها، وذلك طبقاً للاتفاقيات الموقعة بينهم، أعقبها تعميم وزارة العدل لكافة المحاكم بعدم سماع الدعاوى التي تقدم ضد البنوك أو من قبلها ... وأن ترفع المحاكم ما هو معروض أمامها من قضايا لم يبت فيها إلى مقام ديوان رئاسة مجلس الوزراء، وذلك لتتم إحالتها إلى لجنة تسوية المنازعات المصرفية، الأمر الذي أكد بشكل أو بآخر الاختصاص القضائي لهذه اللجنة في فض النزاعات المصرفية الشيء الذي يحاول البعض سلبه منها. كما صدر تعميم معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي لجميع البنوك التجارية العاملة في المملكة، بخصوص التأكيد على التزام البنوك برفع الدعاوى المصرفية لا المدنية إلى لجنة تسوية المنازعات المصرفية والتأكيد على الالتزام بذلك ومراعاته عند تقديم الدعاوى إلى اللجنة المذكورة، وتوج ذلك بتعميم سمو نائب وزير الداخلية رقم 10207 وتاريخ 22/2/1409هـ الموافق 3/10/1988م المبني على خطاب مقام وزارة المالية، وذلك بالتأكيد على الجهات المعنية (إدارة الحقوق المدنية) بالمسارعة في تنفيذ القرارات الصادرة من جانب اللجنة، وإلزام المدعى عليه بسداد المبلغ المحكوم به باعتبار أن تلك القرارات تكتسب قوة الشيء المقضي به، كبقية القرارات القضائية الصادرة من الجهات القضائية الأخرى في المملكة.
وإعمالاً للأمر السامي الكريم الخاص بإنشاء اللجنة فقد تم تشكيلها من ثلاثة أعضاء، وزودت اللجنة بجهاز فني متكامل من المستشارين والباحثين والمحاسبين، إضافة إلى جهاز إداري مساعد ليكون حلقة وصل بين اللجنة ومؤسسة النقد العربي السعودي والبنوك وعملائها، وباشرت اللجنة عملها الفعلي في شهر المحرم لعام 1408هـ، ونظرت أول قضية بتاريخ 15/2/1408هـ، وأصدرت اللجنة قرار التسوية الأول في 18/2/1408هـ، وقد قامت اللجنة في عامها الأول – رغم حداثة نشأتها – بنظر 330 قضية، صدر في 241 قضية منها قرارات، ولا تزال اللجنة وهي في عامها الـ 20 تقوم بجهد كبير في دراسة القضايا المصرفية في المملكة وتسويتها، حيث بلغ إجمالي القرارات الصادرة من قبل اللجنة خلال الفترة من عام 1408هـ وحتى 1426هـ 6277 قراراً بمبالغ تفوق ثمانية مليارات ريال (انظر كتاب المنازعات المصرفية – الطبعة الأولى 1427هـ)، كما تقوم الآن بنظر ما لا يقل عن خمس قضايا في كل يوم عمل وذلك ابتداء من الثالثة وحتى الخامسة عصراً وليس خلال خمس دقائق كما يعتقد البعض، وهي مسألة يلمسها من يترافع أمام اللجنة على نحو دائم وهو ما جعلها تحتل مكانة واحتراماً واسعين لدى البنوك والعملاء والمتعاملين معها، كما قامت اللجنة بإرساء مبادئ قانونية ومصرفية لم تكن موجودة في النظام المصرفي السعودي من قبل، بعض هذه المبادئ ينسجم مع المبادئ الموجودة في الأنظمة المصرفية للدول المجاورة، وبعضها يتفق مع أحكام القضاء المقارن، وكثير منها ذو طبيعة خاصة تنسجم مع أوضاع البنوك السعودية وعملائها.
ثانياً: متى تكون الدعوى مصرفية
نظراً لكثرة القضايا المصرفية في المملكة وهو نتاج طبيعي للنشاط الضخم الذي تقوم به البنوك السعودية وحجم العمليات التي تؤديها، يرد إلى أمانة اللجنة عدد من القضايا التي يكون أحد أطرافها بنكاً، وتثور هنا مسألة مهمة مازالت محل لبس وخلط لدى كثير من أطراف الخصومة سواء كانوا بنوكاً أو شركات أو أفراداً أو محامين، وتلك المسألة هي الاختصاص القضائي للجنة، أي ماهية القضايا التي تدخل ضمن اختصاص لجنة تسوية المنازعات المصرفية، وتلك التي تخرج من اختصاصها، فهل اللجنة مختصة بنظر أي نزاع طرفه بنك ؟! لما لهذا الموضوع من أهمية ومصلحة متبادلة لكل من المدعي (رافع الدعوى) واللجنة التي تنظر النزاع، تتمثل في كسب المدعي الكثير من الوقت والجهد في حالة ما إذا رفع دعواه لدى الجهة المختصة، وتفرغ اللجنة لدراسة القضايا المصرفية التي شكلت من أجلها دون البحث في قضايا ليست في الأساس من اختصاصها.
لأهمية هذا الموضوع لعدد كبير من رجال الأعمال والقانون، أقوم وقبل بحث اختصاص اللجنة بتعريف سريع للبنك والأعمال التي يزاولها ومتى تكون الدعوى مصرفية.
ورد تعريف البنك التجاري وأعماله في نظام مراقبة البنوك الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 22/2/1386هـ، وذلك في المادة الأولى – الفقرة (أ)، حيث نصت الفقرة: "يقصد باصطلاح (بنك) أي شخص طبيعي أو اعتباري يزاول في المملكة أي عمل من الأعمال المصرفية بصفة أساسية "، ويتضح من هذا التعريف أنه يتعين على البنك التجاري في المملكة أن يزاول أي عمل من الأعمال المصرفية بصفة أساسية، أما الأعمال المصرفية التي يجب على البنك مزاولة أي منها، فقد نصت نفس المادة السابقة في الفقرة (ب) منها على أنها ما يلي: " ... أعمال تسلم النقود كودائع جارية أو ثابتة، وفتح الحسابات الجارية وفتح الاعتمادات، وإصدار خطابات الضمان، ودفع وتحصيل الشيكات أو الأوامر أو أذون الصرف وغيرها من الأوراق التجارية، وأعمال الصرف الأجنبي، وغير ذلك من أعمال البنوك".
ويلاحظ على تلك المادة أنها قامت بسرد الأعمال المصرفية على سبيل المثال وليس الحصر، ويرجع ذلك في رأينا إلى تطور الأعمال المصرفية وعدم اقتصارها على أنشطة معينة، حيث يعتبر من الأعمال المصرفية عمليات السحب الآلي، المتاجرة بالعملات والمعادن، وكذلك التأجير التمويلي تمشياً مع قرار معالي وزير المالية والاقتصاد الوطني رقم 1/1566 وتاريخ
21/02/1420هـ، وهذه تأتي أو تندرج تحت عبارة "وغير ذلك من أعمال البنوك".
وتكون الدعوى مصرفية – وفقاً لما جاء في التفسير التشريعي الوارد في الأمر السامي البرقي رقم 4/110 وتاريخ 2/1/1409هـ – حيث حدد الدعوى المصرفية بأنها التي تنشأ عن ممارسة عمل مصرفي، والذي لا يجوز أن يمارسه سوى بنك مرخص له بممارسة العمل المصرفي، فيكون بالتالي العمل المصرفي الذي لا يمارسه بالضرورة إلا مصرف هو المعيار الحقيقي لاختصاص اللجنة، وهو معيار ذو طبيعة مزدوجة، حيث يتكون من عنصرين: الأول نوع العمل والثاني من يقوم بهذا العمل، فالبنوك كما هو معروف نوعان: بنوك تجارية كبنك الرياض ومجموعة سامبا المالية، وبنوك غير تجارية وهي المتخصصة كصندوق التنمية الصناعي والبنك الزراعي، ويوجد أيضاً أنواع أخرى من البنوك يطلق عليها بنوك الأعمال، وبنوك الاستثمار، إضافة إلى شركات مالية تقوم بنوع واحد من العمل المصرفي وهي شركات التمويل والخصم. ورغم تعدد تلك البنوك وتنوع أعمالها، يظل المعيار في تحديد اختصاص اللجنة ضيقاً، حيث يجب أن يكون البنك – وكما شرح سابقاً – بنكاً تجارياً يمارس أعمالاً مصرفية.
ثالثا: الاختصاص القضائي وماهية القضايا التي تخرج من اختصاص اللجنة
حدد نظام المرافعات الشرعية - الباب الثاني - اختصاص محاكم المملكة وأوضح أن لهذه المحاكم اختصاصاً دولياً حيث إن محاكم المملكة تختص بنظر الدعاوى التي ترفع على السعودي ولو لم يكن له محل إقامة عام أو مختار في المملكة فيما عدا الدعاوى العينية المتعلقة بعقار واقع خارج المملكة. كما أن نظام المرافعات الشرعية حدد الاختصاص النوعي وهو الذي يعنى بالقضايا التي تختص المحاكم بنظرها، وحيث إن لجنة تسوية المنازعات المصرفية تحدد اختصاصها النوعي بموجب الأمر السامي الكريم رقم 729/8 وتاريخ 10/07/1407هـ والتعاميم اللاحقة فهي إذن الجهة الوحيدة المختصة بنظر القضايا المصرفية، أما فيما يخص الاختصاص المحلي فإن لجنة تسوية المنازعات المصرفية لها أيضاً هذا الاختصاص باعتبار أنها لجنة واحدة ومقرها واحد وهو الرياض وليس لها فروع أخرى سواء داخل الرياض أو في أي مناطق أخرى في المملكة.
وفيما يتعلق بتطبيقات الاختصاص، في عمل اللجنة فهو كما يلي: إعمالاً للقواعد العامة في الاختصاص الولائي، يخرج من اختصاص اللجنة نظر القضايا التي تحدث بين البنك ومدير أحد فروعه، لكون ذلك موضوعاً غير مصرفي، حيث تخضع علاقة البنك بموظفيه لنظام العمل بحكم علاقة العمل التي تربطهم ببعضهم بعضا.
كما لا يكفي أن يكون أحد أطراف النزاع بنكاً، بل يجب أن يكون الخلاف بين بنك وعميل أو بين بنكين، نتيجة ممارسة البنك عملا مصرفيا، فعند قيام بنك برفع دعوى أمام اللجنة ضد مدير أحد فروعه الذي قام بمنح قروض وتسهيلات بالمخالفة لنظام وتعليمات البنك، تقوم اللجنة في هذه الحالة بإصدار قرارها برد الدعوى لعدم الاختصاص ولائياً بنظرها، ولا تكون اللجنة ذات اختصاص في حالة ما إذا رفع عميل البنك دعوى ضد البنك نتيجة خلاف حدث بينه وبين مدير ذلك البنك أو أحد فروعه مثلاً نتيجة توكيل العميل المدير بصفته الشخصية لا الوظيفية لأداء بعض الأعمال نيابة عنه، كأن يترتب في ذمة العميل مديونية لصالح البنك، ويقوم العميل بتوكيل مدير فرع البنك الدائن للقيام نيابة عنه ببيع أراض يملكها وقبض ثمنها لإيداعه في حسابه المدين لدى البنك، وقام وكيل العميل وهو مدير الفرع بإساءة استغلال الصلاحيات الممنوحة له بالوكالة، كأن قام ببيع الأراضي بأسعار بخسة، هنا لا يحق للعميل رفع دعوى أمام اللجنة للمطالبة بالحقوق التي ضاعت عليه نتيجة أعمال مدير الفرع وكذلك عند دخول العميل في معاملات شخصية مع موظفي البنك، على أساس مبدأ مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه، وهو ما انتهى إليه مجلس القضاء الأعلى في قراره رقم 522/3 وتاريخ 24/08/1423هـ والمؤيد من قبل ديوان رئاسة مجلس الوزراء بموجب الأمر البرقي رقم 4/ب/50876 وتاريخ 16/12/1423هـ، فهذا الخلاف يخرج من دائرة المنازعات المصرفية ولا تكون اللجنة مختصة ولائياً بنظره، كما تخرج قضايا التأمين من اختصاص لجنة تسوية المنازعات المصرفية.
كذلك لا تكون اللجنة مختصة بنظر نزاع مساهمي البنك الذين يطعنون في قرارات مجلس الإدارة، ومدى مشروعيتها، وصحة قرار زيادة رأس المال، وعدم مراعاة الأولوية للمساهمين القدامى وأحقيتهم في الحصول على أسهم مجانية، حيث إن علاقة البنك بمساهميه تخضع لنظام الشركات وأحكام القانون التجاري، ولا يصح تمسك البعض بالقول إن علاقة المساهمين بالبنك تعد مصرفية، وتأتي ضمن عبارة " وغير ذلك من أعمال البنوك"، وهي العبارة التي جاءت في آخر المادة الخاصة بتعريف الأعمال المصرفية في نظام مراقبة البنوك.
رابعا: مسائل ومبادئ قررتها اللجنة
كان الجزء السابق ضرورياً لتوضيح اختصاص اللجنة النهج الذي تسلكه في فض النزاعات ونرى أنه من الواجب توضيح بعض المسائل وأن نعرض بعض المبادئ التي قررتها اللجنة والتي تعد في رأينا في صالح العميل وليس البنك، ليس دفاعاً عن اللجنة ولكن من باب الحرص على تبيان الحقيقة والموضوعية:
أولاً: من المبادئ التي أقرتها اللجنة التي تعد في مصلحة كفيل المقترض وليس في مصلحة المقرض (البنك) أن الكفالة وهي كفالة الغرم والأداء التي يكفل بموجبها الكفيل عميلاً مقترضاً تنقضي بعد مرور عشر سنوات ويكون الكفيل في حل من أمرها، وهذا يعد في صالح الكفيل على حساب البنك مما ينفي نفياً قاطعاً أن قرارات اللجنة تكون دائماً في مصلحة البنوك، وهذا على سبيل المثال فقط لا الحصر، مع ملاحظة أن هذا غير وارد لو كان النزاع معروضاً أمام القضاء العادي (المحاكم العامة).
ثانياً: من المبادئ أيضاً التي تراعي فيها اللجنة مصلحة العميل المقترض ميلها منذ تأسيسها في كثير من القرارات إلى منح العميل المحكوم عليه مهلة للسداد تمتد أحياناً إلى خمس سنوات على الرغم من تأخر العميل في السداد مدة من الزمن بعد استحقاق الدين، وعلى الرغم من اعتراض المقرض (البنك)، إلا أن اللجنة تمضي في كثير من الأحيان إلى منح العميل تلك المهلة شريطة عدم ثبوت ملاءته وهذه مسألة غير ممكنة الحدوث لدى جهات التقاضي الأخرى إلا إذا وافق المدعي.
ثالثاً: فيما يتعلق بما أثير من أن أعضاء اللجنة غير متفرغين نرى أن هذا الادعاء غير صحيح فأعضاء اللجنة شبه متفرغين ولا يرتبطون بدوام حكومي صباحي، وحتى على فرض أن أعضاء اللجنة غير متفرغين فإن هذا الأمر حاصل لدى لجان أخرى كثيرة لم يتعرض لها أحد بالنقد.
رابعاً: بالنسبة لموضوع سرية الجلسات وعدم علنيتها فهذا أيضاً يجب ألا يؤخذ على اللجنة بل العكس حيث إن طبيعة النزاعات التي تنظرها اللجنة هي التي تفرض سرية الجلسات وذلك لأسباب تتعلق بمبدأ السرية المصرفية المعمول به لدى كل الدول المتقدمة مصرفيا Doctrine of Banking confidentiality ونحسب أن طرفي الدعوى لا يرغبان في علنية الجلسات حيث إن البنك لا يرغب في إفشاء أسراره المصرفية ولا العميل المدين يرغب في التشهير به. فهذا الأمر يجب ألا يكون محل نقد للجنة حيث يأخذ القضاء المصرفي أيضاً بمبدأ سرية الجلسات (قضاء الأوراق التجارية).
خامسا: أن اللجنة في مسارها الطويل ظلت تسعى باستمرار إلى تطوير إجراءات التقاضي فيها ومن ذلك ما صدر أخيرا من اللجنة بعد صدور نظام المرافعات الشرعية بقبول مبدأ إبداء الطلبات العارضة وتحديداً قبول أن تنظر اللجنة في مطالبة المدعى عليه المقابلة لخصمه المدعي للمطالبة بمبلغ مالي في الدعوى نفسها بعد أن كان الأمر يتطلب إقامة دعوى مستقلة وهذا مبدأ عادل يطبق على طرفي النزاع وفي مصلحتهما معاً تمشياً مع أحكام المادة 78 من نظام المرافعات الشرعية.
سادساً: كما ذكرنا فقد أصدرت الأمانة العامة للجنة تسوية المنازعات المصرفية المبادئ التي قررتها الأحكام القضائية، وهي بذلك تكون أول جهة قضائية تستجيب لقرار مقام مجلس الوزراء القاضي بنشر الأحكام والمبادئ، وهذا يجب أن يحسب لصالح الأمانة العامة وجميع الموظفين الذين اشتركوا في إنجاز هذا العمل، حيث إنها بذلك تكون قد حددت المبادئ التي ستتخذها أساساً لقراراتها، وهذا يؤكد مبدأ الشفافية واستقرار الأحكام ويمنح الفرصة للمدعي لتقييم دعواه مسبقاً.
سابعاً: قررت اللجنة مبدأ آخر بخصوص اتخاذ الإجراءات التحفظية ضد المدين ونرى فيه تيسيرا كبيرا على المدين وهو عدم اتخاذ الإجراءات التحفظية والتنفيذية على من تقل مديونيتهم عن مبلغ 500 ألف ريال، ومن المؤكد أن هذا المبدأ هو للتيسير على صغار المدينين.
ثامناً : فيما يتعلق بما أثير أن القرارات التي تصدر من اللجنة تكون لصالح البنوك أكثر منها لصالح العملاء فإن طبيعة القضايا المصرفية وموضوعاتها هي التي تفرض ذلك لأن البنوك هي التي تمنح الائتمان ومعظم القضايا المصرفية تنشأ بسبب مديونيات نشأت عن اقتراض وتسهيلات مصرفية عدا قضايا الأخطاء التشغيلية Errors Operational. فمن الطبيعي إذاً أن تكون البنوك هي التي تقيم الدعاوى، ومن الطبيعي أن تكون القرارات الصادرة لصالح البنوك أكثر من حيث المبالغ والعدد، ولو نظرنا إلى القضايا العمالية نجد أن أغلبها يقام من العمال ضد أرباب العمل.
تاسعا: إن لجنة تسوية المنازعات المصرفية تقوم عندما يطلب العميل المقترض الصادر ضده قرار لصالح أحد البنوك من لجان الأوراق التجارية بتحديد مديونيته الفعلية لدى البنك وتعطيه حق التمسك بالقرار الصادر من جانبها عند طلب البنك تنفيذ قرار لجنة الأوراق التجارية الذي يكون في الغالب بمبلغ أكبر مما تحكم به لجنة تسوية المنازعات المصرفية وهذه ميزة لا يتمتع بها العملاء المدينون في الدول المجاورة.
عاشرا: إن الرأي الذي يقدمه المستشارون والخبراء ليس إلزاميا بل استرشادي وبالتالي يجوز أن تأخذ به اللجنة أو تتركه إذ إنها صاحبة الرأي الأوفى والأتم وبذلك يكون رأي المستشارين مماثلاً لرأي الخبراء في أي دعوى تقام لدى القضاء العادي وبذلك فإنه لا مجال لادعاء البعض أن رأي المستشارين لا يؤخذ به.
ختاماً فإن ما تحتاج إليه اللجنة في المرحلة المقبلة يتلخص في إعادة هيكلة اللجنة بحيث يتم إنشاء مرحلة استئنافية لقرارات اللجنة تتولى شأن هذه المرحلة لجنة عليا لتسوية المنازعات المصرفية وذلك بتحويل اللجنة الحالية إلى جهة استئناف، حيث إن الحاصل حالياً هو التقدم بالتماس لإعادة النظر في القرار باعتبار أن الالتماس يعد أحد الطرق غير العادية للطعن في الأحكام وكذلك إنشاء فروع للجان التسوية الابتدائية في المدن الكبرى مثل جدة والدمام، إضافة إلى الرياض لتسهيل عملية التقاضي المصرفي وتوفير الوقت والجهد على أطراف النزاع وخاصة أن المنازعات المصرفية قد تكون مستثناة من تنظيم المحاكم التجارية المتوقع صدوره قريباً، وهو أمر يتطلع إليه كل من العملاء ورجال القانون والبنوك بل كان إحدى الأمنيات التي راودت الأستاذ الدكتور محمد بن حسن الجبر (رحمه الله) الذي كان له بصمات واضحة في عمل لجنة تسوية المنازعات المصرفية لا يتسع المجال لذكرها في هذا المقال.
ومهما قيل من عيوب في أعمال اللجنة ومسارها فإن من المهم أن نتذكر دائماً أن أي تنظيم قضائي يصدر من أصحاب الشأن هو في الحقيقة وليد البنية والبيئة الاجتماعية المحيطة به وما يحكمها من قيم، وقد يأتي الوقت الذي تتسع فيه أعمال اللجنة وتتطور هياكلها على نحو يسد الثغرات التي سببت الكثير من الإشكال الذي ساور أذهان من تعرضوا للجنة بالنقد.
مستشار قانوني
فاكس: 4052691 - 01