حينما يوجد نجاح هناك دائما فشل

كلما أظلم الليل بدا أن الكواكب تزداد إشعاعا، أما في النهار فالضوء قوي لدرجة أننا لا نستطيع أن ندرك من الأجرام السماوية سوى الشمس، ومع أن قوة إشعاع هذه الجواهر لا تتغير فالكواكب تبدو لنا في وضح النهار بشكل أقوى يختلف عنه في الليل، لكن الكواكب لا تشع ليلا فقط والشمس تخبو، أو أن الشمس تشع نهارا فقط والكواكب تنطفئ، وليس ذلك سوى إدراك الناظر إليها سواء أكان في الظلمة أم النور.
ما من شيء إلا و له قطب مضاد، وكل صيرورة في الكون، وأي شيء يتحرك له إيقاعه الفردي الدوراني، يعلو ويهبط كالمد والجزر ويتذبذب من قطب لآخر كالبندول.
النهار يعقبه الليل، والجزر يعقبه المد، الذهاب يعقبه الإياب، التقدم يعقبه التراجع، التوتر يعقبه الاسترخاء، وكل علو يتلوه انخفاض، والعمل يعقبه راحة، الفرح يعقبه حزن، والولادة يعقبها موت، والعسر يعقبه اليسر، وكل شيء يعقبه نقيضه.
يجعلنا ذلك نتفادى تصور النجاح من وجهة نظر واحدة، فحيث يوجد نجاح هناك دائما فشل، وإذا اعتقد أحدهم أن الحياة يمكن أن تتألف فقط من نجاحات تصطف خلف بعضها البعض فإنه بذلك يبلغ حد التضليل أو خداع النفس، فالأخطاء والإخفاقات والأزمات هي الألغاز التي يبني عليها النجاح أخيرا صورته الكلية.
إن ما يبدو كإخفاقات ما هو إلا خطوات على طريق النجاح، حيث يمكن للفشل أن يتحول مع الزمن إلى فرصة النجاح، كما يمكن للنجاحات أيضا - حسب الإيقاع التذبذبي للكون - أن تصبح إخفاقات، وذلك حين تدمر قوة التنافس المهني صحة المرء وتصيب قلبه بالأزمات، فحينها لا نستطيع أن نتحدث عن نجاح في الحياة، بل إن هذا النجاح المهني الذي يكلف المرء حياته ليس إلا نجاحا وهميا.
للتفكير الأناني بالنجاح تحديدا علاقة مزعجة مع إيقاعات الحياة، حيث تقودنا الرغبة العجولة المتعطشة للنجاح نحو التنافر والنشاز مع الإيقاع، وعلينا أن نتعلم الصبر ونتدرب الأناة وألا ننحو نحو الحصول على النتائج بالإكراه، بل ننسجم مع إيقاع الأقدار، وندع الأمور تنضج و نتحرر من القبض عليها بتوتر وشدة، لأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك وأعلم دوما أن النصر مع الصبر، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ مَعَ العُسْرِ يُسراً.
إنها فلسفة السعي الإسلامي، وهؤلاء هم الذين تزدان بهم الجنة ويصفهم تعالى في قرآنه بقوله الكريم: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ، لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ» فعسى الله أن يجعلنا منهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي