مفهوم الأمن المائي في عالم يعاني شح المياه

على مدى الخمسين عاماً الماضية، انخفض مخزون المياه الطبيعية بمقدار 27 تريليون متر مكعب بسبب تدهور الأراضي، واستنزاف المياه الجوفية، وفقدان الأراضي الرطبة. وفي الوقت نفسه، اختفى 83% من أنواع المياه العذبة منذ 1970، ما يشير إلى انهيار أوسع نطاقاً للنظم الإيكولوجية التي كانت ذات يوم تحافظ على استدامة الموارد المائية.
واليوم، يعيش واحد من كل عشرة أشخاص في بلدان تواجه نقصاً حاداً في المياه. وبحلول عام 2040، سيعاني واحد من كل أربعة أطفال من هذه الظروف الصعبة، فالظواهر المناخية الشديدة تؤدي إلى تقلبات شديدة في دورة الماء. وبحلول عام 2050، قد يتأثر نحو نصف سكان العالم بموجات الجفاف، ما يعطل أنشطة الزراعة وسبل كسب العيش.
لماذا لم تعد أنظمة المياه لدينا تلبي الاحتياجات؟
هناك ضعف يعتري إدارة المياه، فلقد تم تصميم أنظمة وشبكات لعالم لم يعد موجوداً. والكوارث تسلط الضوء على مواطن ضعفها، وبالتالي فإن أزمة المياه التي تتفاقم تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة.
السدود، على سبيل المثال، ضرورية لتخزين المياه والسيطرة على الفيضانات، ومع ذلك فإن عديدا منها متقادم ومعرض للانهيار. وقد تم تصميم العديد من سدود العالم الكبيرة البالغ عددها 40 ألفاً قبل عقود استنادا إلى بيانات هيدرولوجية متقادمة.
إلى جانب تطوير البنية التحتية، يتطلب تأمين المياه للمستقبل مجموعة أوسع من الحلول، من أهمها تحسين التمويل، وتعزيز الحوكمة، واستخدام التكنولوجيا المتطورة، وإقامة الشراكات التي تحدث أثراً حقيقياً.
نحو مستقبل يحقق الأمن المائي
علينا إعادة التفكير في مفهوم الأمن المائي، والانتقال من الحلول المؤقتة القائمة على رد الفعل إلى الحلول المستدامة. وفيما يلي 4 مسارات بالغة الأهمية:
أولا: تعظيم الاستفادة من أساليب تخزين المياه على نحو يتكيف مع الصدمات، من الضروري اتباع نهج متكامل يجمع بين البنية التحتية الطبيعية والبنية التحتية التي نقوم بإنشائها.
ثانيا: تسخير الابتكارات الرقمية، يشهد مجال إدارة المياه ثورة حقيقية بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بعد والرصد الآني. وفي إطار المشروع الوطني للهيدرولوجيا في الهند، توفر النماذج التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تنبؤات بالفيضانات على مدار الساعة بدقة 90%، ما يساعد مشغلي السدود على التحكم في إطلاق المياه. وفي البرازيل، حولت أجهزة الرصد الآنية للجفاف استجابات الحكومات من إدارة الأزمات إلى الاستعداد الاستباقي لها.
ثالثا: تعزيز أطر الحوكمة وإقامة الشراكات، تتطلب إدارة المخاطر المائية التعاون بين الحكومات والشركات والمجتمعات المحلية. ومن بين 360 من أحواض الأنهار المعترف بها دوليا، هناك 41 فقط يوجد بشأنها اتفاقيات رسمية بين البلدان التي تشترك في هذه الأحواض. وبدون حوكمة قوية، ستتصاعد الصراعات على المياه.
رابعا: زيادة الاستثمار والتمويل، الفجوة التمويلية في مجال الأمن المائي هائلة، ومن الضروري توفير 6.7 تريليونات دولار بحلول عام 2030، وقد يصل هذا المبلغ إلى 22.6 تريليون دولار بحلول عام 2050. ولا تستطيع الحكومات وحدها سد هذه الفجوة، ونحن بحاجة إلى مشاركة القطاع الخاص. وفي شيلي وبيرو، تؤدي استثمارات القطاع الخاص إلى معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها، ما يقلل الاعتماد على المياه العذبة. ويمكن لنماذج التمويل المختلط وسندات المناخ وسندات القدرة على الصمود أن تساعد على سد الفجوة التمويلية لكنها لا تزال غير مستغلة.
المياه والوظائف والنمو الاقتصادي
تحقق حلول المياه الذكية أكثر من مجرد ضمان الأمن والقدرة على الصمود؛ فهي تسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، وتوفير فرص العمل، والحفاظ على سبل كسب العيش، أما توفير إمدادات المياه المنتظمة دون انقطاع فيدعم قطاعات الزراعة والطاقة والصناعة التي يعمل فيها الملايين، ولا سيما في البلدان منخفضة الدخل. ولا يمكن لأي بلد أن يحقق رخاءً مستداماً بدون تأمين مستقبله المائي.
ونقص المياه يمكن أن يؤدي إلى الفقدان التام للوظائف، كما رأينا في موجة الجفاف التي ضربت كيب تاون عام 2018، والتي أدت إلى فقدان 20 ألف عامل زراعي لعملهم. غير أن الإدارة الذكية للمياه تخلق الفرص.
التزام مجموعة البنك الدولي بتحقيق الأمن المائي
لا يقتصر الأمن المائي على مجرد تجنب حدوث الشح، بل هو ركيزة لبناء القدرة على الصمود وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والحد من مخاطر الكوارث. وبدون المياه، تتعثر الاقتصادات، وتنهار منظومة إنتاج الغذاء، وتتدهور الصحة العامة. نعم، بدون ماء، لا يوجد كوكب صالح للعيش فيه.
علينا أن نفعل ذلك. وسنوفق بعزمنا وإرادتنا، لأن مستقبلنا يعتمد على الأمن المائي. كما أن شبكات المياه الذكية تعزز القدرة على الصمود والاستقرار الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي