كيف نستفيد من تجربة الغرب؟ (2 من 2)

قد يكون هذا سؤالا مهما، خصوصا إذا كنا نتحدث عن قضايا خلافية المنشأ والممارسة تتعلق بقضية المرأة ــ على سبيل المثال ــ التي أصبحت هي الشعار الذي نجده في معظم المؤتمرات الإقليمية أو الدولية, بل كان يرددها الرئيس السابق جورج بوش في كل كلمة يتحدث فيها عن نتائج حرب بلاده على أفغانستان والعراق, وكأن هذه المرأة كانت نكرة وجنوده أقاموا لها تمثالا وأوجدوها من عدم! بينما جميعنا يعرف أن المرأة العراقية حققت إنجازات علمية واجتماعية منذ عقود طويلة, ولم يتم تدمير البنية التحتية لجامعات العراق وحرمان النساء من التعليم إلا بعد الاحتلال وبعد حالات الانفلات الأمني واغتصاب جنوده لبعض الحرائر العراقيات وقتلهن. بما أن الحديث عن المرأة في عالمنا الإسلامي قد أصبح ــ للأسف ــ من اختصاص جمعيات حقوق الإنسان في الغرب واحتل أرقاما في الأجندة السياسية للإدارة الأمريكية! وأصبحنا نخضع لهذه الأجندة والبعض يروج لها وكأنها النعيم القادم لينقذ النساء المسلمات من إجحاف التشريعات الإسلامية، كما يدعون كذبا وافتراء على شريعة الدين السماوي!
والمساعدة على هذا التدخل تتم من قبل تجمعات تطلق على نفسها الناشطين في مجال الحقوق، فيختلقون المواقف ويؤولون الأحداث ويكذبون ويدلسون ويخلطون بعض الحقائق بكثير من الغثاء ولا رقيب عليهم ولا محاسبة طالما أنهم يلجأون إلى ما يقال إنها جمعيات حقوق الإنسان في الخارج، وكأن دولنا لا قيمة لها ولا صيانة لأحكامها التشريعية.
وكأن الواقع الاجتماعي للمرأة في الغرب قد حقق الأمن النفسي والاقتصادي للجميع رجالا ونساء وأطفالا, وبالتالي أصبح من مهمات هذا الغرب إصلاح العالم النامي! وتصدير بعض قيمهم وثقافاتهم !!
وإذا أردنا العودة تاريخيا إلى منشأ قضية المرأة في هذا الغرب، الذي يراه البعض هو النموذج، سنجد أن نبيل شبيب يلخصه في مقالته التي أشرت إليها في المقالة السابقة أن قضية المرأة في الغرب شهدت تحولا ديناميكيا: (فبداية الانحراف في الغرب باتت المرأة وفق الدعوات والدعوات المضادة تحت عناوين التحرير والمساواة وما شابه ذلك كائناً آخر، علاقتُها بالرجل علاقة صراع، لا يدور بينهما بل يدور حولها هي وعليها، أو حول «القدْر» الذي يعطيه هو تطوّعا أو تنتزعه هي انتزاعا، من الحقوق والحريات الإنسانية، وهي في الأصل حقوق وحريّات ثابتة، سارية لجنس الإنسان، فليس منها ما يمكن اعتباره منحة تُعطى لأحد ولا مكسبا يُغتصب اغتصابا، ولا ينبغي التعامل معها من هذا المنطلق).
ثم يقول في موقع آخر من المقالة: (إنّ الواقع القائم في الغرب يشهد على نشوء مشكلة مستعصية على الحلّ، هي أنّ المرأة التي قيل إنّها امتلكت «حق العمل»، وجدت نفسها واقعيا قد «حصلت» على واجب، أصبح مفروضا عليها فرضا، شاءت أم أبت، تحت تأثير معطيات وظروف قاهرة، اقتصاديا واجتماعيا، ويعلم مَن عايش المجتمع الغربي معايشة مباشرة لفترة زمنية كافية، ولم يكن مصدرُ «تصوّراته» زيارات قصيرة أو ما تعرضه الأفلام ووسائل الإعلام فقط، أنّه لم يعد يسهل على امرأة في الغرب، إذا عجزت عن العمل لسبب ما، أن تعتمد في معيشتها المادية على الرجل أبا أو زوجا أو قريبا، فهي مضطرة إلى العمل اضطرارا، كما لم يعد يسهل على النساء الراغبات في الاكتفاء اجتماعيّا بدور الأمّ أو دور ربة البيت أن يصنعن ذلك فعلا، فالمجتمع الغربي «يزدري» هذه الممارسات ويمتهنها، كما يصنع الناقلون عنه دون النظر في واقعه، إلى درجة أوصلت إلى تناقص عدد سكّانه سنويا، نتيجة العزوف عن الزواج والإنجاب. كذلك فنظام الغرب المالي من حيث الرواتب والأجور قائم على أساس تشغيل المرأة ابتداء وليس على أساس تحميل الرجل واجب الإنفاق عليها، وباتت توزّع المغريات المالية لإنجاب الأولاد وتربيتهم ــ دون جدوى ــ لحلّ المشكلة، ومواجهة ما ترتّب عليها من نتائج، على صعيد تفكّك الأسرة والتناقص السكّاني).
وإذا أعدنا قراءة رسالة الصحافية الأمريكية تانيا سي هسو تحت عنوان (خطاب مفتوح للسعوديين) الذي نشر يوم الثلاثاء 30/4/1426هـ وما ذكرته حول الواقع الاجتماعي في الولايات المتحدة، التي يعتبر مسؤولوها أن قضية المرأة في مجتمعنا السعودي تهمهم جدا! تقول هذه المرأة الأمريكية: (لقد ظللتم ولسنوات عديدة ماضية تعتذرون علانية عن بعض أعمال العنف التي وقعت في المملكة والافتقار للإصلاح أو بطء حركة التغيير وسمعت مراراً وتكراراً عن الشعور باليأس الذي أعمى عيونكم عن رؤية ما يجري أمامكم من خطوات تغيير ونمو وإنشاء مؤسسات جديدة وجهود إصلاحية. إن لديكم أشياء كثيرة تجعلكم تشعرون بالفخر ولكن أدبكم الجم ورقتكم قد سمحت للغرب بأن يطأكم بقدميه وأن يصفكم بأنكم مصدر تهديد للديمقراطية وللعالم.
يجب عليكم ألا تسمحوا أن يستمر مثل هذا الشيء. وعليكم أن تسعوا للتقليل من المشاعر المعادية تجاه السعوديين والتوقف عن إعادة تأكيد نقاط ضعفكم.
إنكم أمة عزيزة ولذلك فعليكم أن تترجموا مشاعر الاعتزاز والفخر ببلدكم من خلال العمل وليس فقط من خلال المشاعر. عليكم أن تشرحوا للعالم كيف أنكم تحترمون النساء وكيف أن بلدكم خال نسبياً من الجريمة، وكيف أنها آمنة وكيف أنكم تمنحون الأسرة الأولوية في الاهتمام. عليكم أن تخرجوا عن صمتكم وأن تتساءلوا كيف تجرؤ الولايات المتحدة ــ الدولة الرائدة في الجريمة وفي الاغتصاب وفي العنف المحلي ــ على اتهامكم بانتهاك حقوق الإنسان؟!
عليكم أن تسألوا كيف يدافع الأمريكيون عن تنفيذ أحكام الإعدام بقتل النساء والقاصرين والمتخلفين عقلياً بالكرسي الكهربائي؟ وعليكم أن تبينوا كيف أن ديمقراطية الولايات المتحدة تسمح بتصدير أكبر صناعة للصور العارية في العالم، فلماذا ينتقدون المملكة بسبب القيود التي تفرضها للحفاظ على الأخلاق؟ وعليكم أن تبينوا لهم كيف أن باستطاعة أي سعودي أن يترك محفظة نقوده أو الكاميرا الثمينة على المقعد الأمامي بالسيارة كما فعلت ويعود ويجدها في نفس مكانها بينما ينهمك الأمريكيون في استخدام أجهزة الإنذار لإبعاد اللصوص، كما ينتشر المجرمون الذين يسيئون للأطفال في كل حي.
عليكم أن تبينوا للأمريكيين أن العديد من الراهبات والقساوسة والمستوطنين اليهود والحاخامات والكاثوليكيين يغطون رؤوسهم، ولكن تغطية المرأة السعودية رأسها تعتبر مظهراً من مظاهر الظلم؟ ولماذا يعتذر السعوديون عن بطء خطوات التقدم بينما استغرقت الولايات المتحدة 200 عام لمنح المرأة حق الاقتراع، إذ لم يتم ذلك إلا في عام 1920؟ وعليكم أن تبينوا للأمريكيين أنهم يميزون بين الرجل والمرأة في الدخل بينما وظف الرسول محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ للعمل في التجارة من قبل زوجته الأولى خديجة التي كانت امرأة ناجحة تماماً في أعمالها التجارية.
كما حاربت زوجة أخرى للرسول وهي عائشة جنباً إلى جنب مع المقاتلين في إحدى الغزوات والذي يدل على أن الإسلام يمنع العنصرية والتمييز ضد المرأة. وعليكم أن تبينوا للأمريكيين كيف أنه لم يتم إلغاء التفرقة العنصرية ضد السود إلا عام 1963 بعد سلسلة من الاضطرابات وأعمال العنف؟ كما لا يزال التمييز شائعاً ضدهم ولا يتم الاختلاط بهم من الجنس الأبيض بحرية. ولماذا تعطي الولايات المتحدة نفسها الحق في مهاجمة أي بلد عربي بينما لم يسبق أن وجهت أي دولة عربية تهديداً للولايات المتحدة، فهل هذا من الديمقراطية في شيء؟ والأهم من ذلك هل هذا هو الشيء الذي يريدونه؟ بالطبع هناك أشياء عديدة تحتاج إلى إصلاح داخل المملكة، وكل الدول تشهد صعوداً وهبوطاً ولا يوجد فارق كبير بين الروتين في المملكة أو السويد أو فرنسا، وكذلك فإن الوزراء في تلك الدول ــ كما هو في المملكة ـــ يستقرون في مناصبهم ويقومون بأدوار في أجهزة الحكومة وليس لديهم الرغبة في التغيير.
وأن لديكم أيها السعوديون مجموعة جاهزة من المطوعين أو المطوعات الذين يمكن استخدامهم لتحسين المستويات الأخلاقية للناس من خلال إبراز أن القيادة المتهورة محرمة في الدين لأنها قد تقود إلى إهدار أرواح الآخرين وتحريم الدين لأن يلقي أي شخص بالأوساخ في الشوارع ويلوث البيئة ويضر بصحة الناس).
إذا أعدنا قراءة تقرير منظمة حقوق الإنسان في عام 2008 والهجوم على (قضية منع الاختلاط في المجتمع السعودي) وأن الفصل الصارم بين الجنسين يعرقل من قدرة النساء السعوديات على المشاركة بشكل كامل في الحياة العامة. وقارناه بما جاء في خطاب الصحافية الأمريكية عن مجتمعها من (أن الولايات المتحدة الدولة الرائدة في الجريمة وفي الاغتصاب وفي العنف المحلي تجرؤ على اتهامكم بانتهاك حقوق الإنسان!)، سندرك كيف يمكن لنا أن نستفيد من تجارب الغرب سواء في الاختلاط أو ماذا يعني (تحرير المرأة) وفق المفاهيم المعاصرة التي جردت هذه المرأة من إنسانيتها وحولتها إلي سلعة في سوق النخاسة! ولم يتحقق لها الأمن النفسي والاجتماعي المأمول ولا لأطفالها. ويكفي أن نستفيد من هذه التجارب التي نشاهد نتائجها في الإحصائيات وتكتب عنها نساء منهن.
إضافة ــ وهذا هو الأهم ــ أن جميعنا يعرف تماما أن الاستجابة لمطلب السماح بالاختلاط يخالف مراد الشارع الحكيم في ذلك، كما أن فيه من المفاسد التي لا يعلم مداها إلا الله والنتائج نجد آثارها في ارتفاع أرقام الجرائم الجنسية وأرقام اللقطاء والتجارة في النساء وحرمانهن من الأمن النفسي والأسري.
** خير درس لابد أن نتعلمه من تجارب الغرب في مجال (حقوق الإنسان) حصان طروادة المعاصر هو معرفة (النفاق) الذي يغلف أعمالهم، فكما جاء في مقالة نشرت في موقع مفكرة الإسلام أن أوروبا المنافقة تسجن وتحاكم وتنكل بكل من يشكك ولو بأدنى إشارة أو عبارة بالمحرقة اليهودية المكذوبة، وتجعله عبرة لمن لا يعتبر، كما فعلوا مع الباحث الإنجليزي إرفينج، والفرنسي جارودي، وغيرهما كثير من الباحثين المنصفين، في حين تسمح بالهجوم على الإسلام والطعن في رموزه والسخرية من أعظم الإسلام وهو سيدنا محمد ــ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ــ وتحدي مشاعر العالم الإسلامي بأسره في ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي