ميزانية 2009.. متغيرات مهمة لعام 2010

يبدو أن التفاؤل بوصولنا إلى قاع الأزمة المالية التي ضربت مراكز القوى حول العالم وأثرت كثيرا في توقعات الجميع لمستقبل الاقتصاد العالمي، أقول هذا التفاؤل قد يكون مبنيا على فرضيات وآمال وبث لروح التفاؤل قد يرى منها العالم بعض الضوء في آخر النفق. وشخصيا أرى أن التفاؤل أصبح المخرج الوحيد لضخ الوقود في ماكينة الاقتصاد العالمي حتى وإن لم يكن هذا الوقود كافيا لكامل الرحلة، إلا أنه قد يساعد على جعل آخرين يضخون وقودا إضافيا إلى أن تدور العجلة بشكل كامل.
هذه المقدمة تأتي وأنا أتمعن في تحليل الأشهر التسعة الماضية على مستوى الاقتصاد المحلي والعالمي، لأجد نفسي مجبرا على التركيز أكثر في أسعار النفط خلال الأشهر التسعة الماضية وتأثير ذلك في ميزانية المملكة للسنة المقبلة، خصوصا ونحن مازلنا ننعم بالفوائض المالية الكبيرة التي حققناها في عام 2008 تحديدا. وعن تأثير هذه الميزانية في الأزمة المالية، حيث إن هذه الفوائض أعطت المملكة موقعا متميزا عالميا كون الإنفاق الحكومي الكبير على المشاريع أعطي الكثير من الثقة وجنب المملكة تبعات انخفاض أسعار البترول في الأشهر الأولى لعام 2009.
ونحن نتحدث عن انخفاض أسعار البترول التي أتت بمتوسط 62 دولارا للبرميل للأشهر التسعة الأولى من عام 2009، إلا أن هذا المعدل يزيد بنحو 38 في المائة عن الميزانية التقديرية التي تبنتها الحكومة لأسعار النفط خلال عام 2009 وهي 45 دولارا للبرميل كحد أعلى، وبغض النظر عما قد تحمله الأشهر الثلاثة الأخيرة لسعر برميل البترول (وإن كنت أراها إيجابية جدا)، إلا أن المعدل الحالي يعد مقبولا جدا في ظل التشاؤم الذي كان يسود العالم في أوائل السنة، هذا الارتفاع بلا شك سينعكس على فائض الميزانية لهذا العام.
ولكن، هل الفائض المتوقع حقيقي؟ وهل هو إيجابي؟ وهنا سأتجنب الخوض في تسعير البترول بالدولار أو بسلة عملات أخرى كما زعم روبرت فيسك في جريدة (الإندبندنت).
بالنظر إلى ربط الريال بالدولار وهو عملة البترول، فإن العائد من البترول بالدولار لا يمثل القيمة الحقيقية في ظل الانخفاض الكبير لقيمة الدولار أمام العملات الرئيسية وهو أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار النفط، ولكن والحديث عن الميزانية فإن انعكاس انخفاض الدولار أمام العملات الرئيسية يعني انخفاض القيمة الشرائية للريال أمام تلك العملات، وتأثير ذلك يتضح جليا من خلال بيانات الميزان التجاري للمملكة مع دول العالم. فعلى سبيل المثال فإن الدولار انخفض بنسبه 17 في المائة أمام اليورو خلال العام الماضي وهو يعني انخفاض القوة الشرائية للريال بالنسبة نفسها أمام اليورو. ونستطيع قياس ذلك أمام العملات الرئيسية الأخرى كالجنيه الاسترليني والين الياباني، وحقيقة ذلك ستكون من خلال الميزان التجاري لعام 2009، كأحد المؤشرات على مدى تأثير سعر الصرف في العائد من دخل البترول.
في الختام، فإن ما تقدم هو استقراء بسيط لبعض المتغيرات على الساحة الاقتصادية العالمية وتحديدا على أسعار البترول وعما يمكن أن يحمله هذا التغير في المعطيات الاقتصادية العالمية على ميزانية الدخل لعام 2009 التي تبدو أعلى من التوقعات الأصلية وكذلك عن مدى ما يمكن أن تحققه الميزانية من فائض يدعم الاستثمار الكبير الذي توليه الدولة لكثير من القطاعات، كما عشنا وشاهدنا خلال الأعوام الماضية. فزيادة وتيرة الاستثمارات الحكومية ستكون مؤشرا مهما في دعم التفاؤل بعودة الاقتصاد إلى النمو.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي