التحدي الاقتصادي القادم
الحلول الاقتصادية في مجملها تعود إلى هدف واحد, وهو رفع مستوى المعيشة للمواطن والبحث عن الرفاه الاقتصادي بجميع أبعاده، ولذلك فإن كثيرا من التشريعات والتوصيات العالمية التي تهدف إلى تنشيط التجارة العالمية والبينية، وجميع تشريعات الدول المختلفة, تصب في هدف النمو الاقتصادي, وهدفه الأساسي رفع مستوى المعيشة للمواطنين، واتضح ذلك بشكل كبير من خلال الأزمة المالية العالمية التي أثرت في معدلات النمو الاقتصادي على المستوى العالمي من دون استثناء, وبالتالي أثرت في مستوى الرفاه الاقتصادي للشعوب بدرجات متفاوتة.
واليوم ونحن نمثل ثقلا اقتصاديا عالميا, فإن التشريعات لدينا يجب أن تأخذ هذا الاتجاه المنطقي، بل إننا في المملكة يجب أن يكون هذا الهدف بمستوى أعلى من غيرنا من الدول بسبب التشكيلة الاقتصادية الخاصة بنا، كوننا اقتصاد المنتج الواحد ووجود أي تحد أمام ذلك المنتج فإنه يعود بنتيجة طردية على مستوى الرفاه الاقتصادي الذي تعيشه المملكة حاليا، خصوصا في ظل المشاركة المتزايدة للقطاع غير البترولي في الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك مشاركة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي, إضافة إلى ذلك فإن التركيبة السكانية للمملكة تجعل من إيجاد فرص العمل أولوية وطنية كون السواد الأعظم من عدد السكان هم من فئة الشباب.
وشخصيا أرى أن إيجاد فرص العمل هو التحدي الحقيقي الذي يواجه المملكة حاليا وبشكل أكثر خطورة خلال السنوات الخمس المقبلة تحديدا، ولذلك فإن هذا التحدي هو ما يجب أن تبنى عليه الاستراتيجية للسنوات الخمس المقبلة، فعدد السكان في المملكة اليوم في حدود 25 مليون نسمة, يمثل الشباب تحت سن 25 أكثر من 60 في المائة، بنسبة نمو تزيد على 3 في المائة سنويا ونسبة بطالة تصل إلى 9 في المائة. وهنا نتجاوز عن مؤشرات كثيرة تدعم هذا الطرح كنسبة البطالة بين الجنسين ومخرجات التعليم وغيرهما كثير، إذا فإن التحدي الاقتصادي الحقيقي يتمثل في إيجاد فرص عمل لاحتضان مستقبل الجيل القادم، لأن أي تقصير في هذا الجانب سيحدث عواقب اجتماعية واقتصادية واستراتيجية سلبية على الوطن.
ومن وجهة نظري فإن الحلول يجب أن تكون على جميع المستويات، فدعم توسع القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي المباشر سيساعد على خلق فرص وظيفية جديدة وهو الحل التقليدي للمشكلة، لكن في رأيي أن دعم ثقافة العمل بشكل عام والعمل الحر بشكل خاص هو الأساس الذي يجب أن تنطلق منه جميع المحاولات لحل هذه المشكلة الاستراتيجية, بدءا من المرحلة الثانوية وتثبيت ذلك في المرحلة الجامعية. ولذلك فإنني أتفق مع كثير من الطروحات في الحاجة إلى تأسيس منظمة مستقلة على المستوى الحكومي تعنى برسم استراتيجيات وتطبيق مشاريع تعنى بمستقبل العمل الحر لأصحاب المبادرات التجارية بحيث تكون المظلة الوطنية لدعم هذا التوجه. نحن نرى الآن كثيرا من المبادرات الحكومية والأهلية لرأب صدع البطالة والسعي إلى دعم صغار قادة الأعمال, ولدينا أمثلة كثيرة وناجحة لقطاعات تعمل على توفير الدعم المالي والإداري لأصحاب المبادرات. ولكن من وجهة نظري أن جميع الجهود لا تعطي النتائج الحقيقية المرجوة لأسباب كثيرة, لعل من أهمها أنها لا تتمتع بغطاء حكومي سياسي يدعمها كتوجه وطني، وكذلك اختفاء التنسيق بين تلك القطاعات بشكل يضمن الوصول إلى الهدف الاستراتيجي على مستوى الوطن ككل وليس على مستوى مناطق معينة, وهذا تحد استراتيجي آخر يجب النظر إليه في أي استراتيجية. ولذلك فإن الشعار يجب أن يتخطى إيجاد وظيفة لكل مواطن إلى إيجاد دخل مجز لكل مواطن في جميع مناطق المملكة، ومن هنا يبدأ العمل.