مماطلة المصارف في إنهاء إجراءات شراء المديونية

تسمي المصارف المحلية عمليات إعادة التمويل من مصرف آخر شراء مديونية. ويتم بموجب شراء المديونية سداد قرض من مصرف غير المصرف المقترض منه. ويجن جنون المصارف التي يغادرها العميل من خلال عمليات شراء المديونية. وتصطنع المصارف عديدا من العراقيل التي سبق الحديث عنها في المقالتين السابقتين، والتي من ضمنها المماطلة والتسويف في إنهاء الإجراءات لإجبار العملاء على التخلي عن عمليات إعادة التمويل من مصرف آخر.
وقد تابعت إجراءات شراء مديونية لأحد الأشخاص، حيث بدأت العملية بتقدم الشخص المستدين إلى أحد المصارف الصغيرة التي تحاول اجتذاب العملاء عن طريق خفض معدلات الربح أو الفائدة ومنح تسهيلات ائتمانية من ضمنها شراء المديونية. ويطلب المصرف المقدم لعرض شراء المديونية بعض الإثباتات من طالب القرض والتي منها شهادة المديونية، وهي عبارة عن ورقة يوضح المصرف الآخر فيها المبلغ المتبقي من القرض على الشخص المدين. وهنا تأتي الفرصة للمصرف المانح للقرض القديم ببدء عمليات المماطلة. فعند ذهاب هذا الشخص لفرعه المصرفي للحصول على شهادة المديونية أخبره الفرع أن عليه الذهاب إلى إدارة التحصيل الرئيسة للمصرف، حيث يمنع المصرف الفروع من إصدار شهادات المديونية ويحصرها في إدارة التحصيل، على الرغم من توافر القيمة الحالية للقروض والدفعات المسددة والباقية والفوائد أو الأرباح في جميع الفروع عن طريق شبكة الحاسب الآلي الخاصة بالمصرف. وذهب الشخص المدين إلى إدارة التحصيل الخاصة بالمصرف أملاً في الحصول على شهادة المديونية بسرعة، ولكنه فوجئ بأن عليه الانتظار لمدة أسبوع للحصول على شهادة المديونية. وبعد أسبوع حصل الشخص على شهادة المديونية والتي تتضمن فقط القيمة الإجمالية للقرض دون أية تفاصيل والتي كان بالإمكان إصدارها خلال دقيقة أو أقل. وتشمل القيمة المذكورة في شهادة المديونية كامل المديونية للمدة المتبقية والمتمثلة في أصل الدين المتبقي وباقي الفوائد حتى نهاية مدة الدين. ويحاول المصرف القديم من خلال ذكر إجمالي المديونية إعاقة عملية الحصول على تمويل آخر ومنعه من التأهل لعملية شراء المديونية وذلك من خلال تضخيم القيمة الحالية للقرض. ولا يخفى على أحد أن إصدار مثل هذه البيانات هو استغفال واضح للعملاء، ولكن عدم وجود روادع تمنع تضليل العملاء هي التي تجعل المصارف تسرح وتمرح في إجراءاتها.
وبعد الحصول على شهادة المديونية كان على الشخص المستدين انتظار إجراءات منح القرض التي يقوم بها المصرف الذي يقوم بعملية شراء المديونية. وبعد الانتهاء من تلك العمليات فإن على المصرف المقدِم على شراء المديونية سداد ما تبقى من القرض السابق للمصرف الآخر إما مباشرةً أو بإعطاء الشخص المستدين المبلغ الموضح في شهادة المديونية. وإذا قام المصرف الشاري للمديونية بسداد القرض القديم مباشرةً فإن المصرف القديم يحاول الحصول على كامل القرض ( الأصل مع كل الفوائد المتبقية) وفي هذا إضرار للشخص المقترض وتقليل للمنافع التي يتحصل عليها الشخص المقترض مما يجعل عملية شراء المديونية غير مجدية. أما إذا دفع المصرف المانح لعملية شراء المديونية المبلغ للشخص المستدين لسداد قرضه القديم، فإن المصرف يتحمل مخاطر فقدان المبلغ كاملاً في حالة توقف الشخص المستدين عن إتمام عملية شراء الدين، ولهذا فإن حجم عمليات شراء المديونية محدود جداً ويتم ضمن أطر ضيقة جداً. وتتردد المصارف كثيراً في منح عمليات شراء المديونية، وتحاول قدر المستطاع التأكد من السجل الائتماني والمصرفي للعميل. وهناك العديد من الحالات التي فقدت فيها المصارف مبالغ سداد القروض من قبل أشخاص يظهرون اتصافهم بقدر كبير من النزاهة. ولهذا تحجم المصارف بدرجة كبيرة عن عمليات شراء المديونية من مصرف آخر ولا تقوم بها إلا مصارف قليلة. ويبدو أن مؤسسة النقد العربي السعودي لا تشجع عمليات شراء المديونية ولم توجد نظاماً معيناً لها. والأولى أن يكون هناك نظام يضمن حقوق المصارف المقدِمة على شراء المديونية. ويتم من خلال ذلك النظام سداد القيمة الحالية للقروض فقط بين المصارف بشكل مباشر وسريع، وقد يتضمن بعض الرسوم للخدمات الإدارية ولكن بحدود قصوى.
ونظراً لوجود سجل ائتماني ممتاز للشخص المقترض فقد تحصل على شيك بالمبلغ الوارد بشهادة المديونية وأودعه في حسابه لدى المصرف المانح للقرض القديم. وكان عليه الانتظار لثلاثة أيام حتى تتم علمية المقاصة على الشيك، حيث لا يقبل المصرف أي سداد عن طريق الشبكة أو الشيكات! وبعدما تمت المقاصة ذهب الشخص المستدين وهو متلهف لسداد القرض لدى فرعه المصرفي ولكنه فوجئ بأن عليه الانتظار لخمسة أيام عمل ليتسنى للمصرف إتمام عملية السداد. ولا تتم عملية السداد في الفروع بل تقتصر على إدارة التحصيل الرئيسة للمصرف. ووقع هذا الشخص ورقة بسداد مبلغ المديونية كاملةً ولكن المفاجأة أن مبلغ المديونية غير مذكور ولا محدد في الورقة الموقع عليها. وأتساءل: كيف توافق مؤسسة النقد العربي السعودي على توقيع العملاء لأوراق لا تحدد فيها المبالغ التي عليهم سدادها؟! والهدف من عدم تحديد المبلغ هو تمييع موضوع السداد المبكر والحصول على أكبر قدر من الفوائد وابتداع بعض الرسوم مثل ما يسمى رسوم السداد المبكر، وكأن السداد المبكر جريمة تستحق العقوبة. وهناك معلومات تفيد برفض بعض المصارف السداد المبكر عن طريق مطالبة العميل بسداد كامل الفوائد أو الأرباح المستقبلية، وخصوصاً لدى بعض المصارف التي تتفاخر ومع الأسف بأنها إسلامية. وتدعي هذه المصارف أن مطالبتها لسداد كامل الأرباح ناتج عن كون العملية عملية شراء وبيع وفي هذا الادعاء سوء استغلال للمبادئ الإسلامية السمحة والتي تنادي بتيسير الأمور على أهل الديون. وعلى أية حال، فبعد مضي أسبوع من إيداع المبلغ في حساب الشخص، خصم المصرف القيمة الحالية للقرض في وقت السداد وليس في تاريخ توقيع ورقة سداد المديونية الكاملة. وتتم إضافة الفوائد بشكل يومي للقروض، وبهذا يحصل المصرف على فوائد إضافية. وبعد القيام بعملية السداد كان على العميل الحصول على ورقة مخالصة نهائية من المصرف القديم لكي يتمكن من تحويل راتبه للمصرف الآخر، ولكنه فوجئ بأن عليه الانتظار لما لا يقل عن 15 يوما عمل لكي تظهر أجهزة حاسب المصرف عملية سداد القرض. وكأن الحواسب الآلية أبطأ من البشر في إظهار عمليات سداد القروض. وتستغفل المصارف العملاء من خلال هذا العملية، حيث إن من اليسير آلياً إظهار علمية السداد على أجهزة الحاسب وقت حدوثها.
إن ما تقوم به المصارف من ممارسات للحد من عمليات شراء المديونية ممارسات مماطلة متعمدة وإضرار بمصالح العملاء دون وجه حق. كما أنها تعطل حركة التبادلات الاقتصادية وتعيق وتخفض عمليات التمويل وبالتالي النشاط الاقتصادي. ومن المفترض أن يستغرق شراء المديونية النقدية مدة قصيرة لا تزيد على عدة أيام لو كانت الأمور منظمة ومقننة بشكل واضح، ولكن مماطلة المصارف لدينا يمدد اجراءتها لعدة أشهر مما يقلل من المنافع منها. ويستغرق إعادة تمويل القروض العقارية على الرغم من التعقيدات المرتبطة بها في الدول المتقدمة شهر على الأكثر، بينما ليس واضحاً كم تستغرق في المملكة لأنه لا تتوافر معلومات عن وجود شراء مديونية للقروض العقارية. ويبدو أن عمليات شراء مديونية القروض العقارية ليس لها ذكر ولا تحدث. وتستغرق عمليات شراء المديونية النقدية من شهرين إلى ثلاثة لدى المصارف المحلية، وأتوقع أن تستغرق عمليات شراء مديونية القروض العقارية في حالة حدوثها أضعاف تلك المدة. فهل ترضى مؤسسة النقد العربي السعودي بهذه الممارسات التي تحد من المنافسة وتعوق النشاط الاقتصادي وهي الحريصة دوماً على تذليل العوائق المانعة للنمو بل وتسعى جاهدةً لتحفيزه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي