ساعات .. بحثا عن علم جزائري!
على بعد ساعة من منتصف ليل العاصمة السعودية، كنت الوحيد تقريبا المستعد لدفع كل ما يمكن في سبيل الحصول فقط على علم جزائري!
الأغاني الجزائرية للشاب زينو لم تكن كافية، وكذلك قميص المنتخب الأبيض وربطة اليد التي اشتريتها حين كنت في الجزائر المحروسة قبل أشهر، ولا حتى الشعور الصاخب بالفرح مع عائلتي التي لم تفرح يوماً لمناسبة كروية كما فرحت بهذا اليوم، فيما كان خالي يقترح لابنه تسمية ابنته الجديدة التي ولدت قبل ساعات فقط من الفرح الجزائري باسم "جميلة" تيمناً بالمناضلة الشهيرة جميلة بوحيرد.. كان الإحساس أكبر من التعبير عنه مهما فعلنا ..أكبر من وصفه مهما قلنا..
انتصرت لي الجزائر كما انتصرت لكل أولئك الملايين من أبنائها الذين حولوا بلد النضال إلى حالة استنفار وطني وعاطفي متناهي الحماس، كان بوسعي أن أتخيل أي شيء غير تخيل ألا تفوز الجزائر، كنت مؤمنا أن النصر يشبهها أكثر، وأنها بالمجد أجدر.
سنوات طويلة على آخر مرة فرحت فيها بنصر كروي على هذا النحو، حتى تأهل منتخبي الأرجنتيني المفضل للمونديال، ورغم كل الصعوبات التي أحاطت به، لم يكن قادرا على أن يجعلني أفرح كما فعلت ليلة الأربعاء الأخضر.
وحين اتصلت بالصديق حمزة سالم الدبلوماسي المثقف في سفارة الجزائر في الرياض، الذي كان في طريقه للمشاركة في برنامج"هجمة مرتدة"مع الإعلامي ناصر الغربي، كان يتحدث بأريحية الواثق الذي يعتبر هذه اللحظة ملكاً للجميع، كان يحاول الاستماع في لحظة واحدة لأكثر من صوت كلها تهتف لانتصار بلاده العظيم، فيما كان كل شيء حولي يختصر الألوان في قلبي لوناً واحداً ينبض "معاك يا لخضرا"..
كانت معركة فعلا لكنها انتهت بسلام، سأبقى مرتديا القميص الجزائري الأبيض ذا الرقم تسعة وأمشي به في كل مكان هنا، لن أبالي بأسئلة من نوع "ألا تخشى أذية المصريين إن رأوك؟" فأنا أعلم أن تشجيعي للجزائر لم يكن يوما موجها ضد أحد وبالتالي فليس لأحد غير الجزائريين شأن به.
ستستمر ليالي الاحتفال والفرح وخطوط التواصل التي سيعود عنفوانها بيني وبين أحبتي في الجزائر، وقد تمنيت الآن فقط أن أكون معهم كما لم أتمن من قبل، سأقول لهذه البلاد الحبيبة كم أحبها حين تهديني الشعور بأن الوطن الحقيقي هو من يمنحنا الفرح ويحرك دواخلنا ويستفز ابتسامتنا وغناءنا ودموعنا أيضاً، سأقول للجزائر أحب كل شبر فيك، وكل إنسان فيك، ولكن ليخبرني أحد .. كيف يمكن الحصول على علم دولة معروفة يبعث الانتماء لها على الدفء، بعد منتصف ليل عاصمة بدأ الشتاء يدق أبوابها؟!