اللغة العربية ليس لها إلا عبد الله بن عبد العزيز (2 من 2)

تحدثت الأسبوع الماضي عن الواقع الكارثي للغة العربية الذي يهدد بقاءها كلغة حية, والذي يعود بصورة أساسية إلى غياب أي جهد عربي رسمي منظم يستهدف توسيع المحتوى المعرفي للغة العربية في العلوم المختلفة من خلال الترجمة، والذي كان من نتيجته أن ما ترجم إلى العربية منذ عهد المأمون وحتى الآن يقل عما تترجمه إسبانيا في عام واحد. وذكرت أن الأمل بعد الله في خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز راعي العلم والثقافة في عصرنا الحاضر ليتغير هذا الحال، فدعمه اللامحدود لقطاع التعليم في المملكة وجهوده الكبيرة لتطوير تعليمنا العالي وتبنيه لمختلف الأنشطة الثقافية بما في ذلك جائزة للترجمة تحمل اسمه, تجعله خير من يعول عليه لإنشاء دار حكمة جديدة تعنى بالترجمة إلى العربية تعيد إلى هذه اللغة العظيمة الحياة من جديد، لتصبح معها لغة علم ومعرفة كما كانت في عهود الازدهار العربي والإسلامي. وكي تنجح هذه الدار في تحقيق أهدافها بكفاءة فإن هناك عددا من القواعد التي يجب مراعاتها والتقيد بها بدقة, أهمها التالي:
1 - أن تُشكل هذه الدار، وفي كل مجال من مجالات العلم، فريقا علميا مكونا من متخصصين بارزين في هذا المجال، إضافة إلى عدد من المتخصصين في اللغة العربية للاتفاق على ترجمة موحدة لجميع المصلحات العلمية في ذلك المجال العلمي، فعدم توحيد المصطلحات يعد واحداً من أهم المشكلات التي تواجه الترجمة إلى العربية، حيث نجد حاليا أن كل مترجم يجتهد في الغالب بطريقته الخاصة لترجمة المصطلحات العلمية, بالتالي نجد اختلافاً كبيراً في ترجمة المصلحات من كتاب إلى آخر في كل مجال من مجالات المعرفة، ما حد من الجدوى العلمية لهذه الترجمات وسبب إرباكاً هائلاً لمن يقرأ بالعربية في معظم مجالات العلم.
2 ـ أن يكون لهذه الدار هيئة علمية في كل مجال من مجالات العلم تكون مهمتها تحديد الكتب المطلوب ترجمتها، كما تقوم بصورة مستمرة بمتابعة كل جديد يصدر باللغات الأخرى لتحدد الكتب اللازم ترجمتها أولاً بأول ودون أدنى تأخير.
3 ـ تتبنى الدار سياسة التحفيز المالي الجزيل للمترجمين وفرق المراجعة العلمية واللغوية ما يسمح باستقطاب أفضل الكفاءات لهذا العمل المهم، على أن تتصف هذه المكافآت بالمرونة التامة، حيث تكون مرتبطة بحجم الجهد المطلوب في الترجمة وطبيعة التخصص وصعوبة وتعقيد العمل المطلوب ترجمته وسلاسة ودقة العمل المنجز بعد ذلك، ما يشجع على ترجمة الأعمال العلمية الأكثر صعوبة ويضمن جودة وقوة الأعمال المترجمة.
4 ـ أن تقوم الدار بإنشاء أكاديميات لتطوير مهارات المترجمين ورفع كفاءاتهم في العواصم العربية كافة، التي ستسهم إلى جانب المكافآت المجزية للمترجمين في تكوين كفاءات عربية عالية التأهيل في ميدان الترجمة إلى العربية في مجالات العلم كافة، حيث إن هناك حالياً ندرة إن لم يكن غيابا تاما لهذه الكفاءات في ظل تدني الجدوى المالية من أعمال الترجمة إلى العربية بسبب ضيق السوق وعدم حفظ حقوق الملكية الفكرية في الدول العربية.
5 ـ أن يُشترط في جميع الدول العربية أن يكون من بين عناصر الإنتاج العلمي المحتسب لكل ترقية علمية في الجامعات العربية ترجمة كتاب في التخصص الدقيق لعضو هيئة التدريس إن كان يحمل شهادة دكتوراه من جامعة تُدرس بغير العربية الذي، إلى جانب المكافأة المالية المجزية التي سيحصل عليها عضو هيئة التدريس من الدار عندما يكون العمل المترجم من بين الأعمال الموصى بترجمتها، سيدفع جميع المتخصصين في مجالات العلم المختلفة للمشاركة في عمليات الترجمة.
6 ـ أن يرافق كل ذلك تبني الدول العربية لاستراتيجية تستهدف التوسع التدريجي في مجالات العلم التي يتم تدريسها باللغة العربية، ففي ظل ما سينتج عن جهود هذه الدار من توفير للكتاب العلمي الرصين الحديث في كل مجالات المعرفة لن يكون هناك أدنى مبرر لاستمرار تدريسها باللغة الأجنبية. فكل العلوم في اليابان وكوريا وغيرها من الدول التي تقدمت بشكل مبهر تدرس بلغاتها الوطنية وكان لذلك دور أساسي في تحقيق تلك الأمم نهضة سريعة شاملة، في حين أن إصرارنا على تدريسها باللغة الإنجليزية التي لا يجيدها معظم الطلاب, بل حتى بعض الأساتذة أحيانا تسبب في الحد من مستوى التحصيل العلمي للطلاب، كما أوجد حاجزاً أمام نشر هذه العلوم في عالمنا العربي, ما أسهم في بقائنا في حالة تخلف دائم رغم كل ما يُوجه للتعليم من موارد.
إن اهتمام خادم الحرمين بالعلم والثقافة يجعله أمل الأمة الوحيد في وقف هذا التردي للغة العربية الذي لم يحدث حتى في أحلك الفترات التي مرت بها الأمة, فكيف يحدث الآن وهي تملك الموارد الضخمة التي تجعلها قادرة على حماية ثقافتها ولغتها وتمتلك القيادة الواعية المدركة لما يجب عمله لتصحيح كل ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي