وجاء خصم جدة
هناك حكاية من التراث المحكي لبلادنا تعود للعصر الحديث، تقول الحكاية إن قاضياً في إحدى محاكمنا جاءه رجل، مدعياً أنه يملك جزءاً من الوادي ومسيل ويرغب في استخراج حجة استحكام لامتلاك تلك الأرض التي يقع وسطها الوادي، فقد زرعها وأقام عليها بيته ومسكنه فقال له القاضي: عد إلينا عندما يأتي خصمك.. فقال الرجل مستغرباً: ليس لدي أي خصم أو من يدعي ملكيتها.. وعندما جاء موسم الأمطار وهدرت السيول لتجرف جميع أشيائه وموجوداته من زراعة ومساكن، قال القاضي له: هذا هو خصمك.
هذه الحكاية معروفة ومتداولة تموت وقت صحوة الجو وتستيقظ وقت تلبد الغيوم، لكني أوردها لتذكير من تملكوا الأودية وبطونها ومسايلها (المسيل) ومجاري الشعاب والفياض والروض والخباري والخبروات والسباخ ومحير المياه، وأيضا إلى المخططين ورؤساء البلديات وأصحاب المخططات أن الخصوم ليس بالضرورة أن يكونوا من البشر، بل ربما يكونون من الظواهر الطبيعية كالأمطار التي تتحول إلى فيضانات والسحب التي تمتلك أقوى قوة تدميرية والعواصف المطرية التي تحفر الأخاديد وتجرف كل ما على الأرض، فهذا هو الخصم الحقيقي.
والملك عبد الله بن عبد العزيز قال للمسؤولين في جدة ولجميع الأمناء ورؤساء البلديات وتجار العقار وأصحاب المخططات في المملكة إن خصمكم الحقيقي هو السيل والأمطار والسحاب الذي يحول المخططات والمشاريع التي في بطون الأودية إلى طوفان وطود عظيم يجرف الأرواح والممتلكات والشجر.. هذا ما قاله الملك للأدعياء العقاريين ممن حولوا (مسايل) الأودية إلى مخططات سكنية جعلوها مصائد للبشر وكمائن وأيضاً لمن يجعل الجغرافيا كماشة يصبح الناس فيها بين حابسين، حابس مسايل الأودية وهضابها ومنحدراتها والحابس الآخر ردم تصريف المياه ودفن المجاري ليجعلوا الناس يشهدون بأنفسهم ساعة الموت والغرق والطمر بين الطين والوحل، فإذا كانت الظواهر الطبيعية - بإذن الله - هي الخصم فإن الملك بالمقابل، شكل لجان محاسبة لتلك المخططات التي تحولت إلى مصائد موت.. نتمنى أن تكون تلك اللجان بقوة وصرامة السيول التي حولت بعض أحياء جدة إلى طوفان لكي تقتلع العنصر الفاسد وتجرفه وتجعله عبرة للآخرين ممن هم في الطرف الآخر من مدن ومناطق المملكة، اعتقدوا أنهم في مأمن من طوفان المعالجة والمحاسبة كونهم خارج النطاق البلدي في قطاعات مثل: الصحة والتعليم والاقتصاد والماء والكهرباء وغيرها.
خصم البلديات والأمانات هو المياه لكن هناك خصوما لنظام الصحة والتعليم والاقتصاد والشؤون الاجتماعية وليست بالضرورة أن تأتي على شكل سيول وأمطار قد تكون فاعلية الجهات الرقابية والمجتمع والناس إذا تحركوا ضد الفساد وأصبحت محاربة الفساد ثقافة إدارية ومجتمعية سندها الله ثم مليك البلاد.. وهنا على الأجهزة الرقابية والمجتمع المتحفز أن يسهموا في كشف الفساد والإعلان عنه ومحاربته اجتماعياً من خلال عزل المرتشين والمنتفعين والبطانة التي تسهل عمليات الفساد وتحيطها بالغطاء الإداري والفني.