سوق الأسهم بين ديون دبي وأمطار جدة

ما زال الحديث عن مستوى تعاطي المتداولين في سوق الأسهم السعودية مستمرا، وتحدث الكثير عن مستوى الثقافة الاستثمارية بين المتداولين خلال السنوات الخمس السابقة تحديداً، ويبدو أن هذا الحديث ما زال مستمرا وما زالت الشواهد تعطي كثيرا من التعليق على كيفية تعاطي المتداولين مع المعطيات والمعلومات على أرض الواقع.
وخلال الأسبوعين الماضيين شهدنا حدثين مهمين ألقيا بظلالهما على افتتاح سوق الأسهم السعودية بعد إجازة عيد الأضحى المبارك، وهما الكارثة الأليمة التي أودت بحياة كثير من إخواننا في جدة جراء الأمطار الغزيرة التي هطلت خلال الأسبوع الأول من شهر ذي الحجة ــ نسأل الله أن يغفر للموتى وأن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان ــ والحدث الآخر إعلان شركة دبي العالمية إعادة جدولة ديونها وردة فعل البنوك العالمية على ذلك الخبر.
والشاهد من الحادثين هو ردة فعل المتداولين من خلال أول يوم تداول على الأخبار والمعلومات الناتجة عن تلك الحوادث، حيث إن ردة الفعل لا تعكس بأي حال من الأحوال ردة الفعل المنطقية أو الطبيعية لتلك الأخبار. من جهة، أن أزمة شركة دبي العالمية (التي تبلغ ديونها 59 مليار دولار قد طالبت دائنيها بتأجيل دفع ديونها المقبلة حتى أيار (مايو) من العام المقبل) كانت أزمة مالية إماراتية داخلية وإن كان البعض يذهب إلى أبعد من ذلك ويصفها بالمتوقعة. وهذا التوقع ليس وليد اليوم, بل قراءة للمتغيرات الاقتصادية في إمارة دبي منذ بدأت الأزمة المالية العالمية في الربع الثالث من العام الماضي، ومن جهة أخرى أن أبعاد أزمة الديون لم تشمل بشكل كبير البنوك السعودية. ولعل التصريح الذكي والوجود الرائع لمحافظ مؤسسة النقد السعودي ببيان مدى تأثر البنوك السعودية من الأزمة جاء قبل افتتاح السوق بعد الإجازة وجاء بشكل إيجابي, بحيث ألغى جميع احتمالات دخول البنوك السعودية في أزمة ديون مع شركة دبي العالمية، ولعل العجيب هو هبوط الأسهم المحلية يوم السبت, أول يوم تداول بعد الإجازة, أي بعد نحو عشرة أيام من إعلان خبر ديون شركة دبي العالمية ونوعية الدائنين, إضافة إلى إيضاحات محافظ مؤسسة النقد، ومع ذلك نزل السوق بنسبة تصل إلى 2 في المائة قبل أن يغلق على خسارة نحو 86 نقطة، بينما نجد أن قيمة أسهم البنوك, وهي المعنية بالأمر في البورصات الأوروبية تراجعت بنسبة 3 في المائة عند افتتاحها صباح اليوم التالي للخبر بسبب المخاوف من انكشافها على الأزمة المالية في دبي.
ومن خلال ملاحظتي لأداء بعض الأسهم في سوق الأسهم يوم الأحد، حيث شهدت السوق فيه بعض التحسن, فقد لفت انتباهي بشكل كبير ارتفاع أسهم عديد من شركات التأمين في السوق، ومن وجهة نظري أن أسهم شركات التأمين تعاملت بشكل ألغى محاذير استثمارية مهمة ناتجة عن أزمة السيول في مدينة جدة وما نتج عنها من إتلاف آلاف السيارات والمعدات والمباني، حيث إن شركات التأمين هي الخاسر الأكبر في حالة حدوث الأمطار (حتى إن كانت حادثة جدة تعد من الكوارث الطبيعية التي لا يغطيها التأمين عادة، ولا أعلم إلى أي حد تعد التلفيات ضمن بوليصة التأمين) إلا أن استمرار هطول الأمطار يتسبب بشكل مباشر في حدوث الحوادث المرورية التي تعد السيارات الغذاء الرئيس لها. بمعنى أن شركات التأمين ستواجه تحديا كبيرا بسبب زيادة الحوادث المرورية ومن ثم ازدياد التكاليف عليها. وتعني في حديثنا هذا أن الربع الرابع قد لا يكون الأفضل لشركات التأمين من ناحية الربحية بسبب ارتفاع تكاليف إعادة التأمين على المركبات.
ويبقى حال السوق وسلوك المتداولين فيها لا يخضع ــ من وجهة نظري ــ لأي تحليل استثماري منطقي، وما زالت قوى السوق تحركها في اتجاهات محددة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي