بحيرة المسك تفوح برائحة الأخطاء

بحيرة المسك التي عرفت بعد الأربعاء الأسود في جدة ليست حالة استثنائية وليست أيضاً ابتداعاً جداوياً, وإنما هي حالة شبه عامة في كل مدينة لأن الصرف الصحي تأخر كثيراً وطويلاً عن مواكبة خطوط الخدمات العامة مثل الماء والكهرباء والهاتف وبقي الصرف الصحي غير متواز مع شبكات الخدمات الأخرى التي وجدت في سيارات الصهاريج وحفر الآبار حلاً لمشكلاتها. والكهرباء وجدت بالمولدات حلاً, والهاتف عوض عنه الجوال وبقي أمر الصرف الصحي وتصريف مياه السيول مفتوحاً أمام أمناء ورؤساء البلديات يحلون الصرف الصحي كل على طريقته, إما إفراغها في بحيرات صناعية أو بطون الأودية، والناس أيضاً حلت مشكلاتها بالبيارات والتسرب (طفح الشوارع).
وفي المقابل جدة هي الأخرى حلت مشكلاتها في بحيرة المسك وبعض المدن كانت أكثر تحضراً صرفته للأودية بعد معالجته وتنقيته, وهذا أحد الحلول, ولكن ليس الحل المثالي, وبعض المدن الأخرى صرفته دون معالجه إلى الأودية، وهنا تكمن أخطر المشكلات بأن نحل مشكلة على حساب مشكلة أكبر وهي تلويث الطبقات الحاملة للمياه في القطاع الرسوبي، وأيضاً تلويث مكامن المياه في القطاع الدرع العربي والتي تعرف بمياه الشقوق.. المياه المخزنة من آلاف السنين هي مياه قديمة وجيولوجية تحولت إلى طبقات ملوثة بفعل صرف مياه البيارات ونفايات المصانع إلى مكامن المياه الجوفية دون معالجته لنستعيدها نحن مباشرة ونستعملها عبر الأودية السطحية ذات المياه الضحلة أو تستنزفنا مالياً من خلال التكرار المضني والشاق لعمل مضخات ومعامل التحلية وهي تكلفة إضافية.. فصرف مياه الصرف الصحي على الأودية هي كارثة أجيال, لأن المياه المخزنة في طبقات الأرض لا يمكن تعويضها بالمنظور القريب, وقد تحتاج إلى مئات وآلاف السنين حتى تتجمع.
هناك دول عديدة في العالم تماثلنا من نواحي البيئة والمناخ والتضاريس, وهي دول صناعية متقدمة مثل أجزاء من الصين وأمريكا الشمالية وبعض دول آسيا الوسطى، وقد أوجدت لها حلولاً لمشكلات الصرف الصحي ووضعت لها مجاري آمنة ومعامل لتكرير تلك المياه ومعالجتها.. كما أن هناك دولا أوروبية قائمة بنيتها الجيولوجية على دروع وغطاء رسوبي ومحاطة بأنهار وبحار ورغم ذلك لم تصرف مياه النفايات والمصانع والصرف الصحي مباشرة إلى الأودية, بل عملت على المعالجة للاستفادة منها في الري والزراعة والصناعة.
لا شك أن مياه الصرف الصحي تحد، لكن الحلول يجب ألا تكون على حساب المياه المحصورة في الطبقات الجوفية أو البحار أو تلويث البيئة بالرائحة والحشرات والأوبئة ومعالجة الصرف الصحي قد تساوي أهمية المياه المحلاة، فكما نصرف المبالغ والأموال على تحلية المياه علينا في المقابل العمل على تخصيص الميزانيات (المستردة) للصرف الصحي كنوع من بيع الخدمة مثل الماء والكهرباء والهاتف ولكن بالسرعة نفسها التي نقدم فيها خدمات الماء والكهرباء وتكون ضمن إجراءات البناء إيصال شبكة الصرف الصحي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي