عقوق الوالدين
قال تعالى في سورة الاسراء ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) جاء في تفسير ابن كثير عن هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتَعَالَى آمِرًا بِعِبَادَتِهِ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ فَإِنَّ الْقَضَاء هَاهُنَا بِمَعْنَى الْأَمْر قَالَ مُجَاهِد " وَقَضَى " يَعْنِي وَصَّى وَكَذَا قَرَأَ أُبَيّ بْن كَعْب وَابْن مَسْعُود وَالضَّحَّاك بْن مُزَاحِم " وَوَصَّى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ " وَلِهَذَا قَرَنَ بِعِبَادَتِهِ بِرّ الْوَالِدَيْنِ فَقَالَ " وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " أَيْ وَأَمَرَ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا كَقَوْلِهِ فِي الْآيَة الْأُخْرَى " أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك إِلَيَّ الْمَصِير " وَقَوْله " إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدك الْكِبَر أَحَدهمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفّ " أَيْ لَا تُسْمِعهُمَا قَوْلًا سَيِّئًا حَتَّى وَلَا التَّأْفِيف الَّذِي هُوَ أَدْنَى مَرَاتِب الْقَوْل السَّيِّئ " وَلَا تَنْهَرهُمَا " أَيْ وَلَا يَصْدُر مِنْك إِلَيْهِمَا فِعْل قَبِيح كَمَا قَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح فِي قَوْله " وَلَا تَنْهَرهُمَا " أَيْ لَا تَنْفُض يَدك عَلَيْهِمَا وَلَمَّا نَهَاهُ عَنْ الْقَوْل الْقَبِيح وَالْفِعْل الْقَبِيح أَمَرَهُ بِالْقَوْلِ الْحَسَن وَالْفِعْل الْحَسَن فَقَالَ " وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا " أَيْ لَيِّنًا طَيِّبًا حَسَنًا بِتَأَدُّبٍ وَتَوْقِير وَتَعْظِيم .
فلماذا إذن يعصي بعض الناس والديهم ويغضبوا الله سبحانه وتعالى ؟ ولماذا أيضا لا يعملون بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي أمرت برعايتهم والإحسان إليهم ؟ ألم يعلموا أن كل أفعالهم في حق والديهم إن كان خيرا أو شرا سوف ينالون مثلها من أبنائهم أو من أقربائهم أو من أي إنسان آخر ! فمن المعروف أن الحياة كما تدين تدان وأن الله عز وجل عند ارتكاب المعاصي يمهل ولا يهمل لكي يعطي فرص جلا شأنه للرجوع عن المعصية وإعلان التوبة وطلب المغفرة , إن ما يثير الدهشة والعجب أن نسمع أو نرى عن إنسانا بكامل قواه العقلية يعامل والديه معاملة جافة أمام أعين وآذان أبناءه وعائلته ويستغل ضعفهم وكبر سنهم في إصدار أوامره أو إجبارهم على فعل أشياء لا يريدون أن يفعلوها, بل بعض الأبناء لا يلتفتون إلى آبائهم عند سماعهم نداءهم أو رنة هاتفهم ولا يتقبلون توصياتهم ونصائحهم بحجة أنهم يتدخلون في حياتهم الشخصية , وهناك أيضا من يتكلم عنهم أمام أبناءه بالسوء فيقول ( كبروا وخرفوا ) أو ( هياخدوا زمنهم وزمن غيرهم ! ) وبعض الأبناء تصل قسوتهم وعقوقهم لوالديهم إلى حد تمنيهم لموتهم ! حتى يرثوا أملاكهم أو يخلوا لهم الجو مع زوجاتهم وأبنائهم ! وحتى يصبح البيت أو الغرفة التي يسكنوا فيها ملكا لهم وبذلك ينتهي هذا الإزعاج وهذا القلق الذي كان يشغلهم وربما يشغل زوجاتهم أو أزواجهم بشكل كبير!! , كل هذا وأكثر من الممكن أن يصدر من الأبناء الجاحدين الذين يخيل لهم تفكيرهم أن الشيخوخة لن تصل إليهم ولن ينالوا نفس المعاملة من أبنائهم ! , ولو نظرت تلك الفئة الظالمة لأنفسها بتصرفاتها الغير محسوبة قبل أن تقدم على ظلم والديها إلى ما قدموه آبائهم في شبابهم من تضحيات وسهر ليالي طويلة من أجل خدمتهم والعمل على راحتهم ليلا نهارا بل يجدون دعواتهم المستمرة بالنجاح والتفوق تسبق خطواتهم فهل هذا جزاؤهم ؟!.