في الذكرى الأولى للعدوان .. عبر ودروس
تمر بنا هذه الأيام الذكرى الأولى لارتكاب العدو الصهيوني واحدة من أبشع وأقذر الجرائم ضد الإنسانية وقيم التحضر في العصر الحديث، فضلا عن تعاليم الأديان السماوية التي تجرم قتل الإنسان بغير حق والرافضة لكل أشكال الظلم والعدوان، وهي ذكرى جريمة العدوان الذي أطلق عليه عملية «الرصاص المصبوب» ضد قطاع غزة المحاصر والمجوع، واختيار اسم كهذا وحده كاف كدليل على النوازع الإجرامية لهذا العدوان، ومن مساخر الضمير العالمي ومضحكات الشرعية الدولية، أن تلك الجريمة والتي ارتكبت في وضح النهار وأمام بصر العالم وتحت سمعه، جرت في ظل محكمة جنايات دولية وقوانين تعاقب مجرمي الحروب وشريعة حقوق الإنسان، تطبق في دارفور السودانية لمجرد شبهة مثلا، وتغمض عينيها عن غزة وشواهد الجريمة تشهد عليها حتى مؤسسات الأمم المتحدة نفسها، ومع هذا لم يتحرك إلا الضمير العالمي الشعبي بكم المظاهرات التي عمت كل مدن العالم وقتها وهي تعلن إدانة العدوان، بينما أغمض الضمير العالمي الرسمي عينيه، ومن فتحهما على استحياء برر الجريمة بأنها حق دفاع عن النفس..!!
بعد مرور عام على الجريمة الصهيونية ضد غزة، تكشفت أبعادها الوحشية، ومن هذه الأبعاد أنها ما زالت مستمرة ولم تتوقف، صحيح أن أصوات المدافع توقفت، ولكن الجريمة مستمرة وبكل أسف في ظل غيبة للقانون والشرعية الدوليين عما يجري باستمرار إحكام الحصار على غزة المدمرة والمخنوقة، ومنع دخول المؤن سواء الإنسانية منها أو الإنشائية لتعمير المستشفيات والمدارس ومقار المؤسسات الإنسانية بمختلف أشكالها، التي دمرت عمدا واستهدافا طوال أسابيع العدوان للقضاء على إمكانات الحياة الطبيعية في القطاع، وهذه بحد ذاتها جريمة ضد الإنسانية حين يمنع شريان الحياة عن شعب كامل.
شهد العالم العديد من الحروب، ومنها ما يوصف بالجريمة، ووصف أي حرب بالجريمة يتوقف على ما تستهدفه، وعدوان «الرصاص المصبوب» هو جريمة حرب كاملة الأركان والشواهد، لأن هذا الرصاص صب على رأس شعب أعزل واستهدف مؤسساته المدنية والإنسانية، فغزة ليس لديها جيش بدبابات وطائرات، بل مجرد شرطة ومقاومة فقط، وهؤلاء لا يحتاجون إلى أحدث الطائرات الحربية الجهنمية، والمدرعات المدمرة، واستخدام أشد وأعنف القنابل والصواريخ المهلكة والمحرمة دوليا، فهي لن تجد ما تدمره غير مدنيين ومقارهم فقط، وهذا ما نتج من هذا العدوان الإجرامي على غزة الأبية الصامدة.
تقول الإحصائيات إن تلك الحرب الإجرامية شردت 20 ألف فلسطيني في غزة وجعلتهم بلا مأوى، ودمرت تدميرا كاملا خمسة آلاف مسكن، ونحو 50 ألف منزل دمرت جزئيا، وبلغ ما دمره العدوان من مباني القطاع 14 في المائة، وأن حجم النفايات الصلبة المنزلية المتراكمة نتيجة لذلك في شوارع غزة وصل إلى 20 ألف طن، وحجم الركام الناتج عن العدوان 1.5 مليون طن، وتعرض 15 مستشفى لأضرار بالغة وتدمير 43 مركزا للرعاية الصحية الأولية، أما على صعيد الخسائر البشرية فهي مهولة فقد استشهد 1455 شهيدا 82 في المائة منهم مدنيون، و35 في المائة نساء وأطفال، و16 في المائة من الطواقم الطبية، وبلغ الجرحى 5303 جرحى منهم 49 في المائة نساء وأطفال، وهناك أكثر من 1700 أسرة فقدت عائلها بالوفاة أو الإصابة، واستخدم العدو الصهيوني العنصري في ارتكاب جريمته ما زاد على ثلاثة ملايين كيلو جرام من الذخائر، أي بمعدل كيلو جرامين لكل مواطن فلسطيني في القطاع، ومعظم ما استخدمه منها محرم دوليا مثل الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، ونتيجة لاستخدام العدو هذا النوع من الذخائر، تزايد عدد المواليد والأجنة المشوهة وحالات الإجهاض وإصابة النساء بسرطان الرحم وللرجال بالعقم، ولهذا فقد أطلقت مؤسسة «الضمير لحقوق الإنسان» تحذيرا من خطورة الوضع الصحي والبيئي في قطاع غزة بسبب استخدام العدو مثل تلك الأسلحة المحرمة دوليا.
بعد هذه الإحصائيات المفجعة والنتائج الكارثية على قطاع غزة نتيجة لجريمة عدوانية ضد شعب محاصر أعزل، هل هناك من يمكن أن يجادل بأن هذا الكيان الإجرامي بعدوان رصاصه المصبوب قد ارتكب ولا يزال جريمة إبادة جماعية وضد الإنسانية تفوق بشاعة وعنصرية عما فعلته النازية في الهولوكست والفاشية وكل العقائد الشاذة في التاريخ الإنساني من جرام؟ وأمام هذه النتائج والوقائع الإجرامية لكيان عنصري بز النازية والفاشية، والتي ثبتها تقرير جولدستن الدولي المحايد، أين السيد أوكامبو المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية..؟ لماذا لم نسمع له صوتا ونرى له حماسا كما فعل مع السودان..؟!!
هذه الأسئلة ستبقى بلا أجوبة ما دام هناك من يحمي هذه الجريمة ويغطي عليها من ناحية، ومن ناحية أخرى ما دام هناك صمت مطبق من الجميع وكأن الشعب الفلسطيني في غزة ليسوا بشرا ولا مسلمين ولا عربا.
تحية لغزة وشعبها وهي تصمد أمام العدوان، وتحية لها وهي تقاوم الحصار والتجويع وتقدم للتاريخ أمثولة المقاومة والكرامة، والخزي والعار لمن حاول اغتيالها قتلا وخنقا، ولمن صمت ولا يزال صامتا كالشيطان الأخرس.