لننقذ تجربة حي الحمراء في مدينة الرياض
يعد حي الحمراء حياً فريداً على مستوى المملكة وليس فقط على مستوى مدينة الرياض، فهو قد يكون الحي الوحيد في مدينة الرياض الذي لا يتبع التخطيط الشبكي ولا تخترقه مطلقا أي شوارع تجارية، وهي الظاهرة التي تعد واحدة من أهم أسباب تردي مستويات الأحياء في مدينة الرياض وغيرها من مدن المملكة. فبسبب الشوارع التجارية العشوائية التي تخترق الأحياء في شتى الاتجاهات، فإنك تجد في الحي الواحد قصرا كلف بناؤه عشرات الملايين، وغرفة فوق سطح عمارة تسكنها عمالة سائبة، ومئات المحال التجارية من سباك ونجار وحلاق وحتى المراكز التجارية الكبرى بكثافة مهولة تعتقد أن ما يوجد في حي واحد يكفي مدينة الرياض بكاملها. بالتالي لم يعد لأي حي في مدننا أي خصوصية أو مستوى اجتماعي محدد، وهي ظاهرة لا تجد لها مثيلاً في أي دولة متقدمة في العالم، حيث تكون الأحياء مكونة في الغالب من مستوى متماثل من الوحدات السكنية، لا خليطا عشوائيا من جميع المستويات كما هو حال أحيائنا.
وكان التفسير لهذه الظاهرة أنها ناتجة عن قوة نفوذ ملاك الأراضي الذين يملكون مساحات كبيرة ويرون أن سعرها في السوق سيرتفع بقدر ما يخترق مخططات أراضيهم من شوارع تجارية، بالتالي يفرضون هذا الأسلوب من التخطيط على البلديات، ما دمر مستويات الحياة في أحياء مدننا وأفقدها الإحساس المجتمعي وزادت الجفوة بين السكان بسبب الفوارق الهائلة بينهم من حيث الدخل، والمستوى الاجتماعي، والمستوى التعليمي، وغير ذلك، فجاران قد يكونان من عالمين مختلفين تماما فكيف لنا أن نتصور قيام أي علاقة بينهما.
إلا أن المفاجئ أن الأمانة نفسها هي المسؤولة عما تعرض له تخطيط حي الحمراء من تخريب باعتبار أنه حي سلم تماماً من سطوة كبار تجار الأراضي فوزارة البلديات تولت بنفسها تخطيطه وقامت بتوزيعه منحاً على أعضاء هيئة التدريس في الجامعات ثم سلمته جاهزاً إلى أمانة مدينة الرياض، وكان مرشحا لأن يكون حياً نموذجيا لو أحسنت الأمانة إدارته، إلا أن ما تم على أرض الواقع كان مختلفاً تماما. فميادين الحي بدلاً من أن ترصف وتشجر أصبحت مكبات للمخلفات والنفايات دون رقيب أو حسيب، ولم تكتف بلدية الروضة الفرعية بالسماح لصغار المستثمرين بتمزيق أوصال قطع الأراضي فيه من خلال السماح بتقسيمها إلى قطع صغيرة تسببت في رفع الكثافة السكانية في الحي وأفقدته خاصية الهدوء و''الشراحة''، وإنما بلغ بها الأمر حد السماح ببناء عدة وحدات سكنية في قطعة الأرض الواحدة، دون أدنى اعتبار لساكني الحي أو لطبيعته التخطيطية.
فعلى سبيل المثال قامت البلدية الفرعية بمنح رخصة بناء لأحد الأشخاص ليقيم ست وحدات سكنية تجارية متلاصقة على قطعة داخلية تقع في نهاية برحتين متظاهرتين بمخرج ضيق لا يزيد عرضه على 15 متراً فقط على كل برحة، ولو توقع أي من الجيران أن البلدية ستقدم على تشويه وتخريب هذا الحي وتغيير تركيبته العمرانية من خلال منح رخصة بناء لعدد كبير من الوحدات المتلاصقة في قطعة أرض داخل برحة مغلقة لما أقدم أي منهم على السكن في هذا المكان المغلق الضيق مطلقا. فمثل هذه الوحدات المتلاصقة يسمح بإقامتها عادة على الشوارع التجارية وليس داخل الأحياء السكنية، ووجودها هنا يمثل كارثة لساكني الحي بسبب المشكلات الهائلة التي ستنتج عن هذا الاكتظاظ السكاني في منطقة مغلقة لا يتوافر فيها حتى مواقف كافية للسيارات، وستعوق حركة المرور داخل البرحتين ما سينتج عنه خلافات ومشكلات جمة بين الجيران مستقبلا، وفيه هضم لحقوقهم وفوات لحق الخصوصية، التي بناء عليها أقدموا على بناء مساكنهم في هذا المكان بتكاليف ضخمة بررتها تعليمات المخطط وطبيعته. وأمين مدينة الرياض وهو الأستاذ الجامعي المتخصص في التخطيط لا يمكن أن يقبل أو يرضيه ما يتعرض له تخطيط هذا الحي النموذجي من تخريب وما يترتب على ذلك من إفشال لهذه التجربة الفريدة، التي كنا نأمل أن تنضج وتنجح وتصبح أنموذجا للأحياء الجديدة في مدينة الرياض وغيرها من مدن المملكة، ولا بد أن تكون كل هذه التعديلات التخطيطية ناتجة عن قصور في أداء البلدية الفرعية ومسؤولي إصدار تراخيص البناء فيها، وأملنا أن يبادر سموه باتخاذ ما يلزم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال تشكيل لجنة تحدد ما يكون جائزاً وما لا يجوز من تعديلات تخطيطية وعمرانية في هذا الحي ذي الطبيعة الخاصة، فالبلدية الفرعية قد لا تكون واعية ولا مدركة للطبيعة التخطيطية الفريدة لهذا الحي، وما نتج عن عشوائية التخطيط في مدينة جدة من كوارث يجب أن يكون جرس إنذار لنا جميعاً فلا تكرر الأخطاء التي تخدم فقط مصالح فردية ضيقة على حساب الصالح العام وحقوق عموم المواطنين وأفراد المجتمع.