الوصايا العشر لفشل الأعمال والمشاريع (2 من 2)
تحدثنا في المقال السابق عن الإدارة ودورها وأهميتها في نجاح الأعمال وذكرنا أهمية دور القائد و طريقة عمله وكيف يمارس صلاحياته لنجاح أو فشل شركته أو القطاع المسؤول عنه، وتطرقنا لكتاب ''الوصايا العشر لفشل الأعمال'' لمؤلفة دونالد كاف الرئيس السابق لشركة كوكاكولا، وذكرنا من الوصايا أربعا جاءت في كتابه، اليوم نتحدث عن بقية الوصايا لعلنا نستلهم منها بعض العبر وما ينفعنا.
الوصية الرابعة: أحب البيروقراطية أو تمسك بالبيروقراطية
يقول الكاتب إن آخر رسالة كتبها جاك ولش أشهر رئيس تنفيذي لجنرال إلكتريك أوصى فيها المسؤولين من بعده عند تركه للشركة بقوله''اكرهوا البيروقراطية'' أي اعملوا كل شيء للتخلص منها.
ويوضح الكاتب أنه مع بداية أي عمل يكون هناك بعض القوانين والإجراءات التي تنظم العمل ،ولكن مع مرور الوقت تبدأ هذه القوانين والإجراءات تأخذ شكل أكثر صعوبة وتعقيدا وتكون عائقا أمام أداء العمل الذي وضعت من أجله، بل تحد من الطاقة الإيجابية للعمل، مع الوقت يبدأ البيروقراطيون المسؤولون عن هذه القوانين والأنظمة الدفاع عنها لأن أي تغير يفقدهم صلاحياتهم وسلطاتهم وفي الغالب يكون هؤلاء البيروقراطيون سببا في تعثر سير العمل بل توقفه أحيانا، وتجدهم ينشغلون بإعداد الخطابات والمذكرات لحماية مواقفهم وأنفسهم، وعندما يذهبون إلى منازلهم يشتكون من حجم العمل، وفي الحقيقة لم يتم إنجاز أي عمل بل العكس فإنه بوجود موظفين ومسؤولين بهذه العقليات يكون الفشل متحققا.
ويتضح حجم الأشغال والانشغال الذي تسببه البيروقراطية، ففي سنة واحدة وفي أمريكا وحدها تم تصوير أكثر من 500 مليار نسخة ةيتساءل لماذا كل هذا ومن يصور لمن؟ وهذا سببه إجراءات روتينية وبيروقراطية.
ويذكر أنه بالتجربة والخبرة، عندما تعين مديرا جديدا فخلال سنة سيحتاج إلى مساعد وبعد مدة المساعد يصبح مديرا ويحتاج إلى مساعد آخر، وهكذا يكثر الموظفون وتكثر الاجتماعات ومزيد من الأعمال الورقية، وعندما يتصل العميل لا يجد أحدا يرد عليه أو يباشر طلبه، كلهم مشغولون باجتماعات وغيرها، فانشغلوا بأعمال روتينية عن العميل مع أنه هو الأساس!
ويذكر الكتاب قصة توضح أن البيروقراطيين والبيروقراطية لا يهمهم الإنجاز بل يهتمون بالإجراءات، يقول إنه عندما صدر قرار نقله إلى مدينة أخرى أرسل سكرتيرته قبله لتجهز المكتب، وبعد عدة أيام وعندما وصل إلى المقر الجديد وجد سكرتيرته تبكي فعندما سألها عن السبب قالت له لم استطع عمل أي شيء حتى عندما طلبت دباسة قالوا لي املئي النموذج الخاص ولكن لا توجد نماذج طلب دباسة.
ويقول إن البيروقراطيين لا يقولون لا، ولكنهم لا ينفذون العمل ويستشهد كذلك بقصة توضح هذه الحقيقة. فقد وجد في مقره الجديد أن سجادة المصعد تحتاج إلى تبديل وأبلغهم بذلك وكل مرة تكون الإجابة أنها مجدولة ضمن أعمال الصيانة، ويقول تركت الموقع بعد سنتين لأنه نقل إلى عمل آخر في الشركة والسجادة لم تستبدل بعد.
و يوضح خطورة البيروقراطيين ويقول إذا أردت أن تفقد موظفيك الموهوبين فما عليك إلا أن تجعل عليهم رئيسا يحب الإجراءات و متمسك بالبيروقراطية.
ويطول ما كتبه عن البيروقراطية وهو محق، ويقول: نجد في بعض المكاتب موظفين بلا عمل ولو سألت أحدهم: ''ما عملك يا جاك ؟'' لقال: ''لا شيء''، ولو سألت الشخص الذي معه: ''وما عملك أنت يا بوب ؟'' قال: ''احتياطي لجاك''.
هذا لديهم وفي شركات ربحية وتبحث في تطوير عملها ونفسها ،إذا: ما واقع الحال لدينا؟ ما عليك إلا أن تمر على بعض المكاتب وتسأل مثل هذه الحالات فستجدها بشكل أوسع لدينا، فكم جاك وبوب في مكاتبنا ونحن عنهم وعن عملائنا مشغولون.
ويؤكد أهمية مراجعة هذه الإجراءات بين فترة وأخرى وإلا فإنها ستزداد حتى تعوق العمل ويستدل على كلامه بمثال لرئيس شركة ناجح وهو باركير حينما اشترت شركته شركة أخرى قام بعد مراجعة أداء العمل بإلغاء 55 لجنة في الشهر الأول، كانت هذه اللجان تستهلك عشرة آلاف ساعة عمل شهريا.
قال عن البيروقراطية تعريفا لطيفا ساخرا ''اللجنة مجموعة من الأفراد على المستوى الشخصي لا يمكن أن يؤدوا أي عمل، وعندما اجتمعوا قرروا إنه لا يمكن تأدية العمل''.
وتعتبر البيروقراطية من أصعب وأكبر معوقات التطور في بلادنا، فعندما يتولى أي مسؤول منصبه الإداري الجديد ولديه الرغبة الجادة في التصحيح والتطوير فلا تملك إلا أن تتعاطف معه وتدعو له كونه سيواجه هذه القيود والمعوقات التي تراكمت بفعل البيروقراطية الإدارية على مر السنين، فلا يعلم من أين يبدأ وكيف يبدأ فلديه تركات صعبة في الجهاز الذي استلمه، ولديه حواجز وقيود بفعل بعض الأنظمة والقوانين التي وضعت لغير هذا الوقت، ومواجهات ساخنة مع بعض المسؤولين والموظفين في بعض الوزارات المعنية بالأنظمة ممن جعلوا مسؤوليتهم الأولى خدمة هذه الأنظمة والدفاع عنها وليس خدمة البلد وتلمس احتياجاته، فنجد بعضهم يكاد يصم آذانه وعقله عن سماع المنطق واستشعار أهمية أي طرح جديد،وفي كل مرة يعود ويكرر الدفاع عن أنظمة وقوانين أصبح البلد أسيرا لها، فلا هم عدلوها لتواكب مستجدات المرحلة، ولا هم تركوا غيرهم يعمل أو يقدم ما لديه من جديد لتحريك عجلة التنمية، فبقوا في مناصبهم حجر عثرة وشاهدا على البيروقراطية الإدارية السلبية.
الوصية الخامسة: لا تأخذ وقتا للتفكير
هذه من أفضل الوصايا للفشل طبعا بعد البيروقراطية فالمثل يقول ''المشكلة الحقيقية ليست في هل تعمل الآلات وإنما هل يفكر الأشخاص؟''.
وأعتقد أنه في عالمنا العربي يمارس كبار المسؤولين هذه الوصية على أكمل وجه فهم مشغولون في مكاتبهم فما إن يصل أحدهم إلى المكتب إلا ويجد الأعمال الروتينية تنتظره، فهذا موظف يضطر لرؤية المسؤول لأن الصلاحية لديه فقط والبقية ليست لديهم صلاحيات، وهذا موظف يرغب أن يراه المسؤول، وهذا مراجع يعتقد أن الحل فقط لدى أكبر مسؤول في القطاع وبهذا نجد أن المسؤول انشغل دون أن يدري بأعمال ليست له ولكنها أعمال موظفيه ولعدم وجود تفويض, ورفع الصلاحيات إلى أعلى جعلت مسؤولينا مشغولين بأعمال لا تقدم ولا تؤخر، وشغلتهم عن أعمالهم بل نجدهم عندما ينتهي وقت الدوام من مراجعين وتوقيع أوراق وبعض الاجتماعات، يرجع إلى المنزل مع عدد من حقائب مليئة بمعاملات روتينية أخرى، فكيف له أن يفكر.!!
ثم يأتي الكاتب على ذكر أمور كثيرة لا أرغب الإطالة ولكن أكتفي بهذه المقولة التي أعتبرها مختصرة وتؤدي الرسالة، يقول الكاتب:''إذا أردت الفشل لا تأخذ وقتا للتفكير، وإذا أردت أن تنجح خذ الكثير من الوقت للتفكير'' ويقول: ''التفكير أفضل استثمار تقدمه لشركتك، لمستقبلك الوظيفي، بل لحياتك''.
طبعا إذا لم يستطع المسؤول أن يفكر لأن ليس لديه وقت فماذا سيعمل فيما يواجهه من أمور تحتاج إلى تفكير أو حل؟ حتما سيطبق الوصية السابعة.
الوصية السادسة:ضع ثقتك في الخبراء والشركات الاستشارية
كما ذكرنا بسبب الوضع الذي وجد المسؤولون أنفسهم فيه فإنهم حتما سيضطرون للاستعانة بهذه الشركات وهؤلاء الخبراء,فمعظم المسؤولين ليس لديهم وقت لاكتشاف القدرات الموجودة لديهم في شركاتهم أو جهازهم، وبعض المسؤولين يطبق مقولة (مزمار الحي لا يطرب).
الوصية السابعة : توقف عن القيام بأي مخاطرة
طبعا في القطاع الخاص لابد من أخذ بعض المخاطرة، ونحن هنا نطالب فقط بالمبادرة أو قبول المبادرات التي تعرض على المسؤولين الذين يترددون أمام كل جديد فبعض المسؤولين (لن أقول معظمهم) إذا عرض عليه رأي أو اقتراح من شخص أو مبادرة من موظفيه أو غيرهم نجده يبدأ في التشكيك في الفكرة وصعوبة تطبيقها وغيرها من الأعذار وفي أحسن الأحوال تتم إحالتها للجنة للدراسة وتستمر الدراسة حتى تفقد الفكرة أو المبادرة معناها ويمضي الوقت ومن ثم يحجم الآخرون عن تقديم أي مبادرات ويسير العمل على الوتيرة السابقة ويرتاح المسؤول من إزعاج المبادرات وروح المبادرة والأفكار الجديدة.
ويقول المثل القديم (الناس المبالغون في التخوف والحذر يحققون القليل) هذا إن حققوا شيئا.
الوصية الثامنة: لا تكن مرنا
تتفق هذه الوصية مع سابقتها بعدم تقبل ما هو جديد وأن كان الشخص غير المرن يقدم على المخاطرة لكن بطريقته المعتادة فهو اعتاد على نهج ويريد أن يستمر عليه، ولا يسمع ولا يقبل طرقا أخرى وبالتالي يحرم الجهاز الذي يشرف عليه من تطبيق أفكار وطرق جديدة وقد يعرض الجهاز الذي يشرف عليه لنفس الأخطار. ويقول ميكافيللي (إنه لمن المحزن جدا لشخص ما أن تتغير الظروف من حوله، ولا يتغير هو). ومن لا يتقدم يتقادم. ورغبة في عدم الإطالة سأذكر بقية الوصايا.
الوصية التاسعة:أرسل رسائل مختلفة للموظفين
الوصية العاشرة:افقد محبتك ورغبتك في العمل
وفي نهاية المقال أنصح كل قائد ورئيس ومسؤول بقراءة هذا الكتاب الجيد. ويقول عنه جاك ولش الرئيس التنفيذي السابق لشركة جنرال إلكتريك '' كتاب يجب أن يقرأه كل قائد '' ..
والله من وراء القصد.