«السند لأمر».. أداة ضمان ووفاء
تتكون الأوراق التجارية من السند لأمر، الشيك، الكمبيالة وجميعها يخضع لنظام الأوراق التجارية الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم 37 وتاريخ 11/10/1383هـ، ويعد «السند لأمر» إحدى الأدوات المهمة لحفظ الحقوق وتوثيق الديون لما له من وظيفة جوهرية في أعمال التمويل والائتمان، إلا أنه ورغم هذه الأهمية يلاحظ عدم معرفة وإلمام الكثير بالسند لأمر كورقة تجارية ذات فوائد ومزايا عديدة، يؤكد ذلك لجوء الكثير من المتعاملين بالأوراق التجارية إلى استخدام الشيك كأداة ضمان على نحو يخالف وظيفة الشيك المحددة له في نظام الأوراق التجارية وهي أنه أداة وفاء لا ضمان بالرغم من وجود السند لأمر الذي يعد أداة ضمان ووفاء، فهو أداة ضمان عند التحرير ومنح التمويل وأداة وفاء عند الاستحقاق أي عند حلول الأجل. لهذا فإنني سأتناول من خلال مقالي هذا «السند لأمر» لأوضح ماهية وكيفية الاستفادة منه كأداة ضمان عند منح التمويل وإبرام العقود وأداة وفاء عند استحقاق الدين أو تعثر المدين في حال ما إذا كان السند لأمر يستحق عند الاطلاع، هادفاً من مقالي هذا إلى زيادة الوعي القانوني وحتى يتم استخدام السند لأمر بشكل واسع ليؤدي وظيفته المحددة في النظام كأداة ضمان ووفاء وبحيث يتم التوقف عن استخدام الشيك كأداة ضمان وحصر دوره بأن يكون أداة وفاء، وهو ما سيؤدي من الناحية العملية إلى التقليل أو القضاء على ظاهرة الشيكات بلا رصيد وفق الشرح أدناه.
يمكن تعريف السند لأمر بأنه «صك محرر وفقاً لشكل معين، يتضمن بيانات نص عليها النظام، يتعهد محرره بدفع مبلغ معين للمستفيد في تاريخ معين أو قابل للتعيين، أو بمجرد الاطلاع عليه»، أي أن السند لابد أن يكون مكتوباً وفق بيانات حددها نظام الأوراق التجارية، وينطوي على تعهد واضح وصريح بدفع مبلغ محدد من المال للمستفيد، ودفع هذا المبلغ إما أن يتم في تاريخ يحدده المحرر (مثلاً 22/10/2011م) أو بمجرد الاطلاع. كما حددت المادة 87 من نظام الأوراق التجارية البيانات الواجب توافرها في السند لأمر وهي : أ) شرط الأمر أو عبارة (سند لأمر) مكتوبة في متن السند وباللغة التي كتب بها. ب) تعهد غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود. ج) ميعاد الاستحقاق. د) مكان الوفاء. هـ) اسم من يجب الوفاء له أو لأمره. و) تاريخ إنشاء السند ومكان إنشائه. ز) توقيع من أنشأ السند (المحرر)، عليه يكون هذا هو المرجع والمعيار الذي يُحدد به نظامية السند لأمر، فالسند الخالي من أحد البيانات أعلاه لا يعد سنداً لأمر، والاستثناء من ذلك هو أن يخلو السند لأمر من ميعاد الاستحقاق أو مكان الوفاء أو مكان الإنشاء، فإذا خلا السند من ميعاد الاستحقاق اعتبر واجب الوفاء لدى الاطلاع وإذا خلا من بيان مكان الوفاء أو موطن المحرر، اعتبر مكان إنشاء السند مكاناً للوفاء ومكاناً للمحرر، وإذا خلا من بيان مكان الإنشاء اعتبر منشأ في المكان المبين بجانب اسم المحرر. لذا يتعين على كل تاجر التأكد من أن نموذج السند لأمر الذي يستخدمه في تجارته وأعماله ينسجم مع ما هو موضح أعلاه، أي أن السند لأمر يحمل البيانات الإلزامية على أقل تقدير وذلك حتى لا يفاجأ التاجر «الدائن» عند استحقاق الدين ومطالبته المدين بالسداد أن السند لأمر الذي حصل عليه لا يعد ورقة تجارية تخضع لنظام الأوراق التجارية، وبالتالي ضياع الحماية القانونية والقضائية التي قررها النظام للورقة التجارية. فعلى سبيل المثال إذا جاء السند لأمر خالياً من عبارة «سند لأمر» فقد الحماية المقررة له كورقة تجارية واعتبر سند دين عاديا لا يخضع لاختصاص قضاء الأوراق التجارية، وبالتالي يفقد المستفيد حقه في إقامة دعوى صرفية بموجب هذا السند لأمر أمام مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية في وزارة التجارة والصناعة، فالتقاضي بموجب السند لأمر ذو مزايا تختلف عن التقاضي بموجب سند الدين العادي أمام القضاء الشرعي، حيث لا يحتاج التقاضي بموجب السند لأمر إلى إثبات السبب الذي من أجله أصدر المدين السند لأمر ولا يحتاج الدائن إلى إثبات الدين بموجب مستندات أخرى كالعقود وكشوف الحساب، فالمبلغ الوارد في السند لأمر هو مبلغ الدين وهو ما يعرف لدى رجال القانون بمبدأ الكفاية الذاتية للورقة التجارية. كما أن من مميزات السند لأمر أن تحديد ميعاد الاستحقاق معلوم بموجب النظام، فقد نصت المادة 38 من نظام الأوراق التجارية على طريقة تحديد ميعاد الاستحقاق، ولهذا فإما أن يحدد ميعاد الاستحقاق بإحدى الطرق المذكورة في تلك المادة أو تترك خانة استحقاق السند لأمر دون تعبئة ويصبح السند لأمر واجب السداد لدى الاطلاع أي متى ما قدمه المستفيد للسداد، لذا فإن السند لأمر الذي يتضمن ميعاداً للاستحقاق لا يتماشى مع ما هو منصوص في أحكام المادة 38 من نظام الأوراق التجارية لا يعتبر سنداً لأمر، فإذا تضمن السند لأمر ميعاداً للاستحقاق أصبح ساري المفعول كورقة تجارية مدة ثلاث سنوات من تاريخ الاستحقاق، ويمكن خلال هذه المدة إقامة دعوى بشأنه كورقة تجارية، وإذا كان مستحقاً لدى الاطلاع أصبح ساري المفعول مدة أربع سنوات من تاريخ الإنشاء شريطة أن يتضمن الإعفاء من تحرير الاحتجاج والمصروفات. أيضاً هناك ميزة أخرى تتعلق بالتقاضي بموجب السند لأمر حيث توجد بيانات اختيارية يمكن إضافتها في السند لأمر لاختصار إجراءات التقاضي ويتمثل ذلك في شرط الرجوع بلا مصروفات أو دون احتجاج، والاحتجاج هنا يعني عدم جواز إقامة الدعوى مباشرة لدى مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية قبل تقديم احتجاج بسبب السند لأمر لدى مكتب الاحتجاج أولاً، فالسند لأمر المتضمن مثل هذا الشرط يعطي المستفيد منه المزيد من السرعة والمرونة في عدم التوجه إلى مكتب الاحتجاج الواقع في الغرفة التجارية الصناعية بل يمكنه التوجه مباشرة إلى مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية، الأمر الذي يؤدي إلى سرعة البت في دعواه ويوفر الكثير من الوقت والجهد عليه كدائن.
إن قيام التاجر كما أوضحت أعلاه بإعداد نموذج للسند لأمر لغرض حفظ حقوقه وفق الطريقة التي حددها النظام وبالاستفادة من البيانات الاختبارية يعد أفضل وأسلم من الناحيتين القانونية والعملية لحفظ الحقوق باعتبار أن السند لأمر وجد ضمن الأوراق التجارية ليكون أداة ضمان ووفاء، كما أن استخدام السند لأمر كأداة ضمان بدلاً من الشيك يقلل من ظاهرة الشيكات بلا رصيد، لأنه وكما أسلفنا فإن السند لأمر يصبح عند الاستحقاق أداة وفاء تقوم مقام الشيك. فالسند لأمر يستخدم كأداة ضمان ووفاء خلافاً للشيك الذي لا يجوز لأطرافه تغيير وظيفته بإرادتهم وتحويله من أداة وفاء إلى أداة ضمان، كما أن السند لأمر يمكن أن يتضمن توقيع الكفلاء وهو ما يمنح الدائن ضمانا إضافيا الأمر الذي يمكنه من الرجوع على الأصيل أو الكفيل دون ترتيب، كما أن المدة الصالحة لإقامة دعوى صرفية بموجب السند لأمر أوسع وأطول خلافاً للشيك، إضافة إلى ذلك فإنه وبمجرد صدور السند لأمر وتوقيع محرره فإن التعهد بالدفع يقوم ولا يستطيع محرر السند لأمر بعدها التنصل منه أو السعي لدى البنك مثلاً لإيقاف صرفه.
ختاماً يتضح أن السند لأمر هو أداة الضمان المثلى كما أراد لها النظام، أما الشيك فهو أداة وفاء فقط ولا يستخدم كأداة ضمان، ولهذا فإن قيام الجهات المعنية والإشرافية بتعريف وتثقيف الجمهور بوظيفة السند لأمر كورقة تجارية وتعميم نموذج السند لأمر على جميع الغرف التجارية مسألة مهمة وضرورية لزيادة الوعي بالسند لأمر كورقة تجارية وبفوائده، الأمر الذي يؤدي إلى التوسع في استخدامه، وبحيث يتم أيضاً القضاء تدريجياً على ظاهرة تحرير الشيكات بلا رصيد، كما أقترح على الجهات التشريعية وحتى تتم تقوية وظيفة السند لأمر في المجتمع الاقتصادي بأن يعد السند لأمر من الناحية النظامية أداة تنفيذ عند فشل المدين في السداد، حيث لا يحتاج الدائن إلى رفع دعوى بموجبه ضد المدين إنما يتقدم به مباشرة إلى محكمة أو قاضي التنفيذ ليتم التنفيذ على المدين، وكما هو حاصل لدى الدول المجاورة، كما أنه وللحد من ظاهرة الادعاء دون وجه حق من قبل محرر السند بأن توقيعه الوارد على السند لأمر مزور نقترح أن يتضمن النظام عقوبة أو غرامة على المدين المدعي بذلك إذا ما ثبت من تقرير الأدلة الجنائية أن ادعاء التزوير كان باطلاً.
واللـه الموفـق،،،