تهميش الأقلية في ملكية الأسهم
توجه هيئة السوق المالية نحو إصدار تعديلات متعلقة بأنواع الأسهم وفئاتها وتحويلها من نوع لآخر بهدف تسهيل عمليات تمويل الشركات له تداعيات وتبعات مهمة، وعلى المستثمرين إدراك ذلك مبكراً، فالمرونة في الأسواق المالية مطلب ضروري، لكن ليس على حساب تجاهل أصوات المساهمين أو تهميش دورهم في منظومة الشركات المدرجة. فالتعديل الأخير المقترح من قبل هيئة السوق المالية، وما سبقه من تعديلات، يتيح للشركات المدرجة إصدار أنواع مختلفة من الأسهم، بما في ذلك أسهم بلا حقوق تصويت، ما يعيد إلى الأذهان بعض الممارسات الجدلية التي شهدناها على المستوى العالمي، كإصدار شركة جوجل أسهما بدون تصويت، وكذلك الطرح العام الشهير لشركة "سناب" بأسهم بلا تصويت ومحاولة مالك شركة "فيسبوك" تكريس سيطرته بإصدار أسهم منزوعة حق التصويت.
وتبين أن هذه الهياكل إن تركت بلا ضوابط فستؤدي إلى تهميش المستثمرين وزيادة مخاطر سوء الحوكمة، فالمرونة خطوة إيجابية لكنها قد تتحول إلى فخ قاتل للحوكمة إن لم تصاحبها ضوابط صارمة تحمي حقوق الأقلية من المساهمين، وتمنع تهميشهم وتحويلهم إلى مجرد "ممولين صامتين" في شركات تسيطر عليها قلة من المؤسسين أو كبار الملاك.
الدوافع نحو ذلك أن هناك من يرى أنه من حق المؤسسين الاحتفاظ بالسيطرة على شركاتهم لتحقيق رؤى طويلة الأجل، لكن السيطرة هذه إن تمت دون محاسبة فقد تؤدي إلى التراخي والاستغلال والبطش بالآخرين، فالمستثمر غالباً ليس مجرد مستثمر مالي يبحث عن التوزيعات وارتفاع سعر السهم، بل إنه في حقيقة الأمر شريك فعلي له صوت مهم في مسار الشركة، وبدون حق التصويت يصبح المساهم مجرد متفرج، رغم تحمله المخاطر المالية الناتجة عن قرارات الإدارة.
ومن المهم الإشارة إلى أن توجه هيئة السوق المالية يأتي تماشياً مع نظام الشركات السعودي الذي يسمح بإصدار فئات مختلفة من الأسهم، لكن يبقى على عاتق الهيئة ضمان ألا يتم استغلال هذا التنظيم بشكل يبخس حق المساهمين، فقد تعلمت الهيئات الرقابية حول العالم - أحياناً بعد فوات الأوان - وجود ضوابط كنهاية صلاحية الحقوق المضاعفة، وهي الحقوق التي تمنح بعض الملاك 10 أضعاف حقق التصويت للسهم الواحد، حيث يتم قصر ذلك على المؤسسين في بعض الدول، إلى جانب وضع حد أعلى للقوة التصويتية، وإلزام الشركات بالإفصاح السنوي عن هيكل السيطرة ومن يملك القرار الفعلي.
في مشروع الهيئة الجديد حول تطوير الإطار التنظيمي للطرح، سيتغير مفهوم من يملك 5% أو أكثر من أسهم الشركة وما يشترطه من ضرورة إشعار الهيئة بذلك خلال 3 أيام ليشمل من يملك 5% أو أكثر من حقوق التصويت، ما يعني أن على "تداول" إدراج ذلك من ضمن بيانات الشركة على موقع سوق الأسهم السعودية.
كذلك قد تصدر بعض الشركات أسهما "ممتازة" وهي نوع جديد من الأسهم يعطي مالكه أفضلية في توزيع الأرباح مع حقوق تصويت محدودة، أو بدون حقوق تصويت، مع ضرورة الإفصاح إن تجاوزت نسبة الملكية 5%.
فترة الاستطلاع التي أعلنتها الهيئة تمثل فرصة حقيقية للمستثمرين لإبراز ما لديهم من ملاحظات والتأكد من وجود حماية واضحة وصارمة مبنية على أسس من الثقة والعدالة والشفافية والمساءلة. فمثلاً -بحسب نظام الشركات- يحق لمن يملك 5% من الأسهم الدعوة لعقد اجتماع للجمعية العامة، فهل هذا ينطبق على من يملك 5% من حقوق التصويت بحسب تعديل الهيئة المقترح؟ كذلك ماذا عن حق إضافة بنود في أجندة الاجتماع؟ ماذا عن حماية الأقلية من المساهمين فيما يخص القرارات الكبيرة المؤثرة، مثل الاستحواذ والاندماج، أو تلك التي تضرهم مباشرة؟ بالطبع يمكن الرجوع دائماً إلى تنظيم حوكمة الشركات وما ورد فيه من بنود متعلقة بحماية المستثمرين والعدالة فيما بينهم وغير ذلك، لكن هذه البنود عامة وغير كافية للتأكد من حماية المستثمرين.
تختلف الأسواق في مدى قبولها لحقوق التصويت المضاعفة والأسهم منزوعة حق التصويت، فمثلاً داو جونز (S&P) تمنع إدراج الشركات متعددة فئات الأسهم، مثل "جوجل" و"سناب" حالياً، أو تلك التي أسهمها بدون تصويت، وهذا بالطبع لا يشمل من تم إدراجه سابقاً، فمثلاً جوجل لديها أسهم فئة "س" ليس لها حق التصويت وأسهم فئة "أ" لها حق تصويت بواقع صوت واحد للسهم، وأسهم فئة "ب" لكل سهم حق التصويت بمقدار 10 أضعاف.