مدينة المعرفة الاقتصادية .. «ضربتين في الراس توجع»

أعلنت هيئة السوق المالية طرح ‏‏102 مليون سهم للاكتتاب العام تمثل 30 في المائة ‏‎ ‎من أسهم شركة مدينة المعرفة الاقتصادية بسعر عشرة ريالات للسهم الواحد خلال شهر أيار (مايو) المقبل، ويتوقع أن يكون هذا الطرح أحد أكبر الاكتتابات خلال عام 2010 من حيث القيمة، حيث سيتجاوز إجمالي قيمة الطرح المليار ريال.
هل سيكون هذا الطرح في صالح السوق ككل؟ وهل سيستفيد صغار المكتتبين منه؟ وهل سيستفيد الاقتصاد ككل؟ من جانب آخر هل ستتم تغطية الاكتتاب أم ستظهر لنا مفاجآت غير متوقعة بعدم تغطية الاكتتاب؟!
لا شك في أن المدينة المنورة من أغلى البقاع في نفوس المسلمين ليس في المملكة فحسب إنما في جميع أصقاع الأرض، واقتصاديات المدينة تاريخياً تعتمد على الزراعة من جهة وعلى التجارة من جهة أخرى، وبعد الهجرة المحمدية المباركة أصبحت الزيارة وزوار المسجد النبوي أحد أبرز الموارد الاقتصادية للمدينة، على الجانب الآخر تقف المدينة المنورة جنباً إلى جنب مع مكة المكرمة كأحد أثمن وأغلى العقارات في العالم، هل هذا يمثل عاملاً من عوامل النجاح؟ هل يكفي لنجاح مدينة المعرفة الاقتصادية أن يكون موقعها في المدينة المنورة؟ وهل يكفي لنجاحها أن تكون إحدى المدن الاقتصادية المعتمدة؟ وهل يكفي أن تدرج في السوق؟ أم يكفي أن تدعمها الهيئة العامة للاستثمار؟ لا أملك إجابة عن هذه الأسئلة، فهل هناك من يملك الإجابة الفصل فيها؟
مدينة المعرفة وإن كان اسمها له دلالات المعرفة والعلوم إلا أن شركة المعرفة تعد شركة متخصصة في النشاط العقاري بالدرجة الأولى، وبالتالي فيجب النظر إليها من هذا المنظور، وبالتالي فموقعها له دور، قربها من المسجد النبوي والمواقع التاريخية له دور، لكن من الجانب الآخر العقار مثل أي سلعة أو خدمة يعتمد على العرض والطلب، فهل هناك طلب يمكن أن يحقق المكاسب لموقع الشركة؟ حيث إن المدينة كما هو معلوم مليئة بالمخططات والأراضي البيضاء الكثير منها أقرب إلى الحرم من موقع مدينة المعرفة، وباستثناء المنطقة المركزية المحيطة بالحرم فإن أسعار العقارات في المدينة المنورة لا تزال زهيدة مقارنة بكثير من مدن المملكة.
لا شك عندي أن هناك دراسات كثيرة قامت بها الشركة تبرر جدواها الاقتصادية, ومن المؤكد أنها ستعرضها لاحقاً مع نشرة الإصدار, لكن عادة عندما يتم إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية لأي مشروع فإن نجاحه بالدرجة الأولى يعتمد على حجم الفجوة السوقية ما بين العرض والطلب، كما تتم المقارنة بدراسة المشاريع المشابهة في الظروف نفسها أو أخذ هذه الاختلافات في الاعتبار، لكن في مدينة المعرفة الاقتصادية الوضع مختلف تماماً، فالمشروع يقوم أصلاً على افتراض تغيير واقع المنطقة، إضافة إلى خلق الطلب المبني على عرض لمجموعة من المكونات العقارية المستحدثة، كما سيتم الاعتماد على مستهلكين ومستخدمين لا يوجدون في السوق حالياً، وبالتالي ستصمم حزمة من الخدمات لتحفيز المستهلك المرتقب، هل هذه الفرضيات التي يعتمد عليها نجاح الشركة ستتم فعلاً؟
كوني متفائلاً بمستقبل الشركة لا يعني تأييدي طرحها، وكوني متحمساً لأي مشروع يقام في طيبة الطيبة لا يعني دعمي طرح الشركة للاكتتاب العام، إن ما تقوم به الشركة ومؤسسوها عمل متميز وجبار من الناحية التأسيسية، والأهم من ذلك أنه عمل نبيل من حيث خدمة مدينة الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم- كما أن له أبعادا علمية ومعرفية تخدم الوطن ككل، لكن إذا اتفقنا على عدم ضمان تحقق هذه الفرضيات بل صعوبة تحقيقها على أرض الواقع فهناك اتفاق على وجود مخاطر تهدد نجاح الشركة، وكلما زاد الشك في تحقق هذه الفرضيات زادت هذه المخاطر. لإجراء المقارنة فليس هناك نموذج أقرب من شركة إعمار المدينة الاقتصادية، حيث ما زالت الشركة تحقق الخسائر منذ تأسيسها عام 2006 (وقد يكون ذلك أمراً طبيعيا لشركة في طور التأسيس)، حيث بلغ إجمالي الخسائر حتى الآن ما يزيد على 600 مليون ريال منها أكثر من 300 مليون ريال عام 2009 فقط، على الجانب الآخر سعر السهم في السوق لا يكاد يصل إلى القيمة الاسمية للسهم وهي عشرة ريالات، مع أن شركة إعمار تشمل خلطة من المكونات غير موجودة في مدينة المعرفة، ومن أهمها الميناء الذي يتوقع أن يكون العامل الحاسم في ربحية الشركة.
إن المخاطر العالية للشركة ووجود درجة عالية من عدم التأكد لمستقبل الشركة، قد يجعلان من طرح الشركة للاكتتاب العام تغريراً بالمساهمين الذين لا يقرأون مستندات الاكتتاب، فالمساهمون سيكتتبون في شركة تؤسس لمدينة اقتصادية تأسست بموافقة وزارة التجارة وبمباركة هيئة سوق المال وبرعاية ودعم هائلين من الهيئة العامة للاستثمار فلماذا لا يكتتبون بل يتزاحمون على الاكتتاب في أسهمها، ليس إيماناً بالشركة أو بمستقبلها، ولكن ثقة المساهمين وإيمانهم بأن موافقة الجهات الرسمية على الطرح تعني أنها في مصلحة المساهمين؟
شركة مدينة المعرفة الاقتصادية كما هو متوقع لن تظهر نتائجها خلال أسابيع أو أشهر ولا حتى خلال سنواتها الأولى، وبالتالي قد يقوم المؤسسون في الشركة ببيع أسهمهم بعد مضاعفة قيمتها في أي وقت، لكن ما مصير صغار المكتتبين الذين ينتظرون أرباحهم عند كل إعلان للشركة؟ بل ما تأثير الشركة في سوق المال عند فشلها؟ من المتضرر وما حجم الضرر على الاقتصاد السعودي خاصة إذا علمنا أن رأسمال الشركة قد يزيد على كثير من الشركات المدرجة في السوق, بل إن رأسمال شركة مدينة المعرفة يزيد على حجم نصف شركات التأمين المدرجة في السوق مجتمعة؟ لقد سبق أن طالبت الهيئة ووزارة التجارة بالتروي في طرح أسهم شركات المدن الاقتصادية للاكتتاب العام، وإعطائها مهلة لا تقل عن خمسة أعوام بعد التأسيس لإثبات جدواها الاقتصادية حقيقة على أرض الواقع، ودراسة واقعها آنذاك وطرح جزء من رأسمالها للاكتتاب العام لاحقاً إذا ثبت نجاحها، حتى لو طرحت آنذاك بسعر أعلى وبعلاوة إصدار مناسبة بناء على القيمة السوقية العادلة للسهم.
كما أني اقترحت من قبل أن تتم الاستفادة من تجربة الهيئة الملكية للجبيل وينبع التي قامت بمشاريع مماثلة من قبل، وعلى مستوى عال من المهنية والموضوعية ونتائج هذه التجربة ظاهرة للعيان، لماذا لا نستفيد من التجربة، ونحول الهيئة الملكية للجبيل وينبع إلى مطور رئيسي وحاضنة حقيقية للمدن الاقتصادية الجديدة، وبناء على ذلك فنحن نعطي الخبز خبازه، وبالتالي تقوم الهيئة بتطوير أفكار هذه المشاريع، وتطوير الفكرة يشمل الدراسات الاقتصادية والفنية والمالية .. إلخ، وعند جاهزية المشروع يطرح للمواطنين للمساهمة فيه بدلاً من الركض وراء مشاريع تبدو واعدة .. وقد تكون مثل السراب، كما يمكن أن تتم خصخصة الهيئة الملكية للجبيل وينبع، لتكون شركة مساهمة عامة يتملك المواطنون 30 في المائة منها ، وتبقى 70 في المائة منها ملكا للدولة على غرار ''سابك''، بحيث تدخل الهيئة شريكا رئيسياً في كل مدينة اقتصادية تثبت الدراسات جدواها وتظهر التجربة السابقة للهيئة إمكانية تطبيقه، ومن ثم يطرح جزء من المشروع للاكتتاب، وبالتالي فإن المنح الحكومية والمكارم الملكية التي تمنح لبعض المشاريع إنما تمنح للدولة ومواطنيها بالعدل وليس إلى مجموعة محددة من المستثمرين .
يكفي السوق والمتعاملين ما جاءهم من شركة (...) فضربة في الرأس توجع فكيف باثنتين؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي