انتخابات العراق وفاق أم شقاق؟

حرصت الحكومة السابقة قبل احتلال العراق في 2003م على إخراج الشعب العراقي الوفي من عباءة الدين وثوب القبلية والوطن وإلباسه لباس الجوع والخوف والإرهاب والتحزب والدخول في متاهات الأيديولوجيات الغريبة على هذا الشعب الأبي من تبعية وحزبية شيوعية اشتراكية، وكان كل حرص حكومة صدام حسين على إخراج المواطن من حيز الدين القويم الذي هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها إلى بحار وغابات الأيديولوجيات الحزبية، وعندما جاءت محاولة منح شعبه العريق بعض الحقوق دخلت إلى الشارع العراقي وإلى البيت العراقي القبلية العرقية وعنصرية التحزب الديني كما تمليه مراجع خارجية لا تهمها مصلحة العراق بل وقوعه فريسة الانقسام والتحزب والقلاقل والفتن، وأصبحت البلاد فريسة التدخلات الأجنبية بل أن بعض أبنائها لا ينفكون يقومون بزيارات مكوكية لجارتهم الشرقية لجلب رضاها والبحث عن فتواها، وعندما جاءت هذه الانتخابات كان يحدو الجميع الأمل بأن تأتي هذه الانتخابات بحل ديمقراطي صحي يكون محل توافق مجمل أبناء الشعب العراقي على اختلاف مكوناته الفكرية والدينية والمذهبية فإذا الصراخ يعلو من كل صوب فالذين يتربعون على كراسي الحكم وفي قمته لم ترضهم نتائج صناديق الاقتراع التي نادوا بها وهللوا وكبروا لتوقعهم أن تكون النتائج لصالحهم بل بادروا في بادرة نادرة يصرخون ويطلبون إعادة عد وفرز الأصوات يدويا لأن صناديق الاقتراع أعطت لقائمة أخرى أصواتا أكثر وعلى الرغم من التعسف في استعمال السلطة والاستعلاء بالكراسي فقد شرعوا قبل الانتخابات في تنشيط دور هيئة العدالة والمساءلة والتي قامت بشطب نحو 511 مرشحا، عدد كبير منهم من القائمة العراقية التي يقودها رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، وجاءت النتائج لتعطي هذه القائمة العدد الأكبر من مقاعد مجلس النواب المنتخب الجديد مع حصولها على تأييد واسع من السنة، وقد ذكر السيد إياد علاوي أن قائمته لن تستثني أو تهمش أحدا وأنها بصدد تشكيل الحكومة الجديدة على الثوابت الوطنية ولا تضع أي خطوط حمراء في تحالفاتها وأن قائمته منفتحة على جميع القوائم ابتداء من ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الحكومة الحالي نوري المالكي والقائمة الكردستانية وجميع الكتل الأخرى حتى الخاسرين، ومن جانبه أعلن عضو قائمة دولة القانون علي الدباغ أن القائمة تتحفظ على نتائج الانتخابات التي أظهرت تقدم قائمة علاوي بالحصول على 91 مقعداً وأضاف. لدينا معلومات عن حصول تلاعب في الأصوات في كل من بغداد والموصل ونحن مصرون على تقديم طعون خلال الأيام المقبلة للمحكمة الاتحادية للمطالبة بإعادة فرز الأصوات، وقد أظهر الرئيس العراقي جلال الطالباني تأييده لنتائج الانتخابات وقال إن المشاركة المليونية التي أظهرها الشعب العراقي في الانتخابات الأخيرة دليل على صموده أمام القتلة ـ وها هي الكتلة الصدرية تجري تصويتاً شعبياً لمنتسبيها لتحديد شكل تعاونهم وتحديد مرشحهم للحكومة مما قد يعقد اللعبة الانتخابية في العراق ويضعها تحت سيطرة الكتل الحزبية مما يلزم بالمساومة على إعطاء هذه الكتل مناصب سيادية حيث جاءت الأصوات بخمس مرشحين ومطالبة بعدد لا يقل عن عشر وزارات في الوقت الذي يشكو فيه العراق من عب عدد الوزارات التي تقترب من 36 وزارة ترضية لمثل هذه الاتجاهات مع أنه تكفي عشرون وزارة مؤهلة لأداء كافة شؤونه ـ إن الاستقواء بالجيران وإتاحة الفرصة لهم للدخول من أوسع الأبواب للتدخل في الشؤون الداخلية خاصة أن بعض القيادات الحزبية محسوبة على هذه الدولة أو تلك حيث أتاحت لها الفرصة في الماضي للجوء السياسي والدعم المعنوي وكذلك المساندة المادية والمعنوية ـ لقد قام السيد نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي والفائز الثاني في سباق صناديق الاقتراع باللجوء إلى المحكمة العليا للإفتاء فيما يتعلق بالتفسير الخاص من الأحق بالتكليف هل هو الفائز بأعلى المقاعد في الانتخابات أو القادر على تشكيل أغلبية في مجلس النواب الجديد، وقد جاء رد المحكمة أن الأحق بالتكليف هو الحاصل على أغلبية أعلى كتلة من الأصوات “الأعضاء'' من البرلمان وهو ما لاقى هوى وقبولا لدى المالكي، حيث يتصور أنه الأقدر على تشكيل كتلة برلمانية ذات أغلبية بالتعاون مع الأحزاب الفائزة وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى صراع الأيديولوجيات الحزبية والدينية وهكذا قد تميل الأمور إن لم يجد جديد إلى تدخل المعازيب إلى إقصاء قائمة علاوي صاحبة أعلى عدد من المقاعد ولسوء الحظ فإنه يتداول في كواليس الانتخابات العراقية أن تشكيل الحكومة يمر بمنعطف كبير وهو أن المشاورات بين الكتل الأخرى الفائزة مثل دولة القانون برئاسة المالكي وقائمة الائتلاف الوطني التي تضم كتلة عمار الحكيم والكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر والكتلة الكردية، ربما تتم الآن لدى الجيران مما يزيد الأمر تعقيداً خاصة أن الكتلة الصدرية تجاهر بعدم رغبتها في بقاء المالكي رئيساً للوزراء وربما يساوم المالكي في حالة اتحاد الأحزاب الأخرى إلى التنازل شرط إقصاء علاوي واختيار شخص آخر لكرسي الوزارة وهذه الطبخات قد تستغرق كثيرا من الوقت مما يعقد مشروع الانسحاب الأمريكي المجدول، ومن الجدير بالذكر أن كثيرا من الأسماء اللامعة في العراق وأعضاء البرلمان السابق فقدوا مقاعدهم البرلمانية الانتخابية ولم يبق مما يزيد على 300 عضو إلا 75 عضواً من أعضاء البرلمان السابق بما في ذلك بعض وزراء الوزارات السيادية مثل الداخلية والدفاع والمتضرر الأول هو المواطن الذي كان يجب أن تأتي هذه الانتخابات لإسعاده وليس لأرضاء الآيات ـ وربما يدلي بدلوه الزميل الأستاذ عبد الإله السعدون أحد المتخصصين والمهتمين بالشأن العراقي والتركي وممن يعرف بواطن الأمور.
والله الموفق ،،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي