حَث الخُطى في مسيرة التحديث التنموي!!

ما قبل الطفرة النفطية الأولى كانت الأوضاع الاقتصادية متواضعة ولم تكن هناك نماذج اقتصادية تخطيطية يتم السير على هُداها، لكن هذه المرحلة وضعت الأسس لنظرة مستقبلية توقعاتية متفائلة بعد أن التم شمل الجزيرة وتأسست أغلب مؤسساتها الإدارية والسياسية، فكان المهم الانتظار لما هو قادم، ما جعل الدولة تضع نصب عينيها التحرك والقيام بخطوات جريئة من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية بكافة مناحيها بما فيها إدخال التخطيط كمنهج تنموي تقوم عليه أسس وبناء هذه الدولة الحديثة. تبعت هذه المرحلة سيادة نفوذ الدولة وتضخم دورها المحوري حيث كانت التنمية على قائمة أولوياتها فأصبحت هي المُنتج والمُستثمر في الوقت نفسه فكان هدفها هو تحقيق قصب السبق في الدخول إلى ساحة العالم المتحضر من خلال التصنيع، فكان للصناعات البتروكيماوية والكيماوية والتحويلية النصيب الأكبر، إضافة إلى شركات توليد الطاقة حيث خصصت الدولة جزءاً كبيراً من مواردها للاستثمار الصناعي مقارنة بالقطاعات الأخرى، حيث نالت البُنى التحتية ماتستحقه من الاهتمام. أما في المرحلة الحديثة فقد أوكلت الدولة القيادة للقطاع الخاص بعدما هيأت له المناخ المناسب من تشجيع وتحفيز وفتحت المجال للمستثمر الأجنبي من أجل المساهمة في وضع الأسس لدولة عصرية صناعية حديثة. غني عن القول، أن من الحقائق التي تتميز بها البلدان النامية بصورة عامة عدم كفاية البُنى التحتية والتي تشمل التعليم بكافة مراحله، الصحة بكافة مرافقها، وكذلك النقل والمواصلات، فهذه الخدمات تقدمها حكومات البلدان النامية كونها تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في الإنتاج ومن ثم التنمية. وأثناء أدائها مهامها وبكل اقتدار، سعت الدولة إلى علاج الكثير من العقبات التي تعترض التنمية ومن ذلك الاهتمام بإنتاجية العمالة وبالتالي إمكانية زيادة هذه الإنتاجية عن طريق التعليم والتدريب وتوفير العناية الصحية مايُمكن مواطنيها من العمل بجد ونشاط ولساعات أطول. أما مايتعلق منها بشبكة المواصلات بكافة أنواعها فبالتأكيد ستصب في مصلحة سهولة حركة السلع بين المُنتج والمستهلك ما يسبب ارتفاع مستوى تكامل القطاعات الاقتصادية المحلية مع بعضها البعض، وهذه في الواقع تحتاج إلى خطوات أكثر دقة وأسرع حركة. الخُطوات بدأت من قِبل الدولة بتهيئة البيئة المناسبة لنمو الطموح والإبداع الإنتاجي والفكري حيث نظرت إلى أهمية وجود بيئة جاذبة للاستثمار بشقيه المحلي والدولي فعملت على سن القوانين والأنظمة وإنشاء المجالس والهيئات والتي تبعث على الرضا وتحقق الشفافية، فبدت مظاهر التحسن تظهر على الاقتصاد الوطني، فنما بمعدلات فاقت 6 في المائة باستثناء العام الماضي، كما تحسن أداء المؤشرات الاقتصادية عامة حيث استطاعت المملكة التغلب على الكثير من العقبات ومنها الدين العام والقدرة على رفع الاحتياطيات المحلية من النقد الأجنبي، وهذا في واقع الأمر غير كافٍ من دون النظر إلى مصادر أخرى بديلة ودائمة وقادرة على دعم المُكتسبات الوطنية. بيد أن المملكة - ولله الحمد - تتمتع بثقة وسمعة عالية مكنتها من القيام بدور ريادي مبني على المصالح المشتركة وروابط الأخوة والإنسانية، ولم تأت هذه المكانة من فراغ إنما من خلال مجهودات ملموسة على المستويين الاقليمي والدولي والدليل ما تقدمه المملكة من دعم دائم للمؤسسات والمنظمات الاقليمية والدولية، شاهد من ضمن شواهد لا يتسع المجال لحصرها. فهي وبإمكاناتها الدينية، السياسية، والاقتصادية ذات نفوذ بارز، ناهيك عن مكانتها في السوق البترولية الدولية كأكبر احتياطي عالمي، 25 في المائة من الاحتياطي النفطي العالمي، وهذا يضع على المملكة أعباء مالية إضافية. ولكي تبقى فاعلة على الساحة الدولية، لا بد من تحقيق التنمية الاقتصادية وبسرعة من خلال العمل الجبار على استثمار العائدات النفطية الهائلة من أجل خلق قاعدة إنتاجية متنوعة تضمن استمرار رفاهية المواطن والتخفيف من تقلبات إيراداته المُستقبلية. وضمن المنطق الاقتصادي، فإن الإصلاحات الاقتصادية تعتبر الركيزة الأساسية لأي خطوة مستقبلية بجانب تسريع وتيرة توظيف الفُرص الاستثمارية المُتاحة من أجل تحقيق الأهداف التنموية المرسومة، فما التخطيط الاقتصادي الذي تتبناه الدولة منهجاً إلا من أجل استكمال بنيتها التحتية مع العمل على توسيع وتطوير أسواقها المحلية، حيث إن أسواق السلع وعناصر الإنتاج غير مكتملةٍ. وفي خضم الرغبة والحاجة الماسة والحماس لتحول مؤسسي سريع ومتوازن الخُطى ينقل المملكة من دولة نامية إلى دولة ومجتمع حديث لا بد لنا من الوقوف على البرامج المرسومة والتأكد من صرامة تنفيذها وبدقة وعلى أعلى المواصفات، ناهيك عن الأولويات في توجيهها وبما يخدم تنوع القاعدة الإنتاجية. وفي طريقنا لتحقيق أهدافنا، لا بد من السرعة في توظيف التخطيط بما يحمله من مضامين التوزيع الأمثل للموارد المُتاحة على القنوات الأكثر إنتاجية وبطرق كفؤة وفعالة وبما يخدم استراتيجية الإنتاج والتوظيف. هناك الكثير من العوائق التي قد تحول دون تحقيق طموحاتنا الاقتصادية، تحديد الأولويات، السرعة في التنفيذ مستغلين عدم ديمومة الطفرات المتعاقبة، إضافةً إلى العوائق الدولية التي تعمل على عدم قبول منتجاتنا في الأسواق العالمية. التأخير في الإنفاق الاستثماري الإنتاجي سيحرمنا فرصة الاستفادة من المقدرات المحلية إضافةً إلى هدر الفرص الاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي