النخيل والتمور .. المارد النائم
تاريخيا كان التمر هو الغذاء الرئيس الأكثر إشباعاً وطلباً في الجزيرة العربية، وكانت النخلة هي الشجرة الأكثر قرباً للمجتمعات المحلية على مر العصور ومنتجاتها هي الأكثر تصنيعاً وتداخلاً في حياتها اليومية، خاصة للسكان داخل الجزيرة بعيداً عن سواحلها الشرقية والغربية.
كما تعد المملكة من أكثر الدول إنتاجا للتمور في العالم, حيث يقدر التقرير السنوي الـ 22 لوزارة الزراعة المساحة المزروعة بالنخيل في المملكة لعام 2008 بما يزيد على 157 ألف هكتار، في حين يقدر عدد النخيل في العام نفسه بما يزيد على 23 مليون نخلة أنتجت ما يزيد على 986 ألف طن. على الجانب الآخر تقدر دراسة صادرة عن مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية حجم التمور المصنعة عام 2005 بما يقارب 92 ألف طن بما يقل عن 10 في المائة من الإنتاج المحلي، في حين بلغ حجم التمور المصدرة ما يقارب 49 ألف طن, وهو ما يعادل 5 في المائة من الإنتاج المحلي من التمور.
عالمياً تسجل المملكة حضورها البارز في سوق صادرات التمور بنسبة قدرها 10 في المائة، حيث تأتي في الترتيب الثالث بعد تونس, التي تبلغ حصتها من سوق التصدير العالمية 31 في المائة, وإيران بحصة قدرها 12 في المائة, وذلك وفق إحصائيات عام 2002, وفق دراسة مجلس الغرف السالفة الذكر.
يلاحظ من السرد السابق عدم وجود إحصائيات يمكن الاعتماد عليها حول النخيل والتمور في المملكة ـ ومع الأسف ـ كما هي الحالة العامة للإحصائيات والمعلومات في المملكة، التي تتميز في كثير منها بالقصور الشديد في المعلومات، التأخر في إصدار التقارير الإحصائية، التقادم في المعلومات والتضارب في الأرقام .. إلخ.
في مقالي اليوم لن أتحدث عن أنواع التمور التي تتجاوز المئات، ولا عن منتجات التمور التي تدخل في كثير من الصناعات، ولا عن استخدامات أجزاء النخلة التي تستخدم بالكلية ولا يرمى منها شيء، ولن أتحدث عن ذكر هذه الشجرة المباركة في القرآن الكريم, ولا عن حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم عنها، كما أنني لن أتحدث عن مكوناتها الحيوية والقيمة الغذائية والطبية للتمور بأنواعها ومنتجاتها المختلفة.
ففي حين تعد المملكة من أكبر الدول إنتاجاً للتمور، والأكثر استهلاكاً، ومن الأكبر تصديراً، وعلى الرغم من أن الظروف المناخية والزراعية والمائية في المملكة تجعل النخلة الزراعة النموذجية المناسبة لنا، على الرغم من كل ذلك إلا أن النخيل والتمور لم تحظ بالاهتمام المناسب حتى الآن من قبل الجهات المختصة، وعلى الرغم من الجهود المبذولة (اجتهاداً) من بعض الجهات الحكومية والخاصة والغرف التجارية والجامعات إلا أنها تبقى أقل من المأمول لخدمة النخيل والتمور كثروة وطنية.
في دراسة أعدتها اللجنة الوطنية الفرعية للنخيل والتمور المنبثقة عن مجلس الغرف، أشارت إلى مجموعة من المعوقات التي تعانيها زراعة النخيل وتصنيع التمور وتسويقها، ومن أبرز هذه المعوقات ما يلي:
1 ـ عدم وجود جهة مرجعية تعنى بهذا القطاع.
2 ـ ضعف برامج البحث والتطوير في المجال الزراعي والصناعي والتسويقي للنخيل والتمور.
3 ـ معوقات زراعية، ومن أبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج، زيادة أصناف التمور الرديئة، انتشار آفات النخيل وضعف برامج مكافحتها، قصور وضعف العمالة المتخصصة، ومحدودية المعلومات المتعلقة بخدمة النخيل.
4 ـ معوقات تصنيعية، ومن أهمها قصور التقنية، التركيز على التعبئة والتغليف، العزوف عن الصناعات التحويلية، وضعف جهود توطين التقنية.
5 ـ معوقات تسويقية، ومن أبرزها منافسة المنتجات البديلة كالشوكولا والحلويات، القصور الإعلامي والتوعوي والإرشادي بأهمية التمور الغذائية والصحية، فشل تسويق دبس التمر كبديل للسكر، عدم وجود مراكز تخزين وحفظ مناسبة للتمور، ضعف الخبرة التنافسية الدولية لمصدري التمور المحليين، ومحدودية الدعم الحكومي لتسويق التمور وتصديرها.
واحتوت الدراسة على تحليل متميز للمعوقات والحلول المقترحة، التي أعتقد أنها تحتاج إلى تحديث لتقادم الدراسة التي تم إعدادها عام 2006، ونحتاج مع التحديث إلى جهود حثيثة لوضع هذه المقترحات موضع التنفيذ، خاصة خاتمة الدراسة بمقترح تأسيس المركز الوطني للنخيل والتمور.
أعتقد أن الأصل أن يتم تأسيس هيئة للنخيل والتمور تعنى بهذه الثروة الوطنية وتدعمها من الناحية الزراعية والصناعية والتسويقية، إضافة إلى المساهمة بإطلاق التشريعات ذات العلاقة, وهذا في رأيي ـ هو الحل الأمثل لإخراج مارد التمور من القمقم، إذا لم يتم ذلك (وأعتقد أنه لن يتم) فأرى أهمية الإسراع في استحداث وكالة داخل وزارة الزراعة مخصصة للنخيل والتمور للاهتمام بهذه الثروة، ويدعم هذه الهيئة أو الوكالة المركز الوطني للنخيل والتمور الذي سيشكل الأذرع التنفيذية لدعم هذه الثروة بحيث يضم مركزاً لبحوث زراعة النخيل وصناعة التمور، وآليات لدعم الصناعات التحويلية، ويعمل على تسويق التمور محلياً ويسهم في رفع الحصة التصديرية للمملكة في الأسواق العالمية .
أخيراً .. قال النبي - صلى الله عليه وسلم: ''يا عائشة بيت لا تمر فيه جياع أهله'' (رواه مسلم)، وهي رسالة للدولة والمجتمع والبيت قبل الفرد بأن نهتم ونرعى هذه الشجرة المباركة.