ضغوط أزمة اليونان

تكبدت الأسواق المالية العالمية خسائر كبيرة قبل إغلاقها لعطلة نهاية الأسبوع، وجاءت هذه الخسائر ردة فعل عكسية لإقرار خطة إنقاذ اليونان التي أقرها الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي التي تبلغ 110 مليارات يورو موزعة على ثلاث سنوات مقبلة، ستدفع دول منطقة اليورو 80 مليارا مقسمة بحسب مساهمتها في البنك المركزي الأوروبي، و30 مليارا من صندوق النقد الدولي, وعلى الرغم من تأثير الناتج المحلي اليوناني في مجمل الناتج المحلي لمنطقة اليورو الذي يبلغ 3 في المائة فقط، إلا أن العجز في ميزانية اليونان 12.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، يمثل أكثر من أربعة أضعاف المسموح به في دول منطقة اليورو، ويصل حجم العجز إلى 300 مليار يورو، وهنا تكمن المشكلة في تغطية ذلك العجز بشكل لا يؤثر في التركيبة الاقتصادية لمنطقة اليورو، بخلاف أننا ما زلنا في حاجة إلى 190 مليارا أخرى لتغطية العجز, كما هي الأرقام اليوم، ولا نأخذ في الاعتبار أي مضاعفات أخرى لم تدخل ضمن العجز المعلن.
كذلك فإن الحسابات لأزمة اليونان لديها حلقات أخرى لاستكمال المنظر الاقتصادي، نأخذ منها خطة الرئيس باراك أوباما التي تهدف إلي مضاعفة الصادرات الأمريكية خلال السنوات الخمس المقبلة ستتأثر سلبا بشكل كبير نتيجة قوة الدولار أمام اليورو الناتجة عن أزمة الديون اليونانية والمخاوف من ظهور أزمات ائتمانية لدول أخرى, ما يعزز التوقعات بهبوط اليورو خلال الفترة المقبلة، وذلك يعني تأثر الصناعات الأمريكية ومنافستها في الأسواق العالمية, ونظريا فإن الجانب الإيجابي الوحيد لدفع قيمة اليورو باتجاه الأسفل إلى مستوياته الحالية وهي مستويات جديدة، الأمر الذي ربما يساعد المصدرين في منطقة اليورو ويساعد الاقتصاد الأوروبي على تحقيق نمو أسرع مما كان متوقعا ومن ثم استعادة الثقة والخروج من النفق المظلم لأزمة اليونان، لكن أثر تراجع قيمة اليورو يستغرق شهوراً عديدة كي ينعكس فعليا على اقتصادات دول اليورو. وهذا السيناريو ربما يفاقم المشكلات في الاقتصاد الأمريكي ودول أخرى ما زالت تأمل في أن تكون التجارة العالمية أحد أهم المخارج من الأزمة المالية العالمية.
وعلى الرغم من الجهود التي قادت منطقة اليورو للسيطرة على الأزمة ومنها اجتماع بروكسل يوم السبت بوضع إجراءات استثنائية وسريعة قبل استئناف قبل نهاية عطلة الأسبوع لتكون موضع التنفيذ يوم الإثنين، وذلك للحفاظ على قيمة العملة وتجنيبها التلاعب من قبل المضاربين, وتعمل كذلك المفوضية الأوروبية على قدم وساق لتضع موضع التطبيق قرار إنشاء صندوق دعم غير مسبوق للدول الأعضاء في منطقة اليورو التي تواجه صعوبات مالية، على أمل تهدئة الأزمة الخطيرة التي تهدد أسس الاتحاد النقدي والثقة في العملة الأوروبية الموحدة وتأثيرات ذلك في المديين القصير والمتوسط، وهذه الإجراءات تأتي من المخاوف من قدرات أولاً اليونان على الالتزام بخطة التقشف والالتزام بشروط الإقراض على أمل تحسن الاقتصاد وعودة العجلة الاقتصادية إلى حالتها الطبيعية، والأمر الآخر هو قدرة بعض الدول الأوروبية الغارقة تحت الديون على ضبط مالياتها وتسديد ما يترتب عليها من ديون في الأوقات المحددة.
وهذا الحدث يذكرنا كثيرا بما حدث عندما أفلس بنك ليمان وأدى إلى تدحرج كرة الثلج, التي عجزت الحكومة الأمريكية التي لم تتدخل في حل أزمة ''ليمان براذرز'' إلى أن تتحمل تكلفة أعلى عندما تدخلت لمساعدة عديد من حالات شبه الإفلاس ومنها ''سيتي جروب''، ولعل هذا التشبيه هو ما يقلق الإدارة الأوروبية لمحاولة التدخل سريعا لمنع إعادة سيناريو ''ليمان براذرز'' لكن على مستوى دول وليس شركات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي