نخلتنا العوجاء.. واتجاهات الاقتصاد الكلي

طالعت خبرا فريداً الأسبوع الماضي حول توقيع مجلس الغرف السعودية مذكرة تفاهم بشأن إصدار ونشر تقرير ''السعودية 2010''، حيث سيتضمن هذا التقرير تحليلاً مفصلاً لاتجاهات الاقتصاد الكلي في المملكة وتقييماً لجميع القطاعات الاقتصادية. الجدير بالذكر أن التقرير سيعد من قبل المؤسسة البريطانية ''مجموعة أكسفورد للأعمال''، وبحسب الخبر سيتعاون المجلس مع فريق التحرير التابع للمجموعة البريطانية وسيقوم المجلس بتوفير المعلومات والبحوث والدراسات المتعلقة بالاقتصاد السعودي وتقديم التسهيلات اللازمة والدعم اللوجستي.
كنت ألوم بعض مؤسسات القطاع الخاص, خاصة الشركات الوطنية الكبرى مثل ''سابك'' و''الاتصالات'' وبعض البنوك المحلية عند تجاهلهم مكاتب الاستشارات المحلية وتعاقدهم مع المؤسسات الاستشارية عابرة البحار .. لكن إذا كان هذا فعل مجلس الغرف فمن يلوم القطاع الخاص؟ إن قيام مجلس الغرف بالتوقيع مع ''أكسفورد'' يؤكد أن مقولة ''زامر الحي لا يطرب'' تنطبق على قطاع الاستشارات انطباقاً كاملاً، كما تؤكد ذلك بعض الشركات الكبرى والمؤسسات الحكومية التي لا تزال آذانها محجمة عن الطرب لزامر الحي من المكاتب الاستشارية المرخصة من قبل وزارة التجارة، في حين أنها ترقص على أنغام مزامير المستشارين الخارجيين.
لو كنت مصنفاً الداعمين للاقتصاد الوطني لوضعت مجلس الغرف على رأسها، خاصة أن مجلس الإدارة مكون من رؤساء الغرف التجارية، الذين يجب أن يهمهم تشجيع المكاتب الاستشارية المحلية، ويبدو أن الأمر غاب أيضاً عن أمين المجلس الذي عرف بوطنيته العميقة، ودفاعه المستميت عن القطاع الاقتصادي السعودي في كل محفل.
الطريف في الأمر ما ذكرته مديرة ''أكسفورد'' تعليقا على علاقتها بالمراكز البحثية والاستشارية السعودية، حيث قالت ''لا أعلم شيئا عن أداء مراكز الأبحاث أو الخدمات الاستشارية المحلية''، واستشهدت بحجم التقرير المتوقع الذي لن يقل عن 300 صفحة، وهذا يؤكد أن مجلس الغرف لم يبذل حتى جهد المقل، وهو التعريف بقطاع الاستشارات المحلي، أو القيام بواجبه نحو خلق شراكة مهنية للمكاتب المحلية مع مؤسسة أجنبية متخصصة بما يسهم في نقل المعرفة والخبرة التي ينادي بها المجلس في كل محفل، لكن يبدو أن الهوة أكبر من التصور بين التنظير والتطبيق، أما تعليق مديرة ''أكسفورد'' حول حجم التقرير وتفاخرها بوصوله إلى 300 صفحة - ففي نظري - يبين قصور النظرة المهنية بقياس مدى جودة العمل بعدد الصفحات، ونحن نعلم أن رفوف مكاتب المسؤولين مملوءة بدراسات كلفت عشرات الملايين واحتوت على مئات بل آلاف الصفحات من الدراسات، لكنها بعيدة كل البعد عن الجودة والمهنية وإمكانية التطبيق! وأرجو ألا يكون ما ذكرته مديرة ''أكسفورد'' انعكاسا لنظرة بعض المسؤولين وقياسهم جودة التقرير وقيمته بعدد صفحاته!
الحقيقة أنني استثرت بتصريح أمين المجلس الذي قال فيه ''إن مجموعة أكسفورد قدمت طواعية لتقديم تقرير عن الاقتصاد السعودي''، ولا أعرف إذا كان هذا يعني تقديم الخدمات مجاناً أم لا؟ أما إن كان التقرير سيتم إعداده مجاناً فهو بلا شك عرض يسيل له لعاب أي مسؤول، وسيوافق عليه باعتباره مكسباً مؤكداً، كما يقول المثل ''الشيء ببلاش ربحه بيّن''، لكني لن أتوقف عن الشك في نوايا أي مؤسسة تقدم عملا مجانيا, خاصة أنا أثق تمام الثقة بأن العمل التطوعي ليس في أجندة مجموعة أكسفورد، أما إن كان العمل بمقابل, وهذا هو المتوقع, فجميع المكاتب الاستشارية مستعدة لتقديم نفسها طواعية لمجلس الغرف إذا كان هذا التقديم سينتج عنه توقيع عقود استشارية مع المجلس، وإن كنت أرى أن المفترض على المجلس أن يبحث عن المكاتب الاستشارية لتنفيذ دراساته وليس العكس.
المشكلة في تعامل المكاتب الاستشارية مع المؤسسات الحكومية أو شبه الحكومية تكمن في عدم المساواة في المعاملة، فالقائمة التي يطالب بها المكتب السعودي الوطني طويلة تبدأ من تقديم ترخيص ممارسة المهنة مرورا بعضوية الغرفة التجارية وشهادة الزكاة وشهادة نسبة السعودة، بينما الشركة الأجنبية لا تطالب بأي من هذه المطالب فيكفي من الشهادات أن يكون ممثلهم أزرق العينين أشقر الشعر غربي الجنسية!
حديثنا عن مجلس الغرف لا يمثل حالة خاصة أو نقدا مباشرا للمجلس, لكنه مثال لما تقوم به المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية من ممارسات غير داعمة لقطاع الاستشارات في المملكة، وهي ـ في نظري ـ تتمثل بالمثل الشعبي ''النخلة العوجاء بطاطها في غير حوضها''.
في المقابل وعلى النقيض تماماً نجد تجارب ناجحة تماماً مع مكاتب الاستشارات المحلية، ومنها ممارسات الغرفة التجارية الصناعية في مدينة الرياض من خلال دراسات منتدى الرياض الاقتصادي التي يتم تنفيذها عن طريق مكاتب استشارية محلية، وهذه التجربة تستحق أن تذكر لتشكر، لتكون مصدر إلهام وقدوة حسنة لغيرها من المؤسسات الخاصة والحكومية، ولا مانع, بل ربما يكون من المفيد أن تشارك المكاتب المحلية مع الأجنبية في تنفيذ الدراسات بما يسهم في نقل الخبرة والتمكن المعرفي للمكاتب المحلية مما يرفع من مستوى التنافسية في قطاع الاستشارات ككل.
لا يفوتني قبل الختام أن أتساءل عن ازدواجية وجدوى التقارير الاقتصادية عن المملكة, التي يتم فيها تكليف جهات خارجية بإعداد هذه التقارير, فهذا المجلس يكلف مجموعة أكسفورد لإصدار تقرير السعودية 2010، وهذه الهيئة العامة للاستثمار تكلف مجموعة مونيتور بإعداد تقرير مشابه، وربما تكون هناك تقارير أخرى تقوم بها مؤسسات أخرى. في رأيي أن الاتفاق على تقرير واحد يعد من جهة واحدة سيكون مرجعية موحدة لاقتصاد واحد برؤية واحدة، كما أنه سيوفر مبالغ تصرف في مشاريع أخرى أكثر نفعاً بدلا من التكرار وتضارب المعلومات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي