حاجة القطاع الخيري إلى مفهوم حوكمة الشركات
يخطئ من يعتقد أن العمل الخيري أو التطوعي نوع من الرفاهية يقدمها المجتمع أو الأشخاص الذين ينعمون برغد العيش. القطاع الخيري يقوم في كثير من دول العالم بدور رئيس لا يقل في المساهمة عما تقدمه الأجهزة الحكومية أو مؤسسات القطاع الخاص. ومن هذا المنطلق تبرز الحاجة إلى إصلاح أنظمة وممارسات هذا القطاع. مؤسسات الأعمال الخيرية تعد في منتصف الطريق فيما تقدمه من خدمات للمحتاجين بلا عوائد مثلها في ذلك مثل الأجهزة الحكومية، وبين فكر تعظيم الدخل, وهذا الهدف الأساس الذي يقوم عليه القطاع الخاص. مؤسسات القطاع الخيري إذن تسهم بخدماتها المجانية للمحتاجين، وهي لا تملك المصادر المالية الثابتة، وتسعى إلى الحصول على هذه المصادر من أموال المحسنين والأوقاف في سبيل القيام بالدور المنوط بها من الناحيتين الشرعية والاجتماعية، الذي تسعى من خلاله إلى تحقيق متطلبات جميع الأطراف المشاركة في هذه العملية.
ظهرت الحاجة إلى حوكمة الشركات منذ منتصف القرن الماضي مع نشوء الشركات، وما تبع ذلك من إشكاليات مع كبر حجم الشركات ونمو الأعمال. ظهر الحديث عن مشكلات عديدة واجهت الشركات، منها على سبيل المثال مشكلة الوكالة التي نتجت عن الفصل بين الملكية والإدارة، ثم مشكلة تضارب المصالح بين الشركة والأطراف ذات العلاقة. وغير ذلك من مشكلات الرقابة الداخلية والإفصاح والمسؤولية. وصاحب بروز الحديث عن حوكمة القطاع الخاص، مطالبات وأبحاث تنادي بتطبيق هذه الممارسات على القطاع العام أيضا. وبما أن القطاع الخيري يقع في منتصف الطريق بين هذين القطاعين، فمن البدهي القول بضرورة إصلاح وتطوير هذا القطاع من خلال ممارسات وتطبيقات الحكم الرشيد. يقول Gerald، 1997 حوكمة الشركات وجدت صدى عظيما في مطلع الثمانينيات، وفي القطاع الخيري هذا الصدى ما زال مستمرا إلى اليوم، خصوصا فيما جاء به تقرير السير كادبوري Cadbury Report الذي تناول إشكالية الفصل بين الملكية والإدارة أو ما يعرف بنظرية الوكالة، وهذا ما أوصى به في عام 1993 Andrew Hind رئيس مجموعة مديري التمويل في القطاع الخيري، الذي قال ''إن الدروس المستفادة من تقرير السير كادبوري يمكن أن تطبق مباشرة على قطاع العمل الخيري''. وهو يرى أن الأمناء Trustees في المنشآت الخيرية يقومون بأدوار ومسؤوليات المديرين الخارجيين Outside directors وهم الأعضاء غير التنفيذيين في الشركات. وبما أن الهيكل التنظيمي لمنشآت القطاع الخيري يشبه الهيكل ذاته في مؤسسات القطاع الخاص، فإن الدعوة إلى تطبيق ما توصل إليه من خلال البحوث والدراسات في شؤون حوكمة الشركات الخاصة، هي دعوة منطقية ويجب الأخذ بها مع مراعاة خصوصية هذا القطاع في بعض النواحي.
ونظرا لتعدد الفئات المستفيدة من أعمال القطاع الخيري، من ممولين سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات، ومستفيدين من خدمات ومنتجات هذا القطاع، وعاملين، والمجتمع، وغيرها من الجهات ذات الصلة. يصبح لزاما على هذه الجهات أن تكون مهيأة لتحمل المسؤولية وتقبل المساءلة من قبل الأطراف ذات العلاقة، لمعرفة أن هذه الأموال تم استخدامها بفاعلية وكفاءة في تحقيق الأهداف المرسومة. وحتى تتحقق هذه الأهداف يجب أن تخضع المؤسسات الخيرية للرقابة المالية بواسطة الأجهزة الحكومية كديوان المراقبة العامة أو بواسطة شركات المراجعة الخاصة. من المؤكد أن القائمين على مؤسسات القطاع الخيري في بلادنا حرصاء كل الحرص على تطوير أعمالهم، لمواكبة الاحتياج المحلي والدولي لتقديم العمل الخيري بشفافية ووضوح، وعلى أساس من الممارسات الصحيحة. حتى يكون ذلك, فمن الضروري مسايرة التطور العالمي في وسائل وممارسات الإدارة الحديثة للقطاع الخيري.