جدوى العملات الرقمية المركزية بعد منعها في أمريكا!
قرار الرئيس الأمريكي لعرقلة إصدار العملات الرقمية من قبل مجلس الاحتياطي الأمريكي، يعني أنه غير مسموح للمؤسسات الفيدرالية الأمريكية التعامل بهذه العملة، وبالتالي انعدام الجدوى من محاولة إصدارها في أمريكا، حتى وإن لم يكن للرئيس سلطة مباشرة في منعها، هذا القرار له تأثيرات كبيرة ومهمة داخل أمريكا وخارجها، على البنوك الأمريكية والدولار الأمريكي وعلى العملات المشفرة، ويعد انتصاراً للمدافعين عن الحريات وخصوصية الأفراد. ما الأسباب الحقيقية خلف هذا القرار؟ ولماذا هذا النوع من العملات قد يكون خطراً كبيراً على الدولار الأمريكي؟ وهل من تضارب مصالح، ولا سيما أن لدى الرئيس ترمب وعائلته نشاطات في مجال العملات المشفرة؟
أكبر تحدٍ يواجه تبني العملة الرقمية المركزية، هو أن ذلك قد يسحب البساط من تحت أرجل البنوك التجارية، التي ستتغير قواعد لعبتها حين يقوم الفيدرالي بإصدار عملة رقمية جديدة، جنباً إلى جنب الدولار الورقي، فيكون لديه نوعان من الالتزامات في قائمة المركز المالي الخاصة به، التزامات عملة رقمية وأخرى بالعملة التقليدية، بينما تتعامل البنوك التجارية بالعملة التقليدية، بصورتها الورقية والرقمية، وليس بالعملة الرقمية الجديدة، ولذلك تأثير في آلية ضخ السيولة في البنوك التجارية، فكيف ستتعامل تلك البنوك مع طلبات استبدال الودائع بالعملة الرقمية الجديدة؟ هنا ستضطر لتسليم الفيدرالي ما لديها من ودائع بالدولار والحصول على عملة رقمية جديدة ليس لها قوة الدولار، ولا نفوذه. كذلك هناك نماذج أخرى لطريقة عمل العملة المركزية قد يعمل بها وتنطوي على التعامل المباشر مع البنك المركزي دون الحاجة إلى البنوك التجارية.
يبدو أن ترمب ومستشاريه أدركوا أن دعم الولايات المتحدة للعملات الرقمية المركزية ليس في مصلحة أمريكا، صاحبة أقوى وأهم عملة عالمية، وبالتالي ما الهدف من القيام بأي مبادرة قد تعرض تلك الهيمنة للخطر؟ فذلك سيؤدي إلى تردي الثقة في الدولار الأمريكي ومنح الدول الأخرى فرصة إطلاق عملات رقمية مركزية تنافس الدولار، ولذا جاء القرار ليمنع المؤسسات الحكومية الأمريكية من إنشاء عملة رقمية مركزية سواء داخل أمريكا أو خارجها، ومن جهة أخرى قد يؤدي إطلاق عملة رقمية مركزية إلى زيادة تبني العملات المشفرة من قبل أولئك الذين سيرفضون العملة المركزية جملة وتفصيلا، ولكن بالمجمل ستستفيد العملات المشفرة من زوال العملة المركزية لا من إطلاقها. كما أن إطلاق عملة رقمية تحت سيطرة الحكومة الأمريكية قد يؤدي إلى توجه العالم نحو عملات رقمية أخرى تحت سيطرة حكومات أخرى، غير الأمريكية، وبالتالي ستواجه الحكومة الأمريكية أزمة ثقة هي بغنى عنها.
من المهم الانتباه إلى أن شراء الحكومة للعملات المشفرة يختلف تماماً عن إصدار عملة رقمية مركزية، فشراء بيتكوين سيتم من قبل وزارة الخزانة ويدفع ثمنها من خلال إصدار سندات تقليدية، ثم في حال قيام الفيدرالي بشراء هذه السندات من السوق يكون لديه خيار دفع قيمتها بالدولار أو بعملة بيتكوين. أي أن شراء بيتكوين من قبل الحكومة لن يستفاد منه في خلق معروض نقدي جديد إلى جانب معروض الدولار، أي لن يكون لدى الفيدرالي آلية جديدة لبيع وشراء السندات بالدولار أو بعملة بيتكوين، وذلك يختلف عن إصدار عملة رقمية مركزية بمعروض نقدي جديد، ويتطلب اعتماد بيتكوين كعملة احتياطية لدى الفيدرالي، ولن تكون التزام على الفيدرالي كما هو الدولار، بل ستكون أصل كالذهب والسندات التي لديه.
ربما كذلك ينطوي على هذا القرار شبهة تضارب المصالح، حيث من المعروف أن للرئيس وعائلته والمقربين إليه استثمارات تراهن على نجاح العملات المشفرة، مثل بيتكوين، ولا شك أن طرد شبح العملة المركزية يصب في مصلحة تلك العملات المشفرة، التي تختلف عن الرقمية المركزية في أنها غير مركزية وليست تحت سيطرة أي جهة أخرى، حكومية ولا غير ذلك، فهي تعتمد على تقنية "بلوك تشين" وهي بديل محتمل للعملة التقليدية. أما القرار الآخر للرئيس ترمب الذي يدعم إنشاء مخزون من العملات المشفرة لمصلحة الحكومة الأمريكية، فهذا لا شك سيزيد من شبهة تضارب المصالح، حيث سيؤدي شراء الحكومة الأمريكية لنحو مليون قطعة بيتكوين إلى رفع أسعار جميع العملات المشفرة.