خبر مهني مزعج
سبق أن أشرت في مقال سابق إلى قلة عدد السعوديين المحترفين في مكاتب المحاسبة والمراجعة مقارنة بثقل المملكة الاقتصادي؛ حيث تعتمد القطاعات الاقتصادية المهمة على مكاتب المحاسبة والمراجعة الأجنبية فجميع البنوك مثلاً ينحصر مراجعو حساباتها في الأربعة الكبار عالمياً وذلك لأسباب عدة، لعل أهمها الثقة التي يرغب البنك في الحصول عليها عند تعامله مع أطراف خارج المملكة. ومع التسليم بهذه الحقيقة، إلا أنه يجب على الأقل أن تدار هذه المكاتب بأيد وطنية، مع المحافظة على الاسم العالمي، وهذا ما يجري في جل دول العالم. والحق يقال إنه يوجد من تلك المكاتب من يتبوأ السعوديون مراكز قيادية فيها، ليس فقط لكونهم سعوديين بل لأنهم أثبتوا قدرتهم الفائقة وتفوقهم مهنياً على كثير من غير السعوديين.
ما أزعجني مهنياً، وقد يكون هدم كثيراً مما نطمح إليه، هو استقالة عدد كبير من الشركاء السعوديين في أحد المكاتب العالمية دفعة واحدة، وبالتالي احتمال تركهم المهنة بعد أن أفنوا جزءاًً كبيراً من حياتهم في خدمتها وخدمة المكتب الذي ينتمون إليه، وهم ممن كنا نفتخر بهم ونعدهم من أنوار المهنة في البلد. لا شك أن فقدان المهنة مثل هذه الكفاءات يثير تساؤلاً لا بد لأحد أن يجيب عنه، وقد يعطي انطباعاً سيئاً للشباب حديثي التخرج ويحبط من رغبتهم في الالتحاق بالعمل المهني.
لا أدري لمن أوجه هذه الرسالة؟ هل أوجهها للملاك غير السعوديين الجدد ليدركوا أن من مصلحة مكاتبهم على المدى الطويل المحافظة على المهنيين السعوديين لا خلق بيئة طاردة لهم؟ أم أوجهها لعملاء تلك المكاتب وبالذات من الأجهزة الحكومية والشركات الوطنية لكيلا يمنحوا عملاً لتلك المكاتب إلا بشرط توافر الإدارة السعودية الحقيقية؟ أم أوجهها للجهات المنظمة للمهنة والجهات المنظمة للاستثمار الأجنبي لتلزم تلك المكاتب بأن تكون إدارتها من قبل كفاءات سعودية وتضع الآلية اللازمة لتطبيق ذلك عملياً وليس صورياً؟
من المؤسف حقاً أننا كنا وما زلنا على الأصعدة كافة نتحدث عن سعودة الوظائف للخريجين الجدد، الذين لا يملكون الخبرة والتدريب الكافيين وكذلك الحديث عن تشغيل النساء، أما الآن فقد بدأنا نتحدث حتى عن الكفاءات السعودية النادرة ممن يملكون المؤهلات العالية والخبرة الطويلة ونبحث عمن يحميهم من الإقصاء في بلدهم. والله أعلم.