تحديات القمة الرابعة
مرة أخرى يعود الـ20 الكبار في العالم للاجتماع للمرة الرابعة خلال أقل عامين بعد أن عقدت القمة الأولى في واشنطن في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 بعد شهر من اندلاع الأزمة المالية العالمية، وتبعتها القمة الثانية في نيسان (أبريل) 2009 في لندن، وكان هدف القمتين معالجة تداعيات الأزمة، وإيجاد حلول لها، والقمة الثالثة في مدينة بيتسبورغ في ولاية بنسلفانيا الأميركية أيلول (سبتمبر) 2009، ولعل من حسن المصادفة أن تعقد القمة بعد مرور نحو عامين على انطلاق شرارة الأزمة وسقوط عملاق المال الأمريكي والعالمي ليمان براذرز وهو ما جر العالم إلى ركود اقتصادي، ومشكلات اقتصادية لم يشهدها العالم منذ الكساد العظيم في 1929.
بالعودة إلى الذاكرة، فإن البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين الأولى أكد تصميم دول المجموعة على تعزيز تعاونها لإعادة إطلاق النمو الاقتصادي العالمي، وإصلاح النظام المالي، في حين أكدت القمة الثالثة في عام 2009 تطبيق ضوابط جديدة تتعلق برأسمال البنوك، وهو ما تحاول الولايات المتحدة البدء فيه من خلال سعيها لضبط أجور رؤساء البنوك وحوافزهم المالية، حيث وضعت هذه القمة عام 2012 كهدف زمني لتحقيق الأهداف، وهو ما تحظى به القمتان الأولى والثانية، ولسنا عن 2012 ببعيد، والاقتصاد العالمي ما زال يترنح.
وعلى الرغم من نبرات التفاؤل التي أظهرت بعض مؤشرات التفاؤل على تعافي الاقتصاد العالمي بعد القمة الأولى والثانية، وبشكل أقل في القمة الثالثة، إلا أن التحدي من وجهة نظري ليس في عودة النمو للاقتصاد العالمي، بل في إيقاف التدهور الذي عاشه الاقتصاد العالمي منذ تأسيس قمة العشرين، ومن ثم النظر في كيفية عودة النمو المتوازن المستدام، حيث إن من أهم التحديات التي تواجه قمة العشرين هو تحديد القوى التي تلعب دورا مفصليا في الاقتصاد العالمي، ومن انعكاس ذلك على خريطة القوة السياسية العالمية من خلال المؤسسات الدولية، وتحديدا صندوق النقد الدولي الذي ما زال يمثل دور المحور التي خرجت من الحرب العالمية الثانية لتحكم العالم من خلال تلك المؤسسات الدولية، ومن خلال إسهامها الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي للعالم.
ويمثل التحدي السياسي في حلول الأزمة محورا مهما بسبب ما يمكن أن يحمله أي حلول محتملة على تركيبة المؤسسات الدولية، ومنها صندوق النقد الدولي IMF الذي قد يكون إحدى أدوات الإصلاح المالي العالمي إذا أمكن إيجاد تمثيل عالمي عادل في مجلس المحافظين أو المجلس التنفيذي ذي الـ 24 مقعداً، أو على حقوق التصويت وهو ما شدد عليه معالي وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف بألا يكون إصلاح صندوق النقد على حساب الدول الصاعدة والنامية، وهو الحق الطبيعي الذي يجب أن تطالب به الدول الصاعدة وعلى رأسها السعودية، ويجب أن تأتي الزيادة من حصص الدول المتقدمة التي يزيد تمثيلها عن الحد اللازم، فميزان القوة اليوم يختلف عن ميزان القوة عند إنشاء الصندوق، ولذلك فإن سياسات الصندوق يجب أن تعكس تأثير الأعضاء فيه.
ولعل هذه النقطة بقيت دون حلول واضحة من خلال القمم الثلاث السابقة، ولعل هذا أحد الأسباب التي أسهمت في عدم وجود حلول مستدامة للأزمة والاكتفاء بالمهدئات على أمل استجابة الاقتصاد العالمي لها، ومن ثم تتفادى الدول الكبرى الدخول في مفاوضات مع دول النمو لأخذ نصيب عادل في توجيه السياسة الاقتصادية العالمية التي بقيت لمدة تزيد على الـ50 عاما بيد الدول الكبرى من دون تسمية دول بعينها.
النقطة الأخرى في تحديات القمة هو عامل الوقت على افتراض وجود اتفاق سياسي اقتصادي تنظيمي أو عدم وجوده، فإن تتفق 15 دولة (على افتراض أن دول أوروبا تتبنى نفس الموقف) على إجراء محدد في وقت محدد هو أمر في غاية الصعوبة، وأتمنى أن يكون الجدول الزمني الذي يتزين بعام 2012 حدا فاصلا لهذا التباطؤ الاقتصادي، ومرة أخرى، فإن عدم الاتفاق يأتي نتيجة لعدم الاتفاق في النقطة السابقة، بشكل يجعل دول النمو التي لم تتألم مثل الدول الصناعية الكبرى من تبعات الأزمة، أقول إن دول النمو عملت خلال القمم السابقة للحفاظ على مركزها الاقتصادي بالدرجة الأزلية، ومن ثم الاهتمام بمشكلات الدول الأخرى. ولعلي أذكر قمة بون الاقتصادية لمجموعة السبع التي عقدت في عام 1978 في ألمانيا بمشاركة كندا، والولايات المتحدة، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وبريطانيا، وفرنسا، حيث كان دعم النمو الاقتصادي للدول المشاركة من أهم الموضوعات المطروحة كنتيجة لارتفاع معدلات البطالة في تلك الدول بسبب الأزمة الاقتصادية حينها. ومع ذلك أخذت تلك الدول كثيرا من الوقت لوضع حلول عملية للخروج من تلك الأزمة. لذلك، فإن عامل الوقت يعد جزءا مهما في مخرجات قمة العشرين المقبلة ومدى إمكانية رؤية نتائج إيجابية في الاقتصاد العالمي في حال توصل المشاركون إلى حلول.
وامتدادا لما ذكرنا حول الاختلافات بين الدول النامية والكبرى من خلال القمم السابقة، فإن الفردية أصبحت واضحة في التعاطي مع حلول الأزمة بين جميع الدول، فبعد أن كان هناك موقفان من حلول الأزمة أصبحت هناك مواقف متعددة لدول قمة العشرين، بحيث أصبحت النظرة تمثل اهتمام دول معينة تتبنى وجهات نظرها بشكل قوي ومتأزم، ومنها على سبيل المثال موقف فرنسا من البنكين، وموقف دول النمو من دعم التحفيز الاقتصادي لاقتصاداتها، وهنا أتذكر اتفاقية التجارة الدولية وكيفية الفردية في الأفعال وردود الأفعال التي تقوم بها الدول لحماية مصالحها القومية بشكل رئيسي بغض النظر عن الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التجارة العالمية، ولنا في قصص الإغراق والإجراءات الحمائية أمثلة حية على التفاوت في مواقف الدول الفعلية بغض النظر عن الاتفاقيات الدولية.
الفارق الكبير في القمة الرابعة عن القمم السابقة، هو خطورة الوقف المالي لدول الاتحاد الأوروبي، فبعد أن كانت قمة العشرين تعاني إيجاد موقف موحد ومستدام للخروج من أزمة ديون الشركات والبنوك، أصبحت الآن في موقف أصعب للتعاطي مع أزمات الدول الائتمانية التي كان أولها اليونان وقائمة الانتظار تحمل دولا أخرى، قد تكون قمة العشرين الرابعة، هي آخر مراجعة طبية لأوضاع تلك الدول الاقتصادية الصحية، فأما الأمل بالعلاج أو مواجهة تبعات المرض وتدهور الصحة الاقتصادية لتلك الدول، وانتشار المرض إلى غيرها. لذلك، فإن دول الاتحاد الأوروبي ستكون أكثر تشددا في لقاءات القمة، وسوف تطلب الكثير والكثير لمعالجة الوضع العالمي، فبعد أن كانت في القمم السابقة تشارك وتجادل وتتأزم مواقفها من دون خطر حقيقي يهددها، فإنها اليوم ستقوم بالضغط لإيجاد حلول لأزمتها أولا وثانيا وثالثا وعاشرا، فالصراخ على قدر الألم، وهذا الضغط قد لا يكون محور اهتمام دول النمو، خصوصا إذا وصل الأمر (توقعا) إلى مطالبة الدول بالمساهمة المالية في مساعدة ألمانيا وفرنسا على سداد ديون اليونان وغيرها من دول الإفلاس السيادي التي تنتظر.
ختاما، أتوقع أن تكون محصلة قمة العشرين الرابعة امتدادا لنتائج القمم السابقة في عدم الخروج بحلول مستدامة، ولا أبالغ إذا قلت أن تأثيراتها قد تكون أسوأ من تأثيرات القمم السابقة، ما لم تجد القمة حلا لمشكلة رئيسة، وهي البعد عن استغلال دول النمو والدول الناشئة لحل مشكلات العالم المتقدم المالية من دون عائد على تلك الدول، والعائد يكمن في دخول جميع الدول الأعضاء في قمة العشرين في حوكمة الاقتصاد العالمي بحسب مواقعها وثقلها الاقتصادي الحالي وبشكل رسمي، وذلك بخروج دول تأسيس النظام العالمي الحالي من وهم ما يسمى "الدول الكبرى" وإعطاء دول النمو حقها في إدارة شؤون العالم الند للند.