بوادر فشل هيئة الأوقاف السعودية!
التشاؤم ليس من خلق المؤمن، وقدوتنا عليه الصلاة والسلام كان يحب الفأل، إلا أن المتفحص لواقع العمل الخيري في المملكة العربية السعودية والمتأمل في تجارب الدول الأخرى التي سبقتنا في هذا المجال يدرك أن إنشاء هيئة خاصة للأوقاف مستقلة عن وزارة الشؤون الإسلامية خطوة لا تكفي وحدها لتحقيق المراد.
السؤال الاستراتيجي الذي يتبادر للذهن ولا أظنه غائباً عن أصحاب القرار يتعلق بكيفية الحكم على نجاح الهيئة العامة للأوقاف.
هناك ثلاثة مؤشرات لا ينفك أحدها عن الآخر لقياس نجاح هيئة الأوقاف.
الأول يتعلق بقدرة الهيئة على حصر وتنظيم الأوقاف العامة والخاصة باستخدام أفضل وأسهل الآليات والتقنيات بشكل موثوق ومعرفة شروط الواقفين وتنفيذها وفق ممارسة أخلاقية شفافة.
والمؤشر الثاني هو قدرتها على تعظيم أصول الأوقاف واستثمارها بطريقة آمنه تزيد من قيمتها المالية. ويتفرع من ذلك قدرتها على جذب مزيد من الأوقاف الخاصة التي يديرها أصحابها بأنفسهم أو بوكلائهم وفي هذا علامة على قدرة الهيئة على الحصول على ثقة أفراد المجتمع وهو محك حساس في عمل الهيئة.
ومع أن المؤشرين الأول والثاني مهمان ويقعان تحت إرادة وسيطرة الهيئة الوليدة إلا أنهما لا يكفيان لإطلاق عبارة «هيئة ناجحة» على هيئة الأوقاف إذا ما أراد المسؤول والمجتمع تقييم عملها بعد خمس أو عشر سنوات.
المؤشر الثالث للنجاح والأكثر أهمية هو قياس (أثر) المشاريع الوقفية التي تديرها الهيئة في حياة المجتمع وسد حاجات المحتاجين ونمو رفاهية المستفيدين. إن أي محاولة لقياس نجاح أي مشروع خيري دون الالتفات إلى طبيعة وحجم الأثر هي محاولة ناقصة وتقييم غير مكتمل الجوانب.
أمام الهيئة للنجاح في هذا المؤشر أن تبني تحالفات وثيقة مع جهات موثوقة قادرة بكفاءة على ترجمة رغبات الموقفين إلى مشاريع ذات نفع على المجتمع بجميع شرائحه، وبالتأكيد لن تكون شركات القطاع الربحي حليفاً مناسباً للهيئة لأن التاجر سوف يسعى بفطرته لجني أكبر قدر من الأرباح من أي مشروع يدخل فيه شريكاً، ومما لا شك فيه أن مؤسسات القطاع الحكومي لن تكون هي الأخرى الحليف المقبول للهيئة لأن الناس سوف يفسرون ذلك بأن أموالهم توجه نحو خزانة الدولة. ماذا بقي إذاً!
منظمات القطاع الخيري بجميع أشكالها هي الحليف الأنسب والأقدر على ترجمة رغبات الواقفين إلى مشاريع نفعية وإيجاد أثر مملوس في أرض الواقع، لأن هذا النوع من المنظمات ينطلق من منطلقات الواقفين ذاتها وينسجم في رسالته مع رسالة الهيئة العامة للأوقاف.
المشكلة الكبرى والمعضلة العظمى هنا أن حجم وإمكانيات منظمات القطاع الخيري في وضعها الحالي غير قادرين على القيام بهذا الدور الاستراتيجي لنجاح الهيئة في أعمالها وإحداث الأثر المنشود. وما لم يكن هناك تحرك عاجل وشامل لتفعيل القطاع الخيري وتشجيع الناس على تكوين جمعيات خيرية وهيئات تطوعية فإن أموال الأوقاف سوف تتكدس ورغبات الأخيار سوف تحبس معلنة عدم اكتمال النجاح والقرب نحو الفشل في مشروع نهضوي يؤمل أن يغير وجه السعودية وحياة السعوديين لعقود.