منهم عجوز .. ومنا عجوز!
قبل أسابيع فقط كان كاتب هذه السطور يتحدث بإعجاب عن عجوز إنجليزي ناهز الثمانين من عمره وهو لا يزال يقدم خدمات تطوعية، وكان الحديث آنذاك منصبا على قدرة المملكة المتحدة على إنشاء نظام محفز استطاع أن يستثمر الطاقات التطوعية لهذا العجوز ويوجد له موطأ قدم في عالم التطوع والعطاء.
واليوم تدهشنا عجوز أخرى لكنها هذه المرة من أرض التوحيد والإنسانية وقد ختمت حفظ كتاب الله تعالى عن عمر يعانق التسعين عاماً. نعم تسعين عاماً!
يا لها من رائعة هذه الأم الفاضلة والمرأة المباركة حينما انشغلت في أواخر عمرها - أسأل الله أن يطيل فيه - بأفضل ما يمكن أن ينشغل به إنسان، وتحقق ما عجزت عن تحقيقه الشابات ذوات النشاط والعنفوان.
هذا الإنجاز الجميل لا يعتبر إنجازاً لأمنا أم طلال المطيري فقط بل وأيضاً لذلك الكيان الذي أمدها بالحوافز وآزرها بالوسائل حتى بلغت مرامها وحققت غايتها. هذا الكيان الذي تنتشر أجزاؤه المباركة في أرجاء السعودية هو المدارس النسائية لتحفيظ القرآن الكريم، التي لا أظن أن لها مثيلاً في عالمنا المعاصر. يزين خريطة المملكة فلا تخلو مدينة ولا قرية من مدرسة هنا وأخرى هناك ويستفيد منه الملايين من بنات حواء تاليات لكتاب الله ومنشغلات بتطوير ذواتهن في المجالات: الشخصي والإداري والمنزلي من خلال برامج متنوعة وأنشطة متجددة.
اطلعت على تقرير عن جزء من هذا الكيان المبارك يتحدث عن المدارس النسائية لتحفيظ القرآن الكريم في مدينة الرياض وأتمنى أن نستمتع معا ببعض ما جاء فيه، حيث أورد التقرير أن عدد الدارسات تجاوز 52.000 طالبة ينتظمن في 270 مدرسة مسائية ويعمل فيها ويتطوع ما لا يقل عن 3000 معلمة، أكثر من 75 في المائة منهن سعوديات وتدار هذه المدارس بآليات إدارية متطورة تقوم على قرارات جماعية وخطط مدروسة واستخدام ذكي للتقنية يحيط ذلك كله سياسات واضحة وشفافة. ومع أن الدارسات يدفعن رسوماً رمزية كإثبات الرغبة والجدية إلا أن معظم التكاليف تأتي من محبي ومحبات الخير في السعودية. وحتى لا يتوقف هذا الخير وتجف منابعه فإن الإدارة المشرفة تعمل حالياً على توفير وقف خيري يعود ريعه على أنشطة المدارس وبرامجها التي تصب في تعليم القرآن وتحفيظه، فيا له من وقف مبارك ويا لسعادة من شارك فيه.
وبالتأكيد لم يكن لهذا الكيان المبارك في الرياض أن يصل لما وصل إليه إلا بتوفيق الله ثم برجال ونساء يعملون بجد ونشاط, يعرف الناس بعضهم ويجهل كثير منهم، إلا أن مما يثلج الصدر أن هذا الكيان جذب إلى رياضه نخبة من المجتمع فمما يذكره التقرير انضمام الأمير محمد بن سلمان كرئيس لتنمية الموارد المالية للجمعية، الذي بادر برسم ملامح استراتيجية طموحة لجمع التبرعات وتوفير احتياجات الجمعية المالية. ما لم يتحدث عنه التقرير وتكشفه أوراقه أن هناك كيانات مشابهة للمدارس النسائية لتحفيظ القرآن الكريم في الرياض لا تقل تميزاً وروعة في أكثر مدن المملكة تدعونا جميعاً أن نفتخر بهذه الصروح التي تعج بشذى كلام الله تعالى، كما تعج بممارسة تطوعية رائعة وأنشطة خيرية نبيلة بين بنات المملكة.