غازي القصيبي الراحل الباقي

حالات نادرة يقف فيها القلم عاجزا عن الكتابة لأسباب عديدة منها تزاحم المشاعر والأفكار والمواقف وتعدد الأحداث والإنجازات, ووفاة معالي الأستاذ الدكتور الأديب السياسي الدبلوماسي غازي بن عبد الرحمن القصيبي من تلك الحالات النادرة التي وقف فيها القلم عاجزا نتيجة عدم قدرة العقل على دعمه للكتابة عن هذه القامة السعودية العربية المسلمة عالمية الطموح والطرح والرؤية التي تسبق الزمن وتتحدى الممكن وتسعى للكمال بعطائه السخي ورؤية المخطط وتنفيذ المهندس.
غازي القصيبي مدرسة ذات قدرات عالمية متعددة تجتمع فيها كل الصفات التي يحلم بها الطموح والمبدع والراغب بصدق في التطوير والتغيير والإنجاز والثقة والولاء بعيداً وقريباً من الضوضاء والصراع مع الآخرين, الدكتور القصيبي كان وما زال وسيبقى قدوة سعودية عربية عالمية صالحة تعلم ويتعلم منها الأجيال فن ومهارة الإدارة والإبداع والعطاء والإنجاز, الكثير من الكفاءات السعودية الناجحة تتلمذت على يديه وفكره بشكل مباشر وغير مباشر, فمنذ توليه المسؤوليات القيادية في السعودية في منتصف السبعينيات الميلادية من القرن الماضي وهو حديث المجتمع, اتفق الجميع على أن الرجل ظاهرة إدارية متميزة، عمل بكل جد واجتهاد لتحقيق أهداف وطموحات القيادة السعودية في تحقيق التنمية الوطنية الشاملة في كل أجزاء المملكة ورأينا كيف دخلت الكهرباء في فترة قصيرة العديد من المدن والقرى بشكل أثار الإعجاب بهذا الشاب الطموح، وفي زحمة عمله في وزارة الصناعة والكهرباء لم يبتعد عن عشقه الأدبي وسجلاته الفكرية مع الجميع، كان لحضوره وعطائه في كل المناصب التي تقلدها الأثر الإيجابي في كل الشباب الطموح المحب للمملكة.
معالي الدكتور غازي القصيبي ــ رحمه الله ــ بقامته المهيبة والمهابة يجعل التواصل معه قضية صعبة لمن لا يعرفه ولكن عندما تتحدث إليه تجد ذلك الحب الجميل والروح المرحة والنكتة الحاضرة والاهتمام الذي يشعرك بأنك الأهم فيمن حوله فتتحول المشاعر من رهبة وخوف إلى مشاعر حب واحترام وتقدير، تغادره وأنت أكثر شوقا للقائه والتعامل معه، يملك الحكمة والتواضع، حسن الاستماع والنصح ثم العمل المخلص، كلماته وتعليقاته تتحول مع الوقت إلى أمثال وحكم ومنهج تعلم وعمل.
تأملت معاليه ــ يرحمه الله ــ وهو يرتدي مشلحه الرسمي ويغطى به كامل جسده المهاب وهو ممدد على السلم (النعش)، وكيف أنه وصل إلى نهاية محطة العطاء في الحياة الدنيا، وأن بهذا التمدد أراح جسده وذهنه من السلالم لسنوات طويلة، لأننا عرفنا معاليه ـ يرحمه الله ـ النموذج الساعي للتطوير والتغيير وعدم الانخناق بالثوابت التي أساسها التغيير.
غازي القصيبي ــ رحمه الله ــ تعود الصمود والصعود والرقي، وتعود دائما أن سلمه واقف للمساعدة على الصعود وليس ممددا على الأرض للراحة، ولكنها سنة الكون التي لم ولن تترك أحدا إلا ويذوق الموت وهي نهاية المطاف لرحلة الحياة الدنيا والانتقال بعدها لرحلة الحياة الآخرة.
ما يمكن التأكيد عليه في السيرة العطرة للدكتور غازي القصيبي ــ يرحمه الله ــ هو ما تعلمه الجميع منه وهو الإحساس بالرضا بما قدر الله عليه وقناعته المطلقة أن ما أعطاه ويعطيه الله حقق له الرضا بالعطاء، ولهذا فإن كل مرحلة من مراحل حياته واجهه فيها شيء من ذلك، فعندما لم يستطع أن يقدم ما يجب أن يقدمه في عمله كوزير اعتذر عن العمل في قصيدته المشهورة والتي يعرف مسبقا أنها قد تكون سببا في تركه للمنصب وزخرفه وبريقه، وعندما لم تعجبه الهمجية الإسرائيلية قال قصيدته الثانية المشهورة والتي ربما كانت سببا في ترك منصب السفير، وعندما علم بإصابته بالمرض العضال لم يتردد في طلب الإعفاء واقتراح البديل، وخلال هذه المراحل الحياتية من العمل والعطاء كان الرضا هو سيد الموقف، فكان دائم الرضا بعطاء الله و قدره.
رحم الله أبا سهيل، كم كان سهل المعشر وسهل التعامل وسهل العمل، عاش ومات وهو ذو وجهة واحدة فقط في سره وعلانيته، في حياته الخاصة والعامة، مع الأصدقاء والأعداء, رحمك الله يا أبا يارا فلقد تتلمذ على يديك وفكرك أجيال من الشباب السعودي الطموح الذي تعلم منك الكثير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي