آسف.. شكرا.. لو سمحت

وقف الاثنان عند ماكينة الصراف الآلي ونظراً لأن الأول أطال قليلا فما كان من الثاني وهو شاب سعودي إلا أن يصيح فيه (هيه .. صديق ما في معلوم أنت ما في مخ).
فالتفت إليه الأول ليقول له ألا تستحي وأنا سعودي مثلك وأكبر منك لماذا تخاطبني بهذه الطريقة؟
فاعتذر الثاني قائلاً كنت أحسبك من الجنسية الآسيوية بالنظر إلى لبسك البنطال وسحنة وجهك السمراء.
فرد الأول قائلاً يا أخي لا يجوز أن نستهتر، أو نقلل من قيمة الآخرين وأن نفرزهم حسب جنسياتهم وألوانهم ودياناتهم. وإن كان آسيويا أليس بشرا؟ أليس له حق الاحترام؟ ألا تعرف يا أخي طريقة أفضل للتخاطب؟
مع الأسف هناك كثير في مجتمعنا تقحط لديه الكلمات الجميلة عند التعامل، وتنتفي من قاموسه اللفظي كلمات سهلة جميلة مثل آسف.. شكرا.. لو سمحت..!!
في الشارع وفي الإدارة وفي الأسواق ينادى على رجل تجاوز الستين يا ولد أو أنت أو يا هيه أو أو.. إلخ كلمات تدل على الازدراء خاصة إذا كان هذا الرجل بسيطاً متواضعاً أو لا يرتدي بشتاً أو مشلحاً جديداً، هل هذا القحط في لين التعامل ناتج عن جفاف الأرض وانتقل إلى جفاف في مشاعر الناس أم أن الأمر ناتج عن طريقة خاطئة في التربية، سواء في البيت أو المدرسة؟ فتجد كثيرا من الطلاب، سواء بالابتدائية أو المتوسطة أو حتى الثانوية يستهزئ بمعلمه الأجنبي لا لسبب وجيه، إنما فقط لأنه غير سعودي، وهذه دلالة على خلل في التربية.
لا أعتقد أنه من الصحيح أن نرمي قساوة تعاملنا على قساوة الأرض والطبيعة الصحراوية الجافة القاسية فنحن ـــ ولله الحمد ـــ نعيش في أجواء حديثة حولت حرارة الصحراء إلى برودة المكيفات، وقبل ذلك فنحن نعيش في تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي علمنا فيه رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام (إن الدين المعاملة) كما أمرنا رسول الله ـــ صلي الله عليه وسلم ـــ و(إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه) رواه مسلم.
أعتقد أننا اعتدنا ومن خلال تربية خاطئة، خصوصاً في البيت أن نمارس الجفاف العاطفي فأنت إذا طلبت شيئاً من زوجتك أو من ولدك، أو الأخ إذا طلب شيئاً من أخته أو أخيه أو ما شابه ذلك يستصعب المبادأة بكلمة لو سمحت.. كما يستصعب ختام ما يقدم له من خدمة وإن كانت بسيطة بكلمة شكراً.
وأرى أنه من أصعب الأمور لدى الغالبية في مجتمعنا الاعتذار حين يخطئ على الآخر، سواء في البيت أو المدرسة أو العمل أو حتى الشارع، فإما أن يستشيط غضباً، وإما أن يصمت وينسحب بهدوء، حيث يعلم أنه على خطأ وبدون اعتذار للمقابل.
الصحابي الجليل سواد بن عزيه في غزوة أحد، حيث طلب الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ من الصف أن يستووا فاستووا عدا الصحابي سواد بن عزيه فوكزه ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ في بطنه، فقال يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق فأقدني فكشف ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ عن بطنه الشريفة وقال: اقتص يا سواد فانكب سواد يقبل بطنه، ويقول هذا ما أردت وأن يكون آخر عهدي أن يمس جلدي جلدك. قمة الاعتذار العملي من رسول الرحمة صاحب الخلق الرفيع ـــ صلى الله عليه وسلم. (وإنك لعلى خلق عظيم) سورة القلم.
كما أن ذلك كان قمة حسن التعامل والتصرف واللباقة واللياقة ممن كان هو أكبر منك سنا ومقاما، وبهذه المناسبة أشيد بجميع حلقات برنامج خواطر لأحمد الشقيري التلفزيونية وبخاصة التي أظهرت لنا طلاب صف مدرسي يقومون بتنظيف فصلهم ومدرستهم بحضور وزير التربية والتعليم، وكيف أن هذا سيؤثر فيهم في مستقبل حياتهم، ويجعلهم لا يستنكفون من القيام بمثل هذا العمل البسيط العظيم، ويرقق من تعاملهم مع البشر، ومع المخلوقات وغير المخلوقات جميعا.
هذا ولا أنسى ونحن بخاتمة الموضوع أن أشكر ابنتي سمراء على إهدائي فكرة هذا الموضوع الجميل وعلى سماحها لي باستخدام فكرتها في موضوع اليوم، وبخاصة ونحن في العشر الأواخر من رمضان الكريم، «شهر المسامحة»، والكرم والعفو والشكر، والأسف والتوبة، على ما أسلفنا من أغلاط وأخطاء بحق أنفسنا أولا وأخيرا، وذلك لأن من غلط وأخطأ، فذنبه على جنبه، والله الغني، ونحن الفقراء.
وسلامتكم

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي