«الفسيفساء الأمريكية» - 1 - بوتقة الانصهار وعظمتها الإنسانية

كنت في زيارة لأمريكا 1998 تحديدا ضاحية شيكاغو، وطلبنا تاكسي من الفندق لتوصيلنا وحضر التاكسي .. تعجبت كان السائق طاعناً بالسن والتاكسي قديم شبه متهالك في (بلد صناعة السيارات) والسائق صامتا.
المهم ركبنا التاكسي .. وبعد قليل بدأت إشارات التابلون في التاكسي بالتحول إلى اللون الأحمر ويصدر من التاكسي أصوات ودخان .. ومع ذلك يستمر السائق صامتاً .. ويزداد التعجب !! وفي منتصف الطريق توقف التاكسي عن العمل .. وتعطل تماما ونزلنا .. وتساءلت هل هذه هي أمريكا العظمى؟!
في اليوم التالي وكنا مجموعة (سعودي، مصري، سوداني، باكستاني) وطلبنا تاكسي وبالطبع أكدنا على الفندق أن يحضر تاكسي بحالة جيدة وكفى ما حدث، وجاء تاكسي ليموزين وسائق شاب لا يزيد عمره على 18 عاماً وكان عكس ما سبقه ودودا وبشوشا وتحدث معنا بروح دعابة، وتعرف علينا وعلى جنسياتنا المتنوعة، وكلنا نتكلم الإنجليزية، وأعرب عن دهشته قائلاً كل منكم يعرف لغتنا ونحن لا نعرف عنكم شيئا ولا عن لغتكم !! وعقب مرددا يا لها من ثقافة كسولة بأمريكا ! وعندئذ عرفت سر قوة أمريكا أنها مجتمعات تصحح وتنتقد نفسها صراحة للبحث عن التطوير والتجديد من شاب لا يتعدى 18 سنة في منتهى النضج والرجولة.
وفي يوم من الأيام قد يكون هذا الشاب أوباما آخر، حيث يملك برأيي صفات الطموح والتواضع والنضج. هذا توقعي فهل سبق وحاول أحد منهم هناك التكهن أو التوقع بالنسبة لأوباما عندما كان شاباً عمره 18 عاماً أو 28 عاماً أو حتى 38 عاماً ما هي أعلى وظيفة سيصل إليها؟
بالمناسبة فما زالت عالقة بذهني مقولات رائعة لفضيلة الشيخ الأديب الدكتور عائض القرني عن الرئيس أوباما، والتي نشرت بجريدة "الشرق الأوسط" عدد 10934 بتاريخ 4/11/2008 تحت عنوان "الرجل الأسود في البيت الأبيض".
وأود هنا أن استشهد بمقاطع من تلك المقولات الذهبية لفضيلته، حيث قال بداية (إن فوز باراك أوباما لعبرة لقوم يعقلون ألا تعجب من رجل فقير بسيط مسكين سافر به أهله من بيت صغير في كينيا بإفريقيا يبحثون عن لقمة العيش فارين من الجوع والمرض والجهل فيتعلم ابنهم ويتزوج وينال منصباً ويعطى الجنسية الأمريكية ويدخل الانتخابات ويفوز برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية).
ويتساءل فضيلته قل لي بربك؟: لو أن الأستاذ باراك أوباما التجأ إلى بعض الدول العربية فكيف يكون وضعه؟ أنه سوف يكون في الغالب في الترحيل لانتهاء مدة إقامته أو سوف يطرد من البلاد لمخالفة قانونية.
ويسترسل فضيلته (وإذا تكرموا سمحوا له بأن يكون سائق تاكسي (ليموزين) أو حارس عمارة أو بائعاً في سوق الخضراوات أو الحراج، هذا ما سوف يحصل للأستاذ باراك أوباما لو كان في بعض الدول العربية القوية الصامدة المتألقة النامية والنائمة في سبات عميق، "وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال" ــ سبحان الله! مرة واحدة وبسرعة هائلة يصل العامل البسيط والشاب الفقير والمهاجر المسكين إلى رئاسة أكبر وأقوى دولة بالعالم.
ويستنتج شيخنا الفاضل أنه (الآن أصبحت أمريكا تطبق دون أن تشعر بعض تعاليم الإسلام من احترام الإنسان وتقدير مواهبه وإعطائه الحق في المشاركة وإبداء الرأي وأخذ مكانه المناسب مهما عظم. قال تعالى: "يا أيها الناس إنها خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم"، وقال ــ صلى الله عليه وسلم ــ: "الناس سواسية كأسنان المشط"، وقال عمر (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).
وللحديث بقية وشجون غداً ــ إن شاء الله ــ مع الشيخ عائض والرئيس أوباما و(جواهر لال نهرو)، والرئيس كلينتون .. وأمريكا. وسلامتكم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي