الملك عبد العزيز يصطحب والدة السبيعي في جولة على قصر المربع!
وفاة عبد الرحمن السبيعي
إنه من الجدير بالذكر أن الأدوار التي قام بها عبد الرحمن السبيعي تتجاوز كونه مديراً لبيت المال في شقراء، إلى أدوار أخرى قام بها مع المليك المؤسس، خاصةً بعد تأسيس وزارة المالية، فقد أوضح أكثر من مؤرخ أن السبيعي كان يقوم بمهام وأعمال في الوزارة، ويتضح ذلك جلياً من خلال صحبته للملك عبد العزيز في أسفاره وتنقلاته ما بين الحجاز والرياض.
فبعد ضم الحجاز واستقرار الأمن لم يعد لبيت المال ذلك الدور المهم، فأصبح السبيعي مرافقاً للملك عبد العزيز وعهد بمسؤولية بيت المال في شقراء إلى أحد أقاربه وهو الشيخ عبد الرحمن بن محمد السدحان، الذي تولى مهمة الإشراف العام على بيت السبيعي وخدمه وتجهيز كل ما يخص الملك عبد العزيز حينما يريد التوجه إلى شقراء.
وظل السبيعي في خدمة مليكه حيثما كان، وأصبح بيته في الحجاز مقصداً وملتقى لأبناء نجد الذاهبين هناك للحج أو الدراسة، خاصةً أبناء الوشم، ويروي عدد من الذين عايشوا تلك الفترة قصصاً عن كرم السبيعي وسخائه مع القادمين إليه.
وبعد وفاة الملك عبد العزيز، رحمه الله، ظل السبيعي مع الملك سعود تربطهما علاقة متميزة، بدأت منذ أن كان الأمير سعود أحد قادة جيش والده، وتعزّزت بعد ذلك، وثمة مراسلات بينهما تكشف عن شيء من تلك العلاقة، وفي صورة فوتوغرافية لزيارة الملك سعود بن عبد العزيز لباكستان والهند يبدو السبيعي فيها كأحد مرافقي الملك في زيارته الرسمية.
كما ظل السبيعي بعد ذلك محل تقدير الملك فيصل بن عبد العزيز، الذي ما إن تسلم مهام الحكم وأعباء المسؤولية حتى بدأ السبيعي يشكو من آلام لازمته فترةً من الزمن، فأمر الملك فيصل بعلاجه في لبنان، فقصدها للعلاج والراحة والاستجمام.
وثمّة صورة فوتوغرافية التُقطت له قبل رحيله بشهرٍ واحد تجمعه مع السيد حسن شربتلي وبعض الوجوه المثقفة اللبنانية، تُظهر لمن يتفحصها مدى الألم الذي بلغه الرجل وأن الرحيل قد أزف، رغم أنه لم يبلغ بالكاد الـ 66 من عمره، فجميع من في الصورة يضحكون في محاولة لإسعاده والترويح عنه، غير أنه غارق في حزنه، فكان أن ودّع الدنيا وعادت روحه إلى بارئها في لبنان.
كان ذلك في عام 1384هـ، فنُقل جثمانه إلى جدة وصُلي عليه في الحرم المكي الشريف ودُفن في مكة المكرمة.
#3#
وقد تزوج أكثر من زوجة، وخلّف ابناً واحداً أسماه على والده عبد الله، وهو يعمل الآن في الأعمال الحرة، وستاً من البنات، هنّ: هيلة والجوهرة ونورة ودلال وسكينة وحصة.
كما خلّف ذكراً عاطراً لدى كل من عرفه أو عمل معه، واسما خالداً جراء ما قام به من أعمال ومسؤوليات وطنية واجتماعية، وقد أوصانا المؤرخ عبد الله فلبي بضرورة أن يبقى اسمه حياً في الذاكرة، فكانت هذه السيرة بعد ما يقرب من خمسة عقود على رحيله، للتذكير بدوره كي يظل اسمه حاضراً في الذاكرة!
والدة السبيعي
لا يمكن الحديث عن الشيخ عبد الرحمن السبيعي وأدواره التي قام بها، دون الوقوف على سيرة والدته الفاضلة: حصة بنت محمد السدحان، التي تُعد واحدةً من أبرز النساء الشهيرات في مجتمع نجد، فقد كان الملك عبد العزيز يحترمها ويقدرها، نظير ما تقدمه من خدمات جليلة، فقد كانت مع زوجة ابنها عبد الرحمن (منيرة العثيمين) وزوجة عمه وبعض من نساء شقراء، هنّ من يقمن بطبخ وتجهيز الطعام للملك عبد العزيز وجيشه مدة إقامته في شقراء، التي ربما تطول أحياناً لعدة أيام.
ويرى الدكتور محمد الشويعر في كتابه «شقراء» أنه إذا كان يقف خلف كل رجل ناجح امرأة، فإن لوالدة عبد الرحمن السبيعي دورا كبيرا في تصريف الأمور ومجابهة الأعمال ذات الأهمية، وكان الملك عبد العزيز يحترمها ويجلّها لقوة شخصيتها ورجاحة عقلها ونظرتها العميقة وحسن تدبيرها.
ويروي الشويعر حديثاً عن المؤرخ سعد بن عبد العزيز بن رويشد، يتضح منه تقدير أم عبد الرحمن السبيعي للملك عبد العزيز واهتمامه بها وبمواقفها.
يقول الرويشد: (بعد أن بنى الملك عبد العزيز مجلسه الكبير وما يتبعه، في شمال قصر المربع في الستينيات الهجرية، وكان هذا أول بناء بالمسلح في الرياض، ببناء ابن لادن، وكان طول المجلس 30 ذراعاً، علمتْ بذلك أم السبيعي، فجاءت من شقراء ولما وصلت الرياض بمن معها، استأذنتْ في السلام على جلالة الملك عبد العزيز، وأبانت عن غرضها من الزيارة: التهنئة والدعوات للملك بهذا البناء الجديد، فحدّد لها الملك موعداً في صباح الجمعة، وأمر باستقبالها في المجلس نفسه، بما يليق بمكانتها عنده، فجاءت وقبّلت رأس جلالته ثم جلست في المكان المعدّ لها، وهنأت الملك بهذا المبنى ودعت له بمديد العمر على طاعة الله والعز والتمكين، واستعرضت معه بعض المواقف التاريخية، وما أفاء الله على جلالته من العزّ والنصر، فأثنى عليها وطلب منها المسامحة وقبول العذر، لأنه في مروره الدائم – على شقراء-، كان يلمس اهتمامها به وتلبية رغباته، في كل ما يعجبه من مأكل ومسكن، فقالت: إنني اعتبر ما نقوم به وجماعتنا لكم قربة عند الله، وإخلاصاً في المحبة وإنني اعتبر نفسي أكبر امرأة في شقراء سناً، وهذا توفيق من الله ثم ببركة خدمتكم فشكرها.
#4#
ثم قام معها يفرجها على المبنى وما فيه من فرش وأمور تجميلية، فشكرته وعند ذهابها بعث لها بالهدايا المناسبة من جلالته لمثلها ولمكانتها عنده.
كما كان لها مواقف مشرفة في الاهتمام بإكرام واحترام نساء العائلة المالكة، ويبادلنها التقدير والمودة) انتهى كلام الرويشد.
وقد كان عبد الرحمن السبيعي مضرباً للمثل في برّه بوالدته، وكان كثيراً ما يأخذها معه إلى الحجاز، حيثُ يقضي شهوراً بصحبة الملك عبد العزيز هناك.
ويروي الشيخ عبد الكريم الجهيمان أنه حينما كان في مكة المكرمة في خمسينيات وستينيات القرن الهجري المنصرم، أهدى الملك عبد العزيز سيارتين أمريكيتين متشابهتين، واحدة لنائبه على الحجاز الأمير فيصل بن عبد العزيز، والأخرى للشيخ عبد الرحمن السبيعي، الذي أهداها لوالدته براً بها، كي تذهب بها إلى الحرم المكي الشريف.
يقول الجهيمان إنه إذا اقتربت سيارة أم السبيعي يقوم عدد من الجنود بأداء التحية العسكرية، ظناً منهم بأن من يستقلها هو نائب جلالة الملك، نظراً لتشابه السيارتين، وحينما تكرّر الأمرُ كثيراً من قبل الجنود، شكت أم السبيعي ذلك لابنها عبد الرحمن، مفيدةً إياه بأن بعض الرجال الواقفين في الطرقات يقومون بعمل حركات بأيديهم، ترى هي أنها غير لائقة! فضحك ابنها، الذي عُرف عنه حس الدعابة والنكتة، وشرح لوالدته معنى رفع اليد وأداء التحية العسكرية، وأن ليس فيها ما يدعو للقلق! وأن هؤلاء الجنود يلتبس عليهم الأمر، لأن سيارتها تشبه سيارة سمو النائب.
كما أن والدة السبيعي هي صاحبة المثل النجدي « أحْلِفي عليها ياخضرا» وقصته كما أوردها الأديب عبد الكريم الجهيمان في «الأمثال الشعبية» أن خضراء جارية مملوكة لوالدة الشيخ عبد الرحمن السبيعي، ووالدة السبيعي هذه امرأة ذكية وقوية ولها شخصية تعتز بها أمام جاراتها وزائراتها.
#5#
ويجتمع لديها في كثير من الأحيان بعض الجارات والسيدات لزيارتها ولأجل أن يحظين بأحاديثها وإكرامها، فإذا تجمع لديها جمع جلست بينهن ثم أمرت بالقهوة وبعدها تأمر بالشاي.. والقهوة والشاي لهما مقام رفيع في أيام مضت، وكانت كل واحدة من الزائرات ترغب في أن تشرب أكبر كمية ممكنة من هذه المشروبات التي تقدم لهن، وكان بعض السيدات يقلن لخضراء عندما تأتي لتصب القهوة أو الشاي (بس) أي اكتفيت.
ولكن والدة الشيخ عبد الرحمن السبيعي تعرف أن كلمة (بس) مصدرها الحياء لا الاكتفاء، وبدلاً من أن تحلف هي على تلك السيدة فإنها تقول لجاريتها: أحْلِفي عليها يا خضراء، أي ألزميها بأن تشرب فنجالاً ثالثاً أو رابعاً.. فذهبت مقولتها مثلاً يضرب.
وقد عُمّرت أم السبيعي طويلاً، إذ توفيت قُبيل وفاة ابنها عبد الرحمن بثلاث سنوات تقريباً، وكانت وفاتها في الطائف عام 1382هـ، عن عمر يناهز المائة عام.
#2#
قصر السبيعي بشقراء
منذُ أن تولى عبد الله السبيعي مسؤولية بيت المال في شقراء أصبح بيته محط الأنظار ومقصد التجار، الذين يتعامل معهم من رجال حاضرة وبادية.
وزاد البيت تشريفاً وأعطاه مكانة وقيمة تاريخية الملك عبد العزيز، رحمه الله، حينما نزل البيت وأقام به مرات عدة، وهو في طريقه إلى القصيم أو حائل أو الحجاز، ويُخلّد التاريخ ذلك المؤتمر الذي عقده الملك عبد العزيز في بيت السبيعي لتدارس الوضع العام حيال الشريف حسين وحيال ابن رشيد، وهو ما أشار إليه المؤرخ عبد الله فلبي.
وفي عام 1358هـ، أمر عبد الرحمن السبيعي ببناء قصر كبير، هو اليوم معلم آثاري وتاريخي، وحظي القصر الجديد أيضاً بسُكنى الملك عبد العزيز وإقامته به، وقد اهتمت وزارة التربية والتعليم ثم هيئة السياحة والآثار بهذا القصر، فتم ترميمه وتجهيزه ليكون متحفاً يضم عديدا من أدوات التراث.
وقد أصدر الباحث عبد الرحمن البليهد كتاباً بعنوان «قصر السبيعي في محافظة شقراء» ذكر فيه أن الذي تولى مسؤولية البناء هو أحد البنائين المهرة، وهو حمد بن قباع، وهو نفسه الذي أشرف على بناء قصر الملك عبد العزيز في المربع.
وقد كلّف بناء قصر السبيعي في ذلك الوقت نحو 100 ألف ريال سعودي.
وقد حظي القصر بزيارات عدة من قبل عدد من المسؤولين والمهتمين بالآثار.
وأبوابه اليوم مشرعة لمن أراد أن يشمّ شيئاً من روائح ذلك التاريخ المجيد، وتاريخ رجالات أخلصوا في القول والعمل.