تجاوب واستجابة لتعليقات المعلقين على مقال «البيروقراطية» (2 من 2)
الحمد لله على توفيقه وامتنانه والصلاة على الهادي الأمين الحاث على فعل كل ما فيه خير ومنفعة وبعد, استكمالاً لما كتبته في المقال السابق المنشور في هذه الصحيفة يوم الأحد 17/10/1431 هـ الموافق 26/9/2010 العدد 6194, فإني أوفي بوعدي في استكمال التجاوب والاستجابة لمن علق على المقال الذي كتبته من منطلق حرصي الشديد على الدعوة الصادقة لكل الجهات الحكومية, والهيئات والمؤسسات العامة بتجنب الإجراءات الروتينية العقيمة, والبيروقراطية الإدارية المعطلة لسرعة إنجاز الأعمال والمعاملات, وتقديم الخدمات التي يفترض إنجازها, وإنهاء كل المتطلبات اللازمة دون خلق عوائق ومعوقات وعقبات غير نظامية, إذ بعض الأشخاص يقول إن هذا يحصل كثيراً لأسباب عديدة, ذكر منها كسل الموظف, وتساهله في إنجاز العمل المطلوب منه بحكم وظيفته, وأنه يرغب في أن يزيح المراجع من أمامه كتصرف غير مسؤول, بل قيل إن هناك موظفا يجد متعة في عدم الإنجاز كسلوكيات ـ أيضا ـ لا يمكن أن توصف إلا بأنها سلوكيات غير مستقيمة لعدم وجود رقابة تحاسبه من رئيسه, كأن يكون الرئيس ضعيف الشخصية, فيستهتر الموظف بالعمل, وهناك أسباب أخرى قد لا يمكن للمراجع وصاحب الحاجة أن يدرك ما وراء التأخير من أسباب حقيقية إلا مجرد قول الموظف المتقاعس هناك نظام أو تعميم أو التعليمات تستلزم ما طلبه الموظف وهلم جرا, وهذا مما سمعته من مناقشات وحوار، سواء من اتصال هاتفي أو في جلسة خاصة, أو جلسة من الجلسات الجماعية, ولا يمكن أن أطيل في التطرق لمناقشة كل ذلك في مقال أتوخى فيه الاختصار, وأكتفي بالتجاوب والاستجابة للتعليقات المكتوبة التي تستحق المناقشة, وأتعشم أن يكون فيها الفائدة للقارئ العزيز, ولذا أتناول ما بقي من تعليقات فيما يلي:
1 ـ شخص رمز لاسمه الصريح بـ(أبي صرة) (هكذا كُتب) يقول: ''التعميم في اللغة معناه الإشهار والتعريف بالإجراء المتبع, وتبليغ لكل من له صلة بالإجراء, طيب لنفرض أن هناك تعميماً جباراً، فرض على الناس دون علمهم ألا يحق للناس رؤية هذا التعميم وقراءته والتمعن في نصه طالما أنه يؤثر مباشرة في إنهاء إجراءات العمل.. إلخ'', وهذا الشخص صاغ ما يجول بخاطره حسب مستواه العلمي والثقافي عندما وصف التعميم ( بالجبار)، ولعله يقصد الهام أو المهم لتنظيم العمل, أو سير إجراءات المعاملات والأوراق ومتطلباتها, ويقول ''.. فرض على الناس دون علمهم'', وهو يقصد أنه من الواجب إخطار الناس بأي تعميم تنظيمي يصدر بمثل ما يحصل بالإخطار عن الأنظمة بنشرها في الصحيفة الرسمية ''أم القرى'', وفي الصحف المحلية ليعلم بها الجميع, وهو محق فيما يقوله, وسبق لي أن كتبت في أكثر من مقال عن ضرورة الإفصاح عن النظام أو التعميم, عندما يطلب المراجع من الموظف إطلاعه على ما يقول إنه يتعامل معه بالنظام أو تعميم, أكتفي بالإشارة إلى اثنين فقط نشرا في هذه الصحيفة بتاريخ 10/8/1424هـ الموافق 6/10/2003, وتاريخ 6/10/1424هـ الموافق 30/11/2003 العدد 3702, وزيادة في الإيضاح أورد ما كتبته بصراحة تامة عندما قلت: ''..إذ من الواجب أن تجمع الأنظمة واللوائح والقرارات والتعاميم في مجموعة متكاملة يكون من حق كل مواطن الحصول عليها بسعر رمزي حتى يكون على علم ومعرفة تامة بها للالتزام بها, والعمل بموجبها, ومعرفة ما يحصل من تجاوزات ومخالفات من العاملين الذين ليس بإمكانهم إلا مخاطبة الناس بأن ما قام به ''أو قاله'' هو وفق النظام, وعندما يطلب منه الاطلاع على النظام يمتنع عن ذلك, أو يتجاهل الطلب كلية'', ورأيت تكرار ما سبق أن كتبته من سبع سنوات للفائدة لمن علق, وغيره من القراء الأفاضل, ولعله ــ أيضا ــ يتحقق ما قلته من المسؤولين كل في موقع عمله ومسؤولياته.
2 ـ الدكتور شبكشي رضوان علق مشكوراً بقوله: ''أخي سعادة الدكتور إبراهيم: المشكلة الحقيقية في كل ما ذكرت تكمن في القانون الإداري السعودي الذي لا يمكن تحديد ملامحه لقدمه وكثرة جوانبه التي تتشكل من غابة قانونية ولائحية وقرارات إدارية وتعاميم لا حصر لها, أفقدت هذا القانون معناه وقيمته وروحه, ولهذا السبب لا المواطن ولا المسؤول يعرف من أين تبدأ المسؤولية وأين تنتهي, هذا القانون يحتاج إلى إعادة تنظيم وصياغة بما يتناسب مع أوضاع وأدوار الدولة حالياً, أتمنى أن تكتب في هذا الأمر, ولك خالص تحياتي وتقديري''.
أشكر الدكتور شبكشي على تعليقه القيم, إذ ما أبداه باختصار يمثل جانبا كبيرا من الحقيقة, من حيث أهمية تحديث الأنظمة, وما وصفه بغابة قانونية ولائحية وقرارات وتعاميم ... إلخ, ويتمنى أن أكتب في هذا الأمر، وفي الحقيقة أن الكتابة فيما قال لا يكفي فيه مقالات, بل يحتاج إلى مؤلف مطول من عدة أجزاء, أما المقالات فقد كتبت عن ملحوظات كثيرة عن أهمية تحديث الأنظمة, والحكومة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله ــ حثت على هذا, وبحزم وتوجيهات سمعناها وقرأنا عنها في وسائل الإعلام, لكن التحديث جار ببطء شديد جداً, ولا أريد أن أضرب أمثلة على ذلك لأن كثيرا من الناس يعرفون ذلك, فضلا عما ذكر، فإن هناك أنظمة تعد حديثة ــ نسبياً ــ صدرت لوائح تنفيذية لها كانت مطولة, وفيها نصوص جديدة تخالف النظام, وتتعارض مع بعض نصوصه مثل الأنظمة العدلية التي يعاد تحديثها بعد صدور نظامي القضاء في المحاكم الشرعية, وديوان المظالم اللذين صدرا في شهر رمضان عام 1428هـ, ولم يبدأ العمل بهما بشكل موضوعي, إنما في جزء بسيط من الناحية الشكلية أو الإجرائية رغم مضي ثلاث سنوات على صدور النظامين, والحديث يطول لو أردت أن أسترسل في ذكر الأمثلة, لكن لعل ما قلته يقنع الدكتور شبكشي والقارئ العزيز لأكتفي بذلك.
3 ـ الأخ عبد العزيز محمد أبو الهيطيل علق يقول: ''ما الذي جعلنا من العالم الثالث؟ ما الذي جعل المستثمرين السعوديين يهربون للخارج؟ ما الذي جعل المواطن يذهب للمعقبين لإنجاز بعض المعاملات مستحيلة التحقيق إلا بواسطة المعقب؟ كثيرة الأسئلة يا دكتور, لكن الجواب واحد هو ''البيروقراطية الإدارية'', وأنا متأكد لو ذهبت إلى جوازات في منطقة أخرى، ممكن أن تنجز معاملاتك لكن مع الأسف الشديد بعض منسوبي الجوازات يطبق القانون حسب التعميم لديه ـ ''اسأل مجرب وسامحونا''.
هذا ما كتبه الأخ عبد العزيز بطرح أسئلة تعبر عن ألمه وحزنه الشديد, وهو يشاركني الشعور نفسه الذي دفعني لكتابة مقالي الذي علق علية, ولا أريد أن أجيب عن أسئلته لأنه يعرف أن الإجابة تحتاج إلى كلام مطول لا يتسع المقال, أو حتى المقالات لأن تعطي الإجابة الوافية, لكن فهمت شعوره, ومتأكد أن هناك أناساً كثيرين يحملون في وجدانهم وعقولهم الشعور نفسه, لكن منهم من يتألم بصمت, ولا يبيح إلا لنفسه, أو في مجلس خاص, لكن هناك من يبادر بالإباحة بما يجول بخاطره, ويفصح عن رأيه, ولا يستريح خاطره إلا بهذا, ويطلب مشاركة غيره في الرأي ليطمئن على مدى صوابه أو خطئه, لعلي قد عبرت عن شعوري فاسترحت, وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت, والله الهادي إلى سواء السبيل, آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
* تعميم جبار كتبه المعلق, وفهمت أنه يعني (هام أو مهم) ولا يمكن وصف التعميم بأنه جبار إلا إذا كان يقصد مصدر التعميم, ورأيت أن أنوه في الهامش عن فهمي لعلي على صواب.
كتبه من يطلب ربه العون والسداد.