التنمية والكفاءات القيادية
كلما طرحت سؤالا حول سبب عدم قدرتنا على تحقيق التنمية الشاملة المحققة لطموح القيادة ورغبة المواطنين التي تساعد على بناء الإنسان وتنمية المكان وتطبيق الأنظمة وإبرازنا كمجتمع يحترم ذلك كله ويرغب صادقا في جعل موقعه بين دول العالم المتقدمة, وكلما نظرت في أحوالنا وأعمالنا ومشاريعنا وما تعانيه من تأخر في التنفيذ أو التنفيذ السيئ أو عدم التنفيذ أصلا, وكلما تجولت في أعمالنا وبرامجنا ورأيت ما تعانيه من تخلف وعدم جدية في الأداء وعدم القدرة على التطوير أجد دائما أن هناك سببا مشتركا بين كل تلك الإسقاطات والتخلف وعدم القدرة على التطوير والتنفيذ هو غياب الكفاءات القيادية القادرة على المتابعة والتطوير والتغيير دون مجاملة لإحدى الكفاءات القيادية أين كان موقعها في الهرم الوظيفي تعد المحرك الأساسي لتحقيق أهداف التنمية وهم المؤثرون فيمن يرأسون فعندما تتجول في أروقة المكاتب والمشاريع والبرامج تجد أن تأثير القيادة واضحا فإذا كان المسؤول يفهم معنى القيادة وكيفية الاستفادة القصوى من إمكانات العاملين معه واستثمارها، كما يجب أن يكون تحقيق الهدف مؤكدا وكلما كان المسؤول مجاملا للآخرين أو يخاف أن ينتقد أداءهم أو أن مصالحه الخاصة مقدمة على المصلحة العامة فإن أداءه يضعف وترى الخلل في أدائه وأداء العاملين معه.
القيادات الإدارية ليس المقصود بها من يقعون في أعلى الهرم أو السلم الوظيفي ولكن المقصود بها كل من يكلف بمسؤولية أداء عمل حتى لو كان العاملون معه شخصين فقط, فإذا أحسن إدارتهم واستغلال واستثمار إمكاناتهم وعمل على تفجير طاقاتهم فإنه بذلك يحقق خطوة مهمة في إنجاز المشروع التنموي، ولهذا فإن الاهتمام ببناء القيادات من الأعلى للأسفل ومن الأسفل للأعلى مهمة جداً ولا يمكن الاستغناء عن أي منهم, فلو كان رئيس الجهاز كفاءة إدارية قيادية متميزة فإن تأثيره يكون واضحا, ولكن لن يصل إلى الإدارات والأقسام الأصغر, وكذلك إذا كان مدير الإدارة أو القسم كفاءات متميزة ولكن من يرأسه غير ذلك فإن التأثير لن يكون كما يجب.
البناء الإداري التنموي يتطلب العمل الجاد والمخلص على تحقيق منظومة إدارية قيادية تشمل الجميع والتهاون أو المجاملة في ذلك يضعف العطاء العام ويؤدي إلى تلاشي القدرات والقيادات الفاعلة التي تفقد مصداقيتها في العطاء والإنجاز وتتحول مشاريعها وبرامجها إلى حبر على ورق لغياب القيادات الإدارية التنفيذية الميدانية التي تؤمن بالرسالة وتعمل على تحقيقها.
القيادات الإدارية المقصود بها هنا مختلف القطاعات الحكومية والخاصة, المدنية والعسكرية, الإدارية والفنية, والمقصود بالإدارية هي التي تتولى إدارة العمل مهما كان نوعه أو طبيعته سواء كان فنياً أو إدارياً أو عسكرياً ولهذا فإن الحرص على اختيار الكفاءات القيادية هو المسار السليم الأول لأداء العمل, واختيار هذه الكفاءات يتطلب عددا من الأمور من أهمها معرفة العمل المطلوب إيكاله لها والمساحة المعطاة لها للإبداع والحماية المطلوبة لها للنجاح وتقويم وقياس الأداء ثم الحوافز التي تساعد على استقطابها بعيدا عن سلم الخدمة المدنية وتعقيداته أو بعد إصلاحه وجعله قادرا على منافسة القطاعات الأخرى وقادرا على تحقيق التغيير القادر على تحقيق استقطاب الكفاءات وتحقيق الاستقرار النفسي لها حتى تستطيع القدرة على توجيه كامل طاقتها وقدرتها لأداء العمل الحكومي بكل كفاءة وليس كما نراه اليوم من هجرة للكفاءات الحكومية للقطاع الحكومي أو انشغالها بأعمالها الخاصة أو انشغالها بكثرة التذمر من ضعف قدرة المؤسسة الحكومية على تحقيق طموحاتها واستقطاب الكفاءات.
التحدي الحقيقي الذي لا يمكن إغفاله إذا رغبنا في تحقيق التنمية الوطنية الشاملة والمتميزة هو الحرص على حسن اختيار الكفاءات على كل المستويات ودعمها بالتدريب والتأهيل وتحقيق الاستقرار الاقتصادي لها حتى تتفرغ للقيام بالواجبات المطلوبة منها ووضع المعايير والضوابط التي تضمن تحديد المسؤوليات والصلاحيات وتقديم الأداء ومحاسبة المقصرين وشكر وتكريم العاملين.
وقفة تأمل:
''مثلك جعله الله على مسؤول
من فوق حمله حمل غيره يشيله
ومثلك يذب الريع والحمل منقول
يقطع به الفرجه ولو هي طويله
ومثلك كما سيف شطير ومسلول
لي كبرت القاله فصلها فصيله
ومثلك يفتح بالرجا كل مقفول
ضحكة حجاجه كل هم تزيله''.