النموذج الاقتصادي البحريني
يمكن وصف تقرير ''أوكسفورد بينزنس جرو''، الذي صدر الأسبوع الماضي، بالمبالغة في تقييمه أداء وآفاق الاقتصاد البحريني، لكن كما يقال إذا عُرف السبب بطل العجب، والإشارة هنا صدور التقرير في إطار شراكة مع مجلس التنمية الاقتصادية، الذي بدوره يُعدّ مسؤولا عن صياغة وتنفيذ الاستراتيجيات الاقتصادية للبحرين.
الصيرفة الإسلامية
من جملة الأمور المثيرة، كشف التقرير عن جهود تبذلها جهات مختلفة لتكريس مكانة البحرين كأهم مركز لصناعة الصيرفة الإسلامية. حقيقة القول، تحتضن البحرين أكبر عدد من المؤسسات العاملة في مجال الصيرفة الإسلامية على المستوى الدولي، حيث يزيد عددها على 30 جهة تشمل فروعا لبنوك تجارية محلية منها وأجنبية. يشار إلى أن المؤسسات المالية الإسلامية لعبت دور القيادة في تأسيس مشروع مرفأ البحرين المالي وسط المنامة، وحالفها الحظ في تسمية المشروع والإيحاء بأنه تابع للقطاع العام في البحرين.
وفي كل الأحوال، تقتضي المصلحة الاقتصادية للبحرين تعزيز أداء قطاع الخدمات المالية؛ كونه يمثل نحو 27 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، أي الأكبر بين كل القطاعات الأخرى. حسب إحصاءات مصرف البحرين المركزي، بلغت القيمة الكلية لموجودات المصارف العاملة في البحرين 222 مليار دولار في عام 2009. يزيد هذا الرقم أكثر من عشر مرات على حجم الناتج المحلي الإجمالي للبحرين، ما يعد أمرا مميزا. وفي كل حال من الأحوال يمكن تفهُّم الرغبة البحرينية في تعزيز الصيرفة الإسلامية في ظل تنامي المنافسة الخليجية في قطاع الخدمات المالية بشكل عام، فهناك مركز دبي المالي العالمي، فضلا عن مركز قطر المالي، وقريبا مركز الملك عبد الله المالي في الرياض.
إصلاحات سوق العمل
على صعيد آخر، أشاد التقرير بقرار البحرين في عام 2009 بإفساح المجال أمام العمالة بتغيير الكفيل في حال تحقُّق بعض الشروط، مثل عدم حصول العامل على راتبه لفترة زمنية. مؤكدا أن البحرين حققت السبق في مجال تحرير سوق العمل على مستوى المنطقة، وبالتالي حصلت على إشادة من المؤسسات الدولية ذات العلاقة، لكن علينا انتظار النتائج؛ للوقوف على صواب أو فشل السياسة الجديدة. فحسب آخر الإحصاءات المتوافرة، تحصل العمالة الوافدة على الأغلبية العظمى من فرص العمل الجديدة، وما زالت تمثل نحو 80 في المائة من حجم العمالة في القطاع الخاص.
كما نرى صواب توجه السلطات إلى تعزيز الكفاءات الوطنية عبر التعليم والتدريب والقوانين. وكانت الحكومة قد حصلت على موافقة السلطة التشريعية على استحداث رسم شهري قدره 26 دولارا على الجهة الكفيلة للعامل الأجنبي، ومن ثم الاستفادة من المبلغ لتأهيل المواطن.
مواجهة التضخم
بدورنا نتفق مع بعض ما جاء في التقرير من قبيل محدودية تحدي التضخم في البحرين، حيث بلغ 5.2 في المائة، مقارنة بأكثر من 9 في المائة في دول خليجية أخرى في عام 2008. لكن تناسى التقرير موقف مجلس التنمية الاقتصادية، أحد الأسباب الرئيسة لهذا الأداء الإيجابي، وتحديدا الدعم المقدم لثلاث سلع استراتيجية، هي: اللحوم الحمراء والدجاج والطحين، فضلا عن المشتقات النفطية والكهرباء والماء. المشهور عن مجلس التنمية الاقتصادية رغبته في إعادة هندسة السلع الحاصلة على الدعم الحكومي، وذلك باستهداف شرائح بعينها، وبالتالي وضع حد لظاهرة حصول الجميع بمن فيهم المواطنون والوافدون والزوار، فضلا عن المؤسسات التجارية، على السلع المدعومة.
وفي هذا الإطار نأمل أن يعيد مجلس التنمية الاقتصادية قراءته لخطط وقف الدعم؛ حفاظا على رفاهية المواطنين من جهة، وضمانا لبقاء ميزة تنافسية للاقتصاد البحريني من جهة أخرى. يعد الاقتصاد البحريني الأصغر على مستوى دول المنطقة؛ ما يعني حاجته إلى الحفاظ على مزايا تنافسية في ظل وجود اقتصادات إقليمية ضخمة نسبيا. يحتل الاقتصاد السعودي المرتبتين الـ 23 والـ 104 على مستوى العالم على التوالي.
الملاءة المالية
من جهة أخرى، يلاحَظ تناسي التقرير القرار الحديث لوكالة موديز لخدمات المستثمرين بتخفيض التصنيف الائتماني السيادي للبحرين والاكتفاء بالإشادة بحصول المملكة على ملاءة مالية من صنف (أي) من قبل مؤسسة ستاندارد أن بورز، فضلا عن شركة فيتش. وكانت ''موديز'' قد خفضت حديثا أدوات الدَّين الحكومية من (أي 2) إلى (أي 3).
واستندت ''موديز'' إلى خطوتها بالنظر إلى ارتفاع متوسط سعر النفط المطلوب لتحقيق التوازن في المالية العامة نتيجة تعزيز مصروفات ميزانية الدولة. وبشكل أكثر تحديدا، احتاجت البحرين إلى متوسط سعر قدره 80 دولارا لبرميل النفط في عام 2008 مقارنة بـ 30 دولارا للبرميل في 2004؛ للوصول إلى نقطة التوازن في المالية العامة. يزيد متوسط السعر المطلوب على الأسعار السائدة في الأسواق الدولية.
في المحصلة، المطلوب من الجهات الدولية التي تصدر تقارير دورية مقابل عوائد مالية تضمين وجهات نظر مختلفة، وبالتالي إصدار تقارير متوازنة حتى تصبح مرجعا للأطراف ذات العلاقة. نأمل أن يتحقق ذلك بالنسبة إلى تقارير ''أوكسفورد بينزنس جروب''؛ كونها تحمل اسما معروفا في عالم الإصدارات.