ساعات سويسرية
لا أحد ينكر عشق السويسريين للعرب باعتبارهم الزبائن الرئيسيين لساعاتهم الباهظة الثمن، رغم الخصومة التاريخية ما بين العرب واحترام الوقت، لكن تلك الخصلة لم تلغ ولعهم بارتداء أثمن الاختراعات الساعاتية ربما لأغراض لا يتعلق معظمها بالوقت.
ويبدو أن ولعنا العربي بالساعة مرده إلى نظرتنا الثاقبة إلى أن الساعة وليس المحرك البخاري, هي الآلة الرئيسة والأهم التي مهدت الطريق لدخول البشرية في العصر الصناعي الحديث.
بالطبع الساعة لم تكن بمستوى قوة المحرك البخاري ولا يمكنها أن تحرك أطنان الأوزان، لكنها قدمت موقفا إزاء الزمن جعل المصانع والمحركات والسكك الحديدية أمرا ممكنا.
فليس هناك من آلة منتشرة قدر انتشار الساعة في كل مكان. وهي نوع من آلة الطاقة، نتاجها هو الثواني والدقائق. حيث إنه لم يكن ممكنا ملء العالم بالآلات إلا بعد أن أصبح قابلا للقياس الدقيق أي بالثانية والدقيقة وبطريقة لا علاقة لها بالنشاط الإنساني. فالجسم البشري يعمل ضمن منظومة دقيقة من دقات القلب ورفة العين وتنفس الرئتين ومروره ضمن مراحل الطفولة والشباب والكهولة, وليس من المقبول اختراع منظومة أسرع من ضربات القلب أو زيادة سرعة جريان الدم، لأن إنسان هذا العصر مهووس بكل ما هو سريع ومتجدد. إذن للوصول إلى عصر الصناعة كان من المفروض اختراع منظومة وقتية لا ترتبط بالكائن البشري.
فقد كان على أجزاء الآلة أن تعمل في الوقت المحدد تماما كالساعة، لكن أجزاء الآلة ينبغي تصميمها وبناؤها بدقة مثل الأوزان والمسافات. أي نتجت مقاييس موحدة كالمتر والرطل والأوقية كضرورة بعد بناء مقادير الوقت الموحدة.
وكما أن وجود ساعة باهظة الثمن على معصم أحدهم لا يعني بالضرورة أنه مهووس بالوصول في الوقت المحدد لموعد ما, كذلك الأمر بالنسبة للزمن الجديد الذي خلقه اختراع الساعة أو ما يسمى بالزمن الميكانيكي أو المفصول
عن حاجة الإنسان وعملياته الطبيعية. فسابقا كان قياس الزمن في الزراعة بحسب مواسم البذر والحصاد، وكان الناس يعملون بتوقيت شروق الشمس وغروبها وبالأحداث التي تمر بحياتهم. كما كان البشر قبل تقسيم الوقت إلى ثوان ودقائق أي قبل عام 1300 يقيسون بالأيام والشهور أو السنين بناء منزل أو رسم لوحة أو السفر إلى بلد آخر، ولم يكن أحد ليقيس أعمالهم بأنها استغرقت وقتا أطول أو أقصر من الوقت المحدد. فلم يكن يؤرقهم أن تستغرق رحلتهم إلى سوق المدينة نصف نهارهم، لكن الأمر سيختلف إذا كانت هناك سيارة فيراري في الجوار يفاخر سائقها بأنه سيصل إلى السوق في 20 دقيقة.