الثلاثاء, 29 أَبْريل 2025 | 1 ذو القَعْدةِ 1446


المبادرة الكاشفة.. الاتفاق من أجل العراق

ستكون للمبادرة السعودية انعكاساتها الإيجابية على العراق، فهي مبادرة للعراق وللحوار الوطني، وهي تجاوز عن الطائفية والاصطفاف، وهي دعوة إلى التوافق لتجاوز حالة الفراغ السياسي التي يعيشها العراق اليوم، وهي مبادرة للأمن والاستقرار والسلام والتنمية والمستقبل، وهي ليست موجهة ضد أحد سواء كان من كتلة سياسية أو طائفة أو جهة، ولهذا فهي أكثر المبادرات احتراما لإرادة العراق الحرة والمستقلة، خاصة وأن السعودية أكدت أنها ليست مشروطة، ولا فيها مجال للتدخل الدولي، وهي تحت مظلة الجامعة العربية، وهي بذلك تشكل قوة دعم وإسناد حقيقية للعملية السياسية، وتحظى بدعم عربي، وهي مبادرة تدرك حساسية الوضع العراقي المعقد، ولهذا كانت مبادرة لدعم إرادة القوى العراقية لممارسة مسؤولياتها التاريخية بكل أمانة بعيدا عن الضغوط والاصطفافات الطائفية والحزبية، وهي بيان للعراق والعرب أن هناك من يدعم الأمن والسلام العراقي، وأن هناك أيضا من يدعم الفوضى حال عدم التعاطي الإيجابي مع المبادرة، وهي تأكيد على أن الحوار لأجل العراق هو الهدف، وليس مصلحة طائفة على أخرى أو مصلحة كتلة على الأخرى، خاصة وأن السعودية لم يكتب عليها دعم وإسناد فئة على حساب الأخرى، وظلت بعيدة عن الشأن العراقي الداخلي، وكانت ترى أن تشكيل الحكومة هو من شأن العراقيين أنفسهم.
المبادرة السعودية هي حالة كشف كبيرة لمن يحاول جادا إبقاء العراق في دائرة الفوضى، وتعطيل العملية السياسية فيه، سواء من الكتل العراقية، أو بسبب من التدخلات الإقليمية أيضا، وهذا الكشف سيحمل هذه القوى الفاعلة المسؤولية التاريخية أمام المجتمع العراقي، وسيكشف النقاب عن أن هناك لاعبين يهمهم بقاء العراق ممزقا متحاربا، يعيش حالة من الفوضى التي تُستغل وتُستثمر للإساءة إلى دول المنطقة بحجة دعم الإرهاب والعنف في العراق.
دعوة خادم الحرمين الشريفين، هي رؤية استراتيجية للأمن والسلام العراقي، وهي إن تحققت ستسهم في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، لكنها أيضا تدرك تمام الإدراك أن القوى الفاعلة في العراق تتحمل المسؤولية الكبرى، كونها تستخدم العراق كأداة لإدامة الفوضى في المنطقة، وتستغلها لغاية إحداث تغيير كبير في هويته الوطنية والعربية، وتعزيز الفرقة بين مكوناته، ونهب خيراته وموارده، وجعله ساحة لنشاطات وأهداف تتقاطع كلية والأمن القومي العربي.
والرياض لم تطلق مبادرتها تلك إلا بعد قراءة دقيقة وشاملة وبعد استمزاج كبير لمختلف القوى والكتل السياسية ولعديد من الأدباء والمفكرين العراقيين، على اختلاف توجهاتهم، خاصة وأن الرياض، بانت للعراقيين أنها لا تقف موقفا سلبيا من العملية السياسية ونتائجها، وأنها تقف من الجميع على مسافة واحدة، وقد استقبلت الجميع دون شروط أو ضغوط، وهذا السلوك أسهم في تعزيز مكانتها ودورها لطرح مثل هذه المبادرة.
المملكة بحكم مكانتها ودورها الإقليمي الريادي، وبحكم إمكاناتها وقدراتها السياسية والاقتصادية، وبحكم علاقاتها مع القوى الفاعلة عالميا وإقليميا، تدرك أن الأزمات الكبرى إذا لم تجد عقلاء يقبلون الحوار والتفاهم والتنازل لأجل وطنهم وبلدهم، فإن المصالحات ستبقى في إطار حالة التلاعب والتوظيف للمصالح الإقليمية التي لا يهما الاستقرار، بل تعمل جاهدة على إدامة التوتر، وهي تختلف بذلك عن النهج السياسي السعودي القائم على إدامة قنوات الاتصال والحوار والتعاون والتفاهم لإنقاذ العراق من أزماته، خاصة في ظل التمترس والتشدد الكبير الذي يبديه رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، أمام القائمة العراقية بقيادة رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي، الذي لوحت قائمته العراقية بزعامة إياد علاوي إلى التهديد بالانسحاب من العملية السياسية من جهة أخرى.
الحوار العراقي العراقي، هو لأجل العراق، والأمن والاستقرار في العراق لأجل العراق والإقليم، والمملكة تعي جيدا معنى عراق عربي مستقل الإرادة مستعيدا لدوره ومكانته السياسية، وتعي جيدا، معنى اغتصاب الإرادة السياسية للعراق، وجعله كيانا هزيلا تابعا، وساحة للتنافس الإقليمي والدولي، وساحة للتصفيات والأنشطة الاستخبارية المختلفة، وبؤرة للإرهاب والفساد وتجارة الحشيش والمخدرات.
المملكة أكدت على لسان وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل، أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حيال العراق لا تخضع لأي شروط مسبقة من أي دولة كانت، بما فيها السعودية، وهي لا تحمل أي رائحة تدخل في الشأن العراقي، وأن الرياض تنظر بعين المساواة إلى جميع العراقيين، وهذه التأكيدات توضح للعراقيين أولا ولدول الإقليم أن المسعى السعودي يخلو من الأهداف المريبة، وهو مسعى واضح جدا وشفاف، تثبت فيه المملكة أنها دولة مسؤولة ومعنية بالاستقرار الإقليمي في لبنان وفلسطين واليمن وباستقرار العراق، أيضا على خلاف من يستخدم هذه الأطراف أوراق لعب وشد أطراف ومساومات وتفجير وأزمات.
السعودية لا تريد نفط العراق ولا تريد لها من يأتمر بأمرها، وليست لها شهوة في ممارسة نفوذ سياسي يؤطر جماعة عراقية ما، لكنها تحاول اليوم بعد أن أنجزت دورا مهما في العلاقات السورية ـــ اللبنانية وفي التخفيف من حالة التوتر، أن تلج الباب العراقي، وهي صاحبة خبرة طويلة في مجال رعاية المصالحات العربية بدءا من طائف لبنان عام 1989، ووصولا إلى لقاء الفرقاء الفلسطينيين في مكة، ثم في رعاية المصالحة اللبنانية أو كسر الجليد بين دمشق وبيروت.
الدعوة السعودية لا تتقاطع مع أي جهد يسهم في حل معضلة الخلاف العراقي، فهي لا تتعارض والمبادرة التي يقودها رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، بل ترى أن أي جهد يسهم في تعزيز أمن واستقرار العراق، ويملأ الفراغ الدستوري، وفقا لتفاهمات عراقية هو النتيجة الأفضل، فالدول الناجحة تؤمن بالتعاون ومختلف المكونات والتشكيلات، وتؤمن بضرورة احترام سيادة الآخرين وإرادتهم الوطنية، ومساعدتهم على تعزيز الاستقرار، وفتح آفاق التعاون معهم على قاعدة المصالح المتبادلة.
المبادرة تلقى ترحيبا واسعا من الجميع، فقد طرحت المشكلة على طاولة البحث وقدمت مصلحة العراق أولا، ودعت الجميع بلا استثناء إلى المشاركة والمساهمة في الحل الذي يرغبون فيه، والذي يحترمونه أولا وأخيرا، وحتى انعقاد اللقاء ستكون هناك مهلة كافية لأطراف العملية السياسية العراقية كي يعدوا أوراقهم أو ينسقوا مواقفهم، وبالتالي تعيد الأجواء المسبقة للقاء الحوار بين الأطراف العراقية وفي داخلها، للتهيئة للقاء الذي لن يكون فيه لا غالب أو مغلوب بقدر ما يمكن أن ينتهي إلى تسويات سياسية برضا الكتل العراقية، وإن تقدمت بعض الأطراف بمقترحات أو مبادرات، وإن تنازل البعض فهو ليس تنازلا لأجل كتلة أو طائفة، وإنما هو لأجل العراق، وسيكسب من يعمل لأجل عراق آمن ومستقر، وسيكتب له التاريخ السياسي العراقي أنه ارتقى فوق الخلافات والأزمات والمساومات والضغوطات لأجل العراق ولأجل العراقيين الذين أتعبهم منظر الموت والقتل والفوضى والفساد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي