دراسة: العملة الخليجية تكاليفها باهظة

نجاح دول الاتحاد الأوروبي في إطلاق العملة الموحدة شجع مجموعات اقتصادية أخرى من بينها دول مجلس التعاون الخليجي على أن تفكر بجدية في إطلاق عملة موحدة.

وكي تنجح الوحدة النقدية بين مجموعة من الدول يجب أن يشكل إقليمها منطقة عملة مثلى, الذي يضمن أن تكون المنافع المتحققة من العملة الموحدة تفوق تكاليفها الاقتصادية.

وتتحقق منطقة العملة المثلى عندما يكون هناك ارتفاع في نسبة التبادل التجاري البيني من إجمالي التبادل التجاري لدول المجموعة، وهناك مرونة عالية في حركة عوامل الإنتاج من قطر إلى آخر مع مرونة أقل في حركتها خارجيا، وعندما تتصف اقتصاداتها بالتنوع من حيث الإنتاج والصادرات.

وقد توصل هذا البحث ـ الذي نشر في مجلة «العلوم الإنسانية والاجتماعية» الصادرة عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في عدد شوال 1431، توصل إلى أن إقليم دول مجلس التعاون لا يستوفي أياً من اشتراطات منطقة العملة المثلى بسبب افتقار الاقتصادات الخليجية إلى أي مستوى مقبول من التنوع الاقتصادي نتيجة المساهمة العالية جدا لمنتج وحيد هو النفط في إنتاج وصادرات دول المجلس، وتدني معدل التبادل التجاري البيني من إجمالي التبادل التجاري لدول المجلس، ومحدودية مرونة حركة عوامل الإنتاج داخل الإقليم والمرونة العالية في حركة عوامل الإنتاج مع الخارج, ما يجعل من غير المجدي لدول المجلس إصدار عملة موحدة ويجعل خيارها الأنسب الاكتفاء بالاتفاق على مثبت مشترك لعملاتها الوطنية بأسعار صرف متعذر تغييرها كونه يتيح لها إنشاء اتحاد نقدي يحقق لها جل إن لم يكن كل منافع العملة الموحدة ويجنبها معظم تكاليفها.

استقرار العملة الموحدة مرتبط بوضع أضعف أعضائها

نجاح دول الاتحاد الأوروبي في إطلاق عملة اليورو شجع مجموعات اقتصادية أخرى في العالم من بينها دول مجلس التعاون الخليجي على التفكير بجدية في إطلاق عملة موحدة، إلا أن أزمة المال العالمية أظهرت الصعوبات الكبيرة التي يمكن أن تواجهها عملة موحدة، وأنها، وعلى عكس ما كان متوقعاً، يمكن أن تكون حتى أقل قدرة على مواجهة الأزمات من العملات الوطنية المستقلة, فالاقتصاد الأمريكي هو الأشد تأثراً بالأزمة, كما أن القطاع المالي الأمريكي كان الأكثر تعرضاً للانهيار بسببها، وهي عوامل كان من المفترض أن تؤدي إلى تراجع سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسة العالمية، كاليورو مثلا، إلا أن ذلك لم يحدث، بل على العكس من ذلك مع كل اشتداد للأزمة كان سعر صرف اليورو يميل إلى التراجع أمام الدولار ومع كل بادرة أمل بانفراجها يشهد سعر صرفه تحسنا.

كما أظهرت أزمة ديون اليونان مدى الضغط الذي يمكن أن تتعرض له العملة الموحدة نتيجة عدم التزام أي من الدول الأعضاء بمعايير الوحدة النقدية، فرغم أن الوضع المالي في عدد من دول منطقة اليورو الرئيسة مثل: ألمانيا, فرنسا, وهولندا مستقر إلى حد كبير، إلا أن استقرار العملة الموحدة مرتبط بوضع أضعف أعضائها وليس فقط بوضع أقواها. ما يجعل من المناسب استقصاء مدى أهمية إصدار عملة خليجية موحدة ضمن مسيرة التكامل الاقتصادي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وذلك من خلال دراسة منافع وتكاليف قيام وحدة نقدية بين دول المجلس ومن ثم مدى توافر البيئة الاقتصادية الملائمة لنجاح مشروع العملة الخليجية الموحدة.

الواقع الحالي للتكامل الاقتصادي الخليجي

أنشئ مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981 كتجمع إقليمي للدول العربية المطلة على الخليج العربي باستثناء العراق، كرد فعل للثورة الإيرانية التي قامت عام 1979 والحرب العراقية ـ الإيرانية التي بدأت عام 1981، التي مثلت بالنسبة لدول الخليج الأخرى تهديدات إقليمية غير مسبوقة حتمت توحيد الصف وتطلبت قدراً أكبر من التعاون والتنسيق فيما بينها لمواجهتها.

وشملت أوجه التعاون بين هذه الدول مجالات عديدة، كان من أهمها التعاون والتكامل الاقتصادي، الذي بدأ بتوقيع الاتفاقية الاقتصادية الموحدة عام 1981، ودعت إلى تحقيق تكامل اقتصادي بين دول المجلس بدءاً من إنشاء منطقة تجارة حرة ومروراً بإقامة اتحاد جمركي ثم سوق مشتركة تمهيداً للوصول إلى اتحاد نقدي واقتصادي.

وقد تمكنت دول المجلس خلال عامين من تكوين المجلس من الاتفاق على إقامة منطقة تجارة حرة وذلك في 1983، إلا أن مسيرة التكامل الاقتصادي تباطأت بعد ذلك، وفيما عدا خطوات اتخذت هدفت إلى السماح لمواطني دول المجلس بممارسة بعض الأنشطة الاقتصادية، لم يكن هناك تقدم يذكر في مسيرة التكامل الاقتصادي إلى أن تم توقيع اتفاقية اقتصادية جديدة بين دول المجلس عام 2001 التي وضعت آليات وبرامج محددة لإقامة اتحاد جمركي بين دول المجلس بدءاً من الأول من كانون الثاني (يناير) 2003, كما تم إقرار برنامج زمني لتحقيق الاتحاد النقدي بهدف الوصول إلى عملة موحدة عام 2010، كما تم الاتفاق أيضاً على أن يكون الدولار مثبتا مشتركا لعملات دول المجلس، ثم في قمة قادة دول مجلس التعاون المنعقدة في الدوحة في كانون الأول (ديسمبر) 2007 تم الإعلان عن قيام السوق الخليجية المشتركة بداية من الأول من كانون الثاني (يناير) 2008 (الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية 2008). ورغم إعلان عمان في كانون الأول (ديسمبر) 2006 انسحابها من مشروع العملة الخليجية الموحدة وقرار الكويت في أيار (مايو) 2007 إعادة ربط الدينار بسلة عملات على خلاف ما تم الاتفاق عليه بين دول المجلس، إلا أن قادة دول مجلس التعاون قرروا في قمتهم التي عقدت في كانون الأول (ديسمبر) 2008 اعتماد اتفاقية الاتحاد النقدي المتضمنة الأطر التشريعية والمؤسسية له، كما اعتمد النظام الأساسي للمجلس النقدي، وأُكد على سرعة مصادقة الدول الأعضاء على هذه الاتفاقية، تمهيداً لإنشاء المجلس النقدي الذي سيتولى المتطلبات الفنية للاتحاد النقدي والتهيئة لتأسيس البنك المركزي وإصدار العملة الموحدة.

وفي القمة التشاورية التي عقدها قادة دول مجلس التعاون في الخامس من أيار (مايو) 2009 تم اختيار مدينة الرياض لتكون مقراً للمجلس النقدي الخليجي دون أن يصدر أي قرار بشأن تشكيل هذا المجلس أو تحديد موعد بدء نشاطه، إلا أن الإمارات، المتحفظة على اختيار الرياض مقراً للاتحاد النقدي، أعلنت في العشرين من الشهر نفسه أنها لن تكون طرفاً في اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي، ما يعني عملياً انسحابها من مشروع العملة الموحدة، فيما استكملت الدول الأربع الأخرى بحلول كانون الأول (ديسمبر) 2009 مصادقتها على اتفاقية الاتحاد النقدي.

الاتحادات النقدية

للاتحادات النقدية Monetary Unions صيغ متفاوتة، بحسب طبيعة ومستوى التنسيق النقدي القائم بين مجموعة دول الاتحاد, فقد يقوم الاتحاد النقدي على أساس تبني مجموعة من الدول عملة إحدى دول الاتحاد لتكون عملة تداول مشتركة، مثال ذلك منطقة النقد المشتركة The Common Monetary Area (CMA) في جنوب إفريقيا التي تستخدم عملة دولة جنوب إفريقيا، الراند، كعملة تداول في كل من سويتو وسوازيلاند وناميبيا (Grandes 2003).

كما يمكن أن يقوم الاتحاد النقدي باتفاق مجموعة من الدول على مثبت مشترك لعملاتها، الدولار الأمريكي على سبيل المثال، بحيث تكون أسعار صرفها أمام المثبت المشترك غير قابلة للتغيير ما يضمن ثبات سعر صرفها البيني ويُكفل لتلك العملات حرية التحويل والحركة والتداول في دول الاتحاد دون قيود أو تكاليف إضافية، مثال ذلك الوضع الذي كان قائماً بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ عام 2003 حتى أيار (مايو) 2007 عندما قررت الكويت إعادة ربط الدينار الكويتي بسلة عملات بدلاً من ربطه بالدولار كغيرها من دول المجلس.

وهناك الصيغة القوية للاتحاد النقدي، المتمثلة في قيام مجموعة من الدول بإلغاء عملاتها الوطنية وتبني عملة مشتركة واحدة Single Currency، مثال ذلك الاتحاد النقدي بين دول الاتحاد الأوروبي المنضمة إلى منطقة اليورو.

منطقة العملة المثلى

يوصف إقليم معين بأنه منطقة عملة مثلى Optimal Currency Area (OCA) إذا كان بالإمكان تحقيق كفاءة اقتصادية أعلى من خلال تشارك كامل الإقليم في عملة واحدة. أو هو «الإقليم الذي يكون فيه تكاليف التخلي عن أسعار الصرف كأداة للتكييف أقل بكثير من المنافع المتحققة من تبني عملة موحدة أو نظام سعر صرف ثابت» (Ricci 2008).

ويتحقق ذلك عندما تتصف الدول الراغبة في إصدار عملة موحدة بعدد من الخصائص ولا يكون أي من تلك الدول مصرة على ممارسة حقها في طباعة النقد ذاتياً أو أن تكون لها سياسة نقدية مستقلة. وتعود الريادة في وضع نظرية منطقة العملة المثلى لروبرت مونديل (MUNDELL 1961)، تلته أعمال رائدة أخرى يأتي على رأسها ما قام به رونلد ميكنون (McKinnon 1963) وبيتر كينن (Kenen 1969).

ويوصف إقليم معين بأنه يمتلك الخصائص اللازمة لقيام منطقة عملة مثلى إذا تحققت المعايير التالية:

1- معيار مرونة حركة عوامل الإنتاج أو معيار مونديل Mundell Criterion: أن يتصف الإقليم بمرونة كبيرة في حركة عوامل الإنتاج بين أجزائه المختلفة مع قدرة أقل لهذه العوامل للتحرك خارج الإقليم، فحركة عوامل الإنتاج من قطر إلى آخر تضمن استعادة التوازن في الإنتاجية والعوائد على مستوى الإقليم، ما يغني عن الحاجة إلى تغيير أسعار الصرف للتعامل مع الصدمات غير المتماثلة asymmetric shocks التي تتعرض لها دول الاتحاد، الذي سيكون ضروريا في حال عدم اتصاف حركة عوامل الإنتاج بالمرونة الكاملة على مستوى الإقليم (MUNDELL 1961).

2 - معيار التبادل التجاري أو معيار ميكنون McKinnon Criterion: أن الاقتصادات المفتوحة التي تمتاز بارتفاع معدلات التبادل التجاري فيما بينها تمثل منطقة عملة مثلى، ففي مثل هذه الحالة فإن مرونة أسعار الصرف لن تكون مجدية عندما يتم تبادل معظم السلع تجارياً traded goods بين دول الاتحاد، فتغيرات أسعار الصرف في هذه الحالة ستنعكس مباشرة على أسعار السلع محلياً من خلال ارتفاع معدلات التضخم، ما يحد من جدوى مرونة أسعار الصرف كوسيلة يمكن اللجوء إليها لتعزيز القدرة التنافسية، كما يحد من جدوى اتباع سياسة نقدية مستقلة باعتبار أن دول الإقليم تواجه صدمات ودورات اقتصادية متماثلة symmetric shocks and business cycles، من ثم فإن الدول التي تمتاز بارتفاع معدلات التبادل التجاري فيما بينها تفقد أي فائدة كان يمكن أن تجنيها من مرونة أسعار الصرف, وبالتالي فهي تمثل منطقة عملة مثلى (McKinnon 1963)
.
3 - معيار تنوع الإنتاج والصادرات أو معيار كينن Kenen Criterion: بقدر ما تكون اقتصادات دول الإقليم متنوعة Diversified بقدر ما تكون الصدمات التي تواجهها متماثلة، ما يحد من أهمية الصدمات غير المتماثلة التي عادة ما تحتاج معالجتها إلى تغيرات في أسعار الصرف التي ستصبح في هذه الحالة غير ضرورية في ظل محدودية أهمية الصدمات غير المتماثلة (Kenen 1969).

تكاليف الاتحادات النقدية ومنافعها

في هذا الجزء سنستعرض تكاليف ومنافع الاتحادات النقدية القائمة على عملة موحدة في مقابل الاستقلال التام للسياسات النقدية والمالية التي ستكون مكفولة في حال الإبقاء على العملة الوطنية وعدم الانضمام إلى اتحاد نقدي يقوم على إصدار عملة موحدة.

التكاليف

هناك عدد من التكاليف المرتبطة بعضوية اتحاد نقدي قائم على عملة موحدة أبرزها التالية:

1- تحد الوحدة النقدية من قدرة دول الاتحاد على تحقيق الاستقرار الاقتصادي ومن قدرتها على التكيف adjustment مع الصدمات من خلال تعديل أسعار الصرف، وهذه التكلفة تصبح أكبر كلما كانت الصدمات التي تتعرض لها دول الاتحاد غير متماثلة asymmetric shocks ولم تكن هناك آليات أخرى متاحة للتكيف تغني عن مرونة أسعار الصرف، كأن تكون هناك مرونة عالية في الأسعار والأجور وانتقال عوامل الإنتاج بين دول الاتحاد، فبدونها ستزداد الحاجة إلى مرونة أسعار الصرف كأداة للتكيف مع الصدمات ما سيزيد من تكلفة الاتحاد النقدي على الدول التي قد تتعرض لصدمات غير متماثلة أو يكون تأثرها من صدمات متماثلة أكثر من غيرها من دول الاتحاد (Ricci 2008), الأمر الذي يهدد استقرار العملة الموحدة ويضعف الثقة بها، كون بعض الدول الأعضاء ترى من مصلحتها تبني سياسات اقتصادية مختلفة عن تلك التي تفرضها عليها عضوية الاتحاد النقدي، والتراجع الذي تعرض له سعر صرف اليورو أمام الدولار والتفاوت في معدلات الفائدة على السندات الحكومية في دول منطقة اليورو بعد تفاقم أزمة المال العالمية يؤكد أن العملات الموحدة يمكن أن تتعرض لضغوط هائلة في أوقات التراجع الاقتصادي الحاد (Feldstein 2008).

2 ـ تفرض معايير التقارب Convergence criteria التي يلزم استيفاؤها للتأهل لعضوية الاتحاد النقدي قيوداً تتعلق بعجز الميزانية والدين العام وأسعار الفائدة ومعدلات التضخم، هذا إضافة إلى المعايير التي يجب على الدول الأعضاء استمرار الالتزام بها بعد انضمامها إلى الوحدة النقدية ضماناً لاستقرار العملة الموحدة، كميثاق الاستقرار والنمو الأوروبي The Stability and Growth Pact الذي يلزم دول منطقة اليورو بعدم تجاوز عجز الميزانية السنوي 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وألا يتجاوز الدين العام 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

هذه المعايير تحد من قدرة الدول الأعضاء على التكيف من خلال السياسات المالية، كما تضع قيوداً على قدرة الدول الأعضاء على استخدام أدوات تقليدية مهمة لتمويل الإنفاق الحكومي كطباعة النقد وتمويل الإنفاق من خلال الاقتراض، في الوقت نفسه الذي تفرض فيه الوحدة النقدية على الدول الأعضاء سياسة نقدية مشتركة لا تتيح أي مجال لتنفيذ سياسة نقدية مستقلة.

3 ــ رغم أن درجة الانفتاح الاقتصادي وارتفاع معدلات التبادل التجاري بين دول الاتحاد تحد من جدوى تغيرات أسعار الصرف كأداة للتكيف، إلا أنها أيضا تزيد من انكشاف اقتصادات دول الاتحاد على الصدمات الخارجية ما يزيد من حاجتها إلى امتلاك أدوات للتكيف، ما يجعل تكلفة الاتحاد النقدي تزيد مع انفتاح الاقتصاد بدلاً من أن تقل كما يمليها معيار ميكنون (Ricci 2008)
.
4 ــ أن معدل التضخم الذي قد يكون مناسباً في بلد ما قد لا يكون مناسباً في بلد آخر، بسبب اختلاف هيكلية منحنى فيلبز Phillips Curve أو بعبارة أخرى اختلاف معدل العلاقة العكسية بين التضخم والبطالة من بلد لآخر، أو بسبب التفاوت في أهمية التضخم كأداة ضريبية نتيجة تفاوت نسبة مساهمة الأنشطة الخفية أو التي من غير الممكن فرض ضريبة عليها في مجمل النشاط الاقتصادي، فعندما يكون نصيب هذه الأنشطة مرتفعاً في إحدى دول الاتحاد فإن معدل التضخم المناسب لها سيكون أعلى، باعتبار أن التضخم هو الأداة الأكثر كفاءة للتحصيل الضريبي من مثل هذه الأنشطة، ما يعني أن قيود معدلات التضخم قد تتسبب في زيادة تكلفة الاتحاد النقدي بالنسبة لبعض الدول الأعضاء (Ricci 2008).

5- إن حدوث صدمات غير متزامنة في ظل غياب القدرة على تغيير أسعار الصرف في البلدان المتضررة يجعل من الضروري وجود نظام لتحويل الدخل Income Transfer من دول الاتحاد الأقل تضرراً إلى الدول الأشد تضررا، وفي حال إحجام الدول الأقل تضرراً عن القيام بذلك، ستزيد تكلفة الاتحاد النقدي على الدول المتضررة نتيجة تقييد قدرتها على التكيف مع الصدمات التي لا يكون لها تأثير متماثل في دول الاتحاد (Zika 2005/2006)
.
6 - تحقيق دول الاتحاد معدلات نمو اقتصادي متفاوتة يترتب عليه بالضرورة تباين في معدلات نمو تبادلها التجاري, وبالتالي على موازين مدفوعاتها، الأمر الذي سيزيد من حاجتها إلى أدوات للتكيف, والتي لن يكون من بينها تعديل سعر الصرف بسبب عضويتها في الاتحاد النقدي، الأمر الذي يزيد من تكلفة الاتحاد النقدي عليها مع مرور الوقت (Grabner 2003)
.
7- إنه مع مضي الزمن، فإن الاتحادات النقدية تؤدي بالضرورة إلى التخصص في الإنتاج في دول الاتحاد وفق ما تمتلكه كل دولة من ميز نسبية، بالتالي قد تفقد خاصية التنوع في الإنتاج والصادرات، ما يعني أن الاتحادات النقدية قد تصبح مع مرور الزمن سبباً في حدوث صدمات غير متماثلة في الدول الأعضاء بدلاً من أن تكون سبباً في الحد منها كما يفترض معيار كينن (Krugman 1993).

المنافع

1- إن أبرز المنافع المتحققة من عضوية الاتحادات النقدية تتمثل في تخفيض تكلفة المعاملات transaction costs نتيجة التحول من عملة وطنية ذات استخدام محدود كوسيلة تبادل ووحدة قياس إلى عملة موحدة تستخدم على نطاق أوسع، وما يترتب على ذلك من تخلص من التكاليف المرتبطة بجمع معلومات أسعار الصرف وتنفيذ عمليات التحويل بين العملات، والحد من حالة عدم اليقين حول الأسعار price uncertainty، وتحسن في كفاءة التسعير نتيجة الحد من تشوهات الأسعار الناجمة عن تكلفة التحويل، وما ينتج عن ذلك من شفافية في الأسعار price transparency (Zika 2005/2006).

إلا أن قيمة وأهمية هذه المنافع التي يمكن تحقيقها من عضوية الاتحاد النقدي ترتبط بشكل مباشر بمعدل المقايضة trade off في كل دولة بين الكفاءة المتحققة على مستوى الاقتصاد الجزئي نتيجة تبني العملة الموحدة وبين ما يتم فقده من مرونة على المستوى الاقتصادي الكلي نتيجة عدم القدرة على استخدام تغيرات أسعار الصرف كأداة للتكيف مع الصدمات، وبشكل عام ستكون هذه المنافع أكبر للدولة العضو كلما ارتفع نصيب تبادلها التجاري مع دول الاتحاد الأخرى من إجمالي تبادلها التجاري (Coleman 1999).

2 - قيام الاتحاد النقدي ينهي إمكانية اللجوء إلى استخدام تخفيض أسعار الصرف لتعزيز القدرة التنافسية أو ما يسمى سياسةbeggar-thy-neighbor ، فالدول التي يرتفع تبادلها التجاري البيني وتخشى من دخولها في دوامة تخفيض تنافسي في أسعار الصرف يمكنها تفادي ذلك بإقامة اتحاد نقدي يثبت أسعار صرف عملاتها بينياً أو بإصدارها عملة موحدة.

3 - أنه يتوقع أن تكون العملة الموحدة في موقف أقوى في مواجهة هجوم المضاربين، كما أن الاحتياطيات التي يجب على البنك المركزي الموحد الاحتفاظ بها ستكون على الأرجح أقل من إجمالي الاحتياطيات التي ستضطر البنوك المركزية كل على حدة الاحتفاظ بها لضمان استقرار عملاتها الوطنية المستقلة.

4 - تشجع الاتحادات النقدية على نمو الاستثمارات بين الدول الأعضاء مع تلاشي فرص فشل تلك الاستثمارات بسبب تغيرات غير متوقعة يمكن أن تحدث في أسعار الصرف.

مدى انطباق معايير منطقة العملة المثلى على دول المجلس

ترتبط جدوى قيام عملة خليجية موحدة بشكل مباشر بمدى انطباق معايير منطقة العملة المثلى على إقليم مجلس التعاون، لأن المقايضة trade off بين تكاليف ومنافع الوحدة النقدية تصبح أكثر ميلاً لمصلحة المنافع كلما كان استيفاء منطقة الاتحاد النقدي لتلك المعايير أكبر:

1 - تزامن الدورات الاقتصادية: توصل كوري وديف (Coury 2008) من خلال تحليل معدلات التضخم وبيانات مكونات الدورات الاقتصادية للناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون الخليجي إلى أن هناك تزامناً محدوداً للدورات الاقتصادية في دول مجلس التعاون، وانتهوا بالتالي إلى أن هناك مبرراً اقتصادياً محدوداً لقيام وحدة نقدية خليجية، ورأوا أن ما يبدو من أمثلة بدت لاحقاً ex-post optimality حققها الاتحاد النقدي الأوروبي European Monetary Union (EMU) من إقامة الوحدة النقدية يجب ألا تكون مبرراً أو حجة أولية prima facie لتسريع التكامل النقدي في دول مجلس التعاون.

إلا أنني أرى أن النتائج التي توصلوا إليها بشأن عدم تزامن الدورات الاقتصادية في دول المجلس لا يمكن التسليم بها لتعارضها التام مع كون اقتصادات هذه الدول تعتمد بشكل كبير على منتج وحيد وهو النفط، وأن أداء اقتصاداتها تتأثر بقوة وبشكل مباشر ومتزامن بالتطورات التي تشهدها سوق النفط العالمية، كما أن تفاوت معدلات التضخم في دول المجلس لا تعكس عدم تزامن في الدورات الاقتصادية وإنما تعكس في الغالب اختلافاً في معدلات النمو الاقتصادي وفي القدرة الاستيعابية لاقتصادات دول المجلس.

ومع كل ذلك، وحتى لو سلمنا بوجود تزامن في الدورات الاقتصادية في دول المجلس فإن هذا التزامن محدود الأهمية عندما يتعلق الأمر بجدوى قيام وحدة نقدية، باعتبار أن هذا التزامن ناتج فقط عن كونها جميعاً متلقية لصدمات خارجية متماثلة symmetric foreign shocks تبعاً للتذبذبات التي تشهدها سوق النفط العالمية، وليس بسبب تنوع اقتصاداتها وارتباطها المتبادل نتيجة ارتفاع معدلات تبادلها التجاري كما تفترض نظرية منطقة العملة المثلى.

#2#

2- تنوع الاقتصاد: وفق معيار كينن لمنطقة العملة المثلى، فإنه كلما كان هناك تنوع أكبر في الصادرات والإنتاج، كانت الصدمات غير المتماثلة ومرونة أسعار الصرف أقل أهمية. وكما يتضح في الجدول رقم (1) فإنه في عام 2007 بلغ نصيب الصادرات النفطية من إجمالي صادرات دول مجلس التعاون نسبة مرتفعة جداً وصلت إلى 75.7 في المائة من إجمالي الصادرات، وترتفع هذه النسبة في بعض دول المجلس إلى أكثر من ذلك، حيث وصلت في المملكة على سبيل المثال إلى 85 في المائة من إجمالي صادراتها، كما شكلت الإيرادات النفطية 79 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية لدول المجلس، وبلغت هذه النسبة في المملكة إلى 87.5 في المائة.

كذلك فإن نصيب القطاع النفطي من إجمالي الناتج المحلي لدول المجلس مرتفع جداً حيث وصلت نسبة مساهمته في عام 2007 إلى 53.7 في المائة، ورغم الارتفاع الشديد في هذه النسبة إلا أنها في الواقع لا تعكس كامل تأثير ومساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي، فالقطاعان الحكومي والخاص يرتبط أداؤهما بشكل مباشر بأداء القطاع النفطي، ما يجعل لهذا القطاع تأثيرا أكبر بكثير من التأثير الذي يمكن قياسه من خلال مجرد النظر إلى نسبة مساهمته المباشرة في الناتج المحلي الإجمالي. بالتالي فإن إقليم مجلس التعاون لا يستوفي معيار كينن لمنطقة العملة المثلى، لافتقار اقتصاداته إلى أي مستوى مقبول من التنوع الاقتصادي، بسبب المساهمة العالية جداً لمنتج وحيد هو النفط في إنتاج وصادرات دول المجلس.

#3#

3- معيار التبادل التجاري البيني: وفق معيار ميكنون: فإن الاقتصادات المفتوحة التي يكون حجم التبادل التجاري مرتفعاً فيما بينها تمثل منطقة عملة مثلى، باعتبار أن ذلك يملي مرونة في الأجور والأسعار تغني عن تغيرات أسعار الصرف. الجدول رقم (2) يظهر أن صادرات دول المجلس البينية من السلع ذات المنشأ الوطني، التي تمثل إجمالي التبادل التجاري البيني(1)، لم تتجاوز 4.1 في المائة من إجمالي التبادل التجاري لدول المجلس في عام 2005، وهو معدل متدن جداً يجعل الشركاء التجاريين الرئيسين لمعظم دول المجلس دولا غير أعضاء في المجلس، وهذا التدني في نسبة التبادل التجاري البيني يحد من المنافع التي يمكن أن تجنيها دول المجلس من إقامة وحدة نقدية، بحيث يمكن القول وفقاً لمعيار ميكنون إن قيام وحدة نقدية بين إحدى دول المجلس وبعض شركائها التجاريين الرئيسيين قد تكون مبررة ومجدية أكثر من دخولها في وحدة نقدية مع بقية دول المجلس.

4 - مرونة انتقال عوامل الإنتاج: وفق معيار مونديل فإن توافر مرونة كبيرة في حركة عوامل الإنتاج تغني عن الحاجة إلى تكيف آخر للتعامل مع الصدمات غير المتماثلة، فانتقال عوامل الإنتاج إلى المناطق الأكثر دخلاً وإنتاجية يسمح باستعادة التوازن على مستوى منطقة العملة.

وإذا أخذنا في الاعتبار أن معظم الأيدي العاملة في دول المجلس عمالة أجنبية توجد قيودا على حركتها حتى من كفيل إلى آخر داخل القطر الواحد، فإن مما لا شك فيه أن مرونة حركتها من قطر إلى آخر متدنية جدا، وإذا أخذنا في الاعتبار أيضا أن معظم الطلب على اليد العاملة محصور في الغالب في مهارات وأعمال ذات طبيعة لا تناسب مواطني دول المجلس يلزم تأمينها من بلدان أخرى، فإن كل ذلك يملي تدنيا في مرونة حركة عوامل الإنتاج داخل الإقليم ومرونة عالية في حركة عوامل الإنتاج من الخارج، في حين أن معيار مونديل يشترط مرونة عالية في حركة عوامل الإنتاج بين أجزاء منطقة العملة وتدن في مرونة حركتها خارجيا.

مدى جدوى مشروع العملة الخليجية الموحدة

يظهر مما سبق أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تنطبق عليها أي من معايير منطقة العملة المثلى، ما يعني محدودية جدوى قيام أي شكل من أشكال الاتحاد النقدي فيما بينها، الأمر الذي يملي بالضرورة محدودية منافع وارتفاع تكاليف انتقالها من اتحاد نقدي قائم على مثبت مشترك إلى اتحاد نقدي يقوم على عملة موحدة الذي يمكن تفصيله في النقاط التالية:

1- إن هناك تركيزاً على مدى استيفاء دول مجلس التعاون معايير التقارب الاقتصادي المتمثلة في المعايير الستة التالية (سلطة مركز دبي المالي العالمي 2008):

أ - ألا تتجاوز معدلات التضخم في أي من الدول الأعضاء 2 في المائة فوق متوسط معدلات التضخم المرجحة في دول المجلس.

ب - ألا تتجاوز أسعار الفائدة قصيرة الأجل 2 في المائة في المائة فوق متوسط أدنى ثلاثة معدلات.

ج - أن يغطي احتياطي النقد الأجنبي واردات البضائع لأربعة أشهر على الأقل.

د - ألا يتجاوز عجز الميزانية السنوية 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.

هـ -ألا تتجاوز نسبة الدين العام 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للحكومة العامة، و70 في المائة للحكومة المركزية.

و- أن تحافظ عملات دول الخليج على سعر صرف ثابت مقابل الدولار الأمريكي.

في حين أن هذه المعايير لا تعدو كونها متطلبات يجب استيفاؤها من قبل دولة بعينها لتكون مؤهلة للانضمام إلى منطقة العملة الموحدة، لكنها لا تعطي أي مؤشر حول إذا ما كانت هذه الدول كمجموعة مؤهلة أصلاً لتقوم بينها وحدة نقدية، فتأهل مجموعة من الدول لأن تصبح منطقة عملة موحدة منافعها تفوق تكاليفها مرتبط باستيفائها معايير منطقة العملة المثلى وليس استيفاء كل دولة على حدة معايير التقارب الاقتصادي.

2- إن استيفاء دول المجلس معايير التقارب الاقتصادي، كمعيار العجز أو الدين العام أو احتياطيات النقد الأجنبي أو غيرها، ليس ناتجاً عن جهود قامت بها هذه الدول بهدف استيفاء متطلبات الانضمام إلى العملة الموحدة، ولا يعكس التزاماً حقيقياً من قبلها بمعايير تلك العملة، وهو فقط نتيجة طبيعية لارتفاع أسعار النفط الخام في السوق العالمية، ما يجعل هذه المعايير في الواقع غير وثيقة الصلة limited relevance بموضوع الوحدة النقدية الخليجية، كونها تضع حدوداً عليا للعجز والاحتياطيات في دول تتمتع بفوائض مالية كبيرة ما يحد من قيمتها الحقيقية Dubai International Financial Centre 2008.

يدل على ذلك انتقال دول المجلس من مشكلة عدم استيفاء معيار معين إلى عدم استيفاء معيار آخر مختلف، على سبيل المثال في عام 2008 كانت المشكلة عدم استيفاء قطر والإمارات معيار التضخم، بينما في عام 2009 قد تصبح المشكلة عدم استيفاء بعض دول المجلس لنسبة عجز الميزانية، وفي الحالتين، لم يكن ذلك ناتجاً عن تقصير أو جهد قامت به الدول غير الملتزمة أو الدول الملتزمة، وإنما ناتج فقط عن انعكاسات متفاوتة لتطورات السوق النفطية على اقتصادات دول المجلس.

3 - إن معظم المنافع التي يمكن تحقيقها من اتحاد نقدي قائم على عملة موحدة يمكن تحقيقها من اتحاد نقدي قائم على مثبت مشترك، في حين أن معظم تكاليف الاتحادات النقدية مرتبطة فقط بالاتحاد النقدي القائم على عملة موحدة (السلطان 2006).

على سبيل المثال فإن أحد أهم تكاليف الاتحادات النقدية ما يترتب عليها من حد في قدرة الدول الأعضاء على تنفيذ سياسات مالية مستقلة كونها ملزمة بالتقيد بمعايير الاستقرار النقدي للعملة التي تضع حدوداً لعجز الميزانية والدين العام، بينما لا يكون هذا التقييد موجوداً في الاتحاد النقدي القائم على مثبت مشترك, فكل ما هو مطلوب من الدولة العضو أن تكون قادرة على الدفاع عن سعر عملتها عند سعر الصرف المتفق عليه بين دول الاتحاد فقط.

أيضاً عندما تتعرض إحدى دول الاتحاد لصدمة غير متماثلة أو كان تأثرها بهذه الصدمة أكبر من غيرها من دول الاتحاد فإنه سيكون لزاماً على الدول الأخرى في الاتحاد أن تقوم بمساعدتها وإن لم تقم بذلك فسيكون استقرار العملة الموحدة في خطر كبير.

بينما في الاتحاد النقدي القائم على مثبت مشترك، لا يلحق أي ضرر باقتصادات الدول الأخرى نتيجة تعرض إحدى دول الاتحاد لصدمة غير متماثلة، ولا تجد الدول الأخرى في الاتحاد النقدي أنها مضطرة لتحمل تكاليف أخطاء قد تكون ارتكبتها إحدى دول الاتحاد في إدارة اقتصادها.

لذا نجد أن سعر صرف اليورو قد تأثر سلباً بسبب أزمة المال العالمية نتيجة تشكك الأسواق المالية في استعداد الدول الأقل تضرراً كألمانيا وفرنسا لمساعدة الدول الأكثر تضرراً كإسبانيا واليونان والبرتغال، في حين أن دول مجلس التعاون الخليجي لم تتأثر بحدة تعرض اقتصاد الإمارات لأزمة المال العالمية، ولو كانت هناك عملة خليجية موحدة لكان الوضع مختلفا تماما (السلطان، 2009).

4 - أن نظرية منطقة العملة المثلى تستهدف تحديد جدوى قيام مجموعة من الدول بتثبيت سعر صرف عملاتها بينياً سواء كان ذلك من خلال مثبت مشترك أو من خلال عملة موحدة، بينما يكون سعر صرف العملة الموحدة مرناً أمام العملات الأخرى ليسمح بالتكيف مع الصدمات المتماثلة التي تتعرض لها دول الوحدة النقدية.

إلا أن الضغوط المتباينة التي ستتعرض لها العملة الخليجية الموحدة تبعا لتقلبات سوق النفط العالمية وتدفقات النقد الأجنبي إلى دول المجلس تجعل من غير الممكن تعويمها، ففي حال ارتفاع أسعار النفط وزيادة تدفقات النقد الأجنبي سيكون هناك ضغط على سعر صرف العملة الموحدة للارتفاع ويحدث العكس عندما تنخفض أسعار النفط وتتراجع تدفقات النقد الأجنبي، وتعويم العملة الموحدة في مثل هذه الظروف يجعل سعر صرفها عرضة لتقلبات عنيفة تؤثر سلباً في استقرار النشاط الاقتصادي في دول المجلس، ما يجعل من الضروري استمرار ربطها بالدولار أو بسلة عملات، ما يعني أن سعر صرفها لن يكون أداة تكيف مع الصدمات الخارجية ما يحد من منافع العملة الموحدة ويزيد من تكلفتها على الدول الأعضاء.

5 ــ إن الارتباط المقترح للعملة الموحدة بالدولار يعني أن السياسة النقدية في دول المجلس, خاصة فيما يتعلق بتحديد أسعار الفائدة, لن تكون مرتبطة بالصدمات المتماثلة التي تتعرض لها دول المجلس, إنما بالسياسة النقدية المناسبة للاقتصاد الأمريكي وفقاً للدورات الاقتصادية التي يتعرض لها، التي هي في معظم الأحيان متعارضة تماماً مع الدورات الاقتصادية في دول المجلس, نظراً للتأثير المتعاكس لتغيرات أسعار النفط في اقتصاد كل منهما.

6 ــ إن إقدام بعض دول المجلس على توقيع اتفاقيات تجارة ثنائية منفردة مع دول أخرى في مخالفة صريحة واضحة لكونها عضوا في اتحاد جمركي، يؤكد أنها تجد صعوبة في التنازل عن سيادتها الوطنية في أمر يحمل مكاسب اقتصادية هائلة، باعتبار أن التفاوض بصورة جماعية مع دول العالم والمجموعات الاقتصادية الأخرى بشأن توقيع اتفاقيات تجارة حرة ثنائية يسهم في تقوية الموقف التفاوضي ويُمكِّن من الوصول إلى اتفاقيات أفضل بكثير من أي اتفاقية يمكن أن تصل إليها دولة عضو بصورة منفردة، ما يؤكد صعوبة إقدام دول المجلس على التنازل عن عملاتها الوطنية وتسليم قرارات سياساتها النقدية لسلطة خليجية موحدة، والالتزام بمعايير مقيدة سيكون الاستمرار في الالتزام بها في غاية الصعوبة في حال تغير الظروف الاقتصادية دون أن يتحقق لها أي منافع تبرر ذلك.

7 ــ إن كون عملات دول المجلس مثبتة أمام الدولار أو مثبتة أمام سلة عملات كما هو الحال بالنسبة للدينار الكويتي يجعلها في وضع أفضل من دول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بصيغة الوحدة النقدية المناسبة لها, فالعملات الأوروبية، المارك الألماني والفرانك الفرنسي على سبيل المثال، كانا قبل إصدار العملة الموحدة عملتان عالميتان معومتان لا يمكن ربطهما بمثبت مشترك يضمن ثبات سعر صرفهما البيني والخيار الوحيد المتاح لتحقيق ذلك هو فقط من خلال عملة موحدة.

أما دول مجلس التعاون الخليجي فوضعها مختلف تماما، ومجرد اتفاقها على مثبت مشترك والتزامها بسعر صرف ثابت متعذر التغيير irrevocable exchange rate يتيح لها إنشاء اتحاد نقدي يحقق لها جل ـ إن لم يكن كل ـ منافع العملة الموحدة ويجنبها معظم تكاليفها.

8 ــ إن هناك فروقاً كبيرة بين خطوة إصدار عملة خليجية موحدة وجميع خطوات التكامل الاقتصادي الأخرى التي تم إقرارها حتى الآن، فما سبق إقراره من خطوات حتى إن كانت جدواها الاقتصادية محدودة، باعتبار تدني حجم التبادل التجاري البيني وتماثل القواعد الاقتصادية، إلا أنها على أقل تقدير ليست مضرة ولا تحمل أي تكاليف إضافية على اقتصادات دول المجلس، في المقابل فإن خطوة إصدار عملة خليجية موحدة، قد تكون ليست فقط غير ذات جدوى، وإنما أيضا قد تكون تكاليفها باهظة جدا على اقتصادات دول المجلس.

9 ــ إن ارتفاع حجم التبادل التجاري البيني بين دول الاتحاد الأوروبي يوفر حافزاً لدى هذه الدول لممارسة سياسة تعزيز قدرتها التنافسية من خلال تخفيض أسعار صرف عملاتها beggar-thy-neighbor، وتبنيها عملة موحدة يعطي ضمانة بعدم إمكانية حدوث ذلك، أما بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي فإن الانخفاض الحاد في تبادلها التجاري البيني يعني أن لا حافز لدى دول المجلس لتغيير أسعار صرف عملاتها بهدف تحقيق ميزة تنافسية مقابل دول المجلس الأخرى، وبالتالي ليس هناك خطر حدوث تخفيضات متبادلة في أسعار الصرف في دول المجلس Dubai International Financial Centre 2008
.
10- إن كانت العوامل السياسية قد لعبت دوراً رئيساً في دفع عملية الوحدة النقدية الأوروبية فإن هذه العوامل نفسها لا تكفي لدفع مشروع العملة الخليجية، فالفارق الكبير في المنافع والتكاليف الاقتصادية في الحالتين يجعل من غير المناسب محاكاة التجربة الأوروبية أو الاستدلال بما حققته من نجاح ليكون مبرراً إضافياً للتعجيل بإصدار العملة الخليجية الموحدة.

## الخلاصة والتوصيات

1- إن إصدار دول مجلس التعاون الخليجي عملة موحدة خطوة غير مهمة ولا تؤثر كثيراً في مسيرة التكامل الخليجي، فالاتحاد النقدي بين دول المجلس لا يعني بالضرورة إصدارها عملة موحدة، ويمكن أن يقوم هذا الاتحاد بمجرد اتفاق دول المجلس على مثبت مشترك بأسعار صرف متعذر تغييرها، وأن يكون مكفولا لعملاتها الوطنية حرية التحويل والحركة والتداول دون قيد أو شرط ودون تكاليف إضافية، وكل ما تحتاج إليه دول المجلس للوصول إلى ذلك أن تتفق على تثبيت عملاتها أمام الدولار أو أمام سلة عملات مع التزامها بألا تقوم بتغيير سعر صرف عملتها بصورة منفردة.

2- إن خطوة إصدار عملة موحدة مختلفة جذرياً عن خطوات التكامل الاقتصادي السابقة كون تكاليفها تفوق كثيراً منافعها باعتبار أن دول المجلس لا تمثل منطقة عملة مثلى ولا تستوفي أياً من معاييرها.

3- إن دول مجلس التعاون الخليجي كانت تتمتع فعلا باتحاد نقدي حتى أيار (مايو) 2007، أي حتى قيام الكويت بإعادة ربط الدينار الكويتي بسلة عملات بدلاً من ربطه بالدولار كغيرها من دول المجلس، ويمكن أن يتحقق هذا الاتحاد النقدي من جديد من خلال اتفاق دول المجلس مرة أخرى على مثبت مشترك.

4 ـ إن عدم اكتفاء دول المجلس بهذا الخيار العملي سهل التطبيق والأكثر مناسبة لواقعها الاقتصادي وتبنيها للخيار الأصعب الذي يتطلب التزامها بمعايير يتعذر التقيد بها مع تغير الظروف الاقتصادية ويتسبب في إضعاف قدرة دول المجلس على إدارة اقتصاداتها بما يخدم مصالحها الحقيقية, أمر غير مبرر, خاصة في ظل محدودية, بل حتى غياب المنافع الاقتصادية من ذلك.

5- إنه بدلاً من هدر كل هذه الجهود لإصدار عملة موحدة في منطقة تفتقر إلى أدنى معايير منطقة العملة المثلى، فإن الأولى التركيز على استيفاء مراحل التكامل الاقتصادي الأدنى، منطقة التجارة الحرة، الاتحاد الجمركي، والسوق المشتركة، التي ما زالت تواجهها الكثير من العقبات التي تعوق تطبيقها بشكل فاعل وكفء، الأمر الذي سيخدم اقتصادات دول المجلس ويزيد من قوة ومتانة تكاملها الاقتصادي، باعتبار أنها خطوات لا تمثل تكاليف إضافية على اقتصاداتها ومنافعها تنمو وتزداد بشكل مستمر مع مرور الوقت.

6 ـ إن عدم وضوح الرؤية حول مستقبل العملة الموحدة يؤثر سلباً في الاستقرار الاقتصادي والبيئة الاستثمارية في دول المجلس ويحد من قدرة السلطات النقدية والمالية في دول المجلس على إجراء إصلاحات قد تكون مطلوبة بإلحاح وضرورية يتم تأجيلها تحسباً لإصدار العملة الموحدة، ما ينعكس سلبا على كفاءة أداء السياسات الاقتصادية في دول المجلس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي