المتطوعون .. بين بكين ومكة

في عام 2006 شكلت الحكومة الصينية لجنة خاصة لاستقطاب متطوعين من أنحاء العالم للمشاركة في إدارة وتنظيم ألعاب الأولمبياد عام 2008. ظهرت الأولمبياد أمام الناس بمستوى راق في التنظيم واندهش الكثير عندما علموا أن خلف كثير من هذا النجاح أكثر من 70 ألف متطوع من أنحاء العالم شاركوا في هذه المناسبة الكبيرة وقاموا بأعمال رئيسة خلالها.
إن تاريخ المتطوعين في المشاركة في تنظيم الأولمبياد قديم وعريق، ويقال إن لندن هي أول من أشرك المتطوعين في تنظيم أولمبياد عام 1948 بشكل رسمي، وهي التي تستعد الآن لاستقطاب أكثر من 70 ألف متطوع لأولمبياد 2012. وبين هذين العامين تسابقت الدول المضيفة على إظهار قدرتها على استثمار المتطوعين في الأولمبياد.
هنا في مكة المكرمة حدث سنوي لا يقل في حشوده ولا في عالميته عن الأولمبياد وهو مع أنه أشرف وأعظم منها إلا أنه يشترك معها في كثير من العوامل. فكلا المناسبتين تجمع بشري ضخم محصور في أوقات وأماكن محددة و معروفة مسبقاً ثم انصراف مباشر بعد المناسبة والعودة إلى الوضع الطبيعي السابق وكلاهما يتطلبان جهودا جبارة من المنظمين. إن هذه العوامل تعتبر ظروفاً مناسبة جداً لاستقطاب المتطوعين واستثمار مجهوداتهم بما يعود عليهم وعلى الجهات المنظمة ليس بتوفير المال فقط بل حتى في الرقي بمستوى الخدمات المقدمة. وكما أثبت المتطوعون قدرتهم على إنجاح مناسبة عالمية كالأولمبياد منذ عام 1948، فإنهم بلا شك قادرون على المساهمة الفاعلة في إنجاح موسم الحج.
لا شك أن للكشافة السعودية دورا رائعا في ترجمة دور المتطوع أثناء الحج، حيث يستعد أكثر من ثلاثة آلاف شاب وشابة للمساهمة في أعمال تطوعية خلال موسم هذا العام، إلا أن الفرصة المتاحة للتطوع في الحج أكبر بكثير من هذا العدد والرغبة الكامنة في نفوس أفراد المجتمع أكبر من حصر التطوع على أعضاء جمعية واحدة، ولا يوجد في الحقيقة موانع من استنساخ تجربة منظمي الأولمبياد لاستقطاب واستثمار المتطوعين من داخل المملكة العربية السعودية وخارجها للمساهمة في جعل الحج أكثر راحة والتجربة أكثر روعة لحجاج بيت الله والتخفيف على أجهزة الدولة وخزانتها والمساهمة في تحسين صورة المملكة العالمية.
عندما نفذت الصين برامج تسويقية لاستقطاب 70 ألفاً من المتطوعين أبدى ما لا يقل عن 230 شخصا استعدادهم للتطوع، وأكاد أجزم أنه لو قامت وزارة الحج بحملات تسويقية لاستقطاب المتطوعين للمساهمة في تنظيم الحج فإن الملايين سيبدون استعدادهم للتطوع في خدمة ضيوف الرحمن!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي