رجال المصارف .. البدايات

عبر العصور كانت الحاجة هي التي خلقت الاختراعات، وحتى النقود لم تكن استثناء من تلك الاختراعات. سابقا, كان الناس يتركون مقتنايتهم من المعادن الثمينة كوديعة تحفظ في خزائن صائغي الذهب, ويتسلمون إيصالا بذلك. وما دام الصائغ جديرا بالثقة فإن إيصاله بجودة المعدن النفيس الذي يمثله نفسها والموجود في قبوه.
كما درج استخدام الإيصالات باعتبار أن حملها والتحرك بها أسهل من حمل مجوهراتهم، لكن بمجرد أن صارت الأوراق النقدية قابلة للتداول بموجب القانون 1704 في بريطانيا، انتمت الأوراق إلى حاملها بالكامل وقت استحقاقها, وأصبحت الأوراق النقدية مالا، لكن إقراض الصاغة للمال كان شائعا منذ أمد بعيد, ولكن ومع تزايد السكان وتوسيع رقعة المدن والحاجة إلى مزيد من الضمانات لحفظ الحقوق, تم اللجوء لإصدار الإيصالات, بدلا من إعطاء المقترض المعدن نفسه. لكن طمعا بمزيد من الأرباح شرع المقرضون في إصدار عدد إيصالات أكثر مما هو موجود في أقبيتهم من المعدن النفيس لتغطيته. وطالما أن الصائغ يتمتع بسمعة طيبة فلا توجد مشكلة في هذا المسلك لأنه من غير المرجح أن كل من يحمل إيصالات سيحاول استعادتها في الوقت نفسه. وبإصدار الصائغين إيصالات أكثر من الذهب الذي يغطيها فإن الصائغين عند تلك النقطة, أصبحوا رجال بنوك يخلقون المال من الهواء.
كما كانت القروض تمنح بضمان إضافي للأشياء ذات القيمة مثل الأراضي والمباني وإذا عجز المقترض عن السداد يستولي المقرض على ما يمثل الضمان ويبيعه ويدفع لنفسه قيمة القرض أي أنه يحول الأصول الثابتة إلى أصول حية بمعنى رأسمال سائل يمكن استثماره في أصول جديدة. لكن أغلبية الأصول والمعادن الموجودة داخل الأقبية هي ملكيات تخص من يقترض المال أو المستدين وليس المقرض. وتلك الملكيات المرهونة كانت رأسمال البنك. ولذلك فإن أغلى أصل يمكن لرجل البنوك أن يحوزه هو سمعته في الحفاظ على بنك سليم، حيث إن أكبر التحديات التي تواجهه, أن يضطر لإثبات أنه جدير بالائتمان فهو حينها يكون ببساطة قد خسر ائتمانه. وذلك عندما يقرر كل الناس استرجاع إيصالاتهم، حيث إنه يستحيل لرجل البنوك أن يستعيد قروضه بالسرعة الكافية لسد فيض الطلب على المعدن النفيس الذي تمثله الإيصالات. وسيجبر على التوقف عن العمل وحينما يجري تسوية كل المتعلقات سيكون من المرجح مفلسا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي