أي شيء في العيد أهدي إليك .. يا وطني

عندما جلست لكتابة مقال هذا الأسبوع تذكرت أن موعد نشره سيصادف اليوم الذي يسبق عيد الأضحى المبارك. قررت حينها أن يكون مقال هذا الأسبوع مختلفا عن مجمل الخط الذي انتهجته في الكتابة، وأن يكون منصبا على هذه المناسبة السعيدة. تبادرت إلى ذهني حينها قصيدة الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي، والتي مطلعها ''أي شيء في العيد أهدي إليك''. ولمن لا يعرف هذه القصيدة، فهي من أجمل عيون شعر الغزل التي نضحت بها قريحة هذا الشاعر المبدع. وحيث أن مجمل كتاباتي هي لأجل الوطن، الذي هو محل العشق الأكبر، سألت نفسي، أي شيء في العيد أهدي إلى هذا الوطن، وجاءت هذه السطور محاولة الإجابة على هذا السؤال.
ولدت ونشأت وترعرعت في ربوع هذا الوطن، ونهلت من معينه وتعلمت في مدارسه، عشت كل مشاكله وتناقضاته وصراعاته، وعايشت فيه لحظات الغضب والإحباط إلى جانب لحظات الفرح والفخر. كنت دوما وما زلت أسأل نفسي، لماذا لا تكون بلادي أكثر الأمم تقدما، وهي التي رفعت راية خدمة الإسلام ورعاية الحرمين الشريفين، وهي التي حباها الله بثروة نفطية تحسدها عليها الأمم، وهي التي قيض الله لها حكاما كل همهم رفعة شأن هذا الوطن، وهي التي تنعم بثروة بشرية يمكن أن تكون أساسا لتنمية ناجحة ومستدامة. لماذا تعاني بلادي البطالة والغلاء ومعاناة المرأة وفقدان الثقة بين أفراد المجتمع وفئاته، لماذا نعيش معظم أوقات حياتنا نعالج آثارا لمشاكل وعقبات وضعناها بأيدينا، لماذا نشهد كل يوم وفي كل مكان مظاهر سلبية مخلة تكدر العيش وتنشئ الهم والغم. هل هو قصور النية، أم قصور القدرة، أم قصور الإرادة؟. أجزم أنها ليست الأخيرة، فالإرادة موجودة وحاسمة وحازمة للنهوض بالأمة وتحقيق حلم التنمية. أنظر إلى الماضي فأجده زاخرا بتاريخ مشرف وسيرة عطرة زاهرة، وأنظر إلى المستقبل فأجده واعدا مليئا بالأحلام والتطلعات، وأنظر إلى الواقع فأجده مليئا بالإمكانات والفرص. إذن أين الخلل؟. ولماذا أجد هذا التناقض بين هذه الإمكانات والفرص المدعومة بإرادة مخلصة وبين الواقع المليء بالمشاكل والعقبات والإحباطات؟. أوصلني تفكيري إلى أن السبب الرئيس هو نحن، أفراد المجتمع وبناة الوطن. لا بد أن العيب فينا، فنحن إما متخاذلون عن أداء دورنا المطلوب، وإما مصابون بمرض فقدان الثقة والأمل في المستقبل، وإما مفتقدون للإيمان والقناعة بأهمية تضافر جهودنا جميعا لمصلحة الوطن. لا يوجد منا من هو أكثر وطنية أو إخلاصا من الآخرين، ولا يوجد منا من هو أكثر حرصا من الآخرين على مقدرات الوطن وماله العام. إذن فالمشكلة هي في تلك الفرقة التي يعيشها أبناء الوطن. الفرقة التي تغذيها مظاهر القبلية والطبقية واختلاف الجنس واللون والعرق، الفرقة التي تؤدي بكثير منا إلى التشكيك المسبق في كل ما يبدر من أحدنا من رأي أو انتقاد أو مبادرة. ربما يبدو هذا الاستنتاج سطحيا وساذجا لدى كثير من القراء، ولكني أجده أساسا لأية تنمية ناجحة، ولنا في بقية الأمم نماذج تحتذى لتجارب تنموية ناجحة كان أساسها تضافر وتكاتف أبناء المجتمع مهما اختلفت أشكالهم وأعراقهم وأجناسهم وحتى دياناتهم.
إذن، ماذا نهدي إلى الوطن في هذا العيد وكل عيد. ليس المطلوب كثيرا، وهو في ذات الوقت من الأهمية مكان الرأس. كل ما يريده منا الوطن هو التكاتف حوله والإيمان به والثقة ببعضنا البعض. الوطن يا إخوتي هو أنا وأنت وهو وهي، ودون تكاتفنا والتفافنا حول قادتنا لن تقوم لنا قائمة. علينا أن ننبذ كل أسباب الفرقة والشتات، وأن نضع المستقبل نصب أعيننا، وأن نخلص العمل لتحقيق رفعة شأن هذا الوطن. أجزم أننا إن تمكنا من تحقيق ذلك فسنتمكن بالتالي من التعاطي مع كل مشاكلنا برؤية مختلفة. سيقوم كل وزير ومدير ومسؤول بأدوارهم بشكل متكامل ومتضافر يحقق النجاح لكل منهم. وسيعمل كل منا في مصنعه ومزرعته وشركته ومدرسته ليبني لبنات متكاتفة في بناء الوطن، وليس في بنائه الخاص به دون سواه. وستنال المرأة مكانتها كقطاع فاعل في المجتمع، وليس كفئة منبوذة محاطة بالشبهات والمحاذير. وسنعمل جميعا لتحقيق آمالنا وتطلعاتنا عبر تبني رؤية طويلة المدى، عوضا عن السعي اللاهث وراء الربح السريع مهما جر هذا الربح على الآخرين من أضرار وويلات. وسنفكر مليا قبل أن نتخذ أي قرار أو مبادرة أو موقف فيما سيكون لا من آثار على مجمل مسيرة التنمية. صدقوني إنني لا أطلب الكثير، فنحن أهل لهذا الاتحاد المجتمعي المحاط بالثقة، والروابط التي تجمعنا أكثر بكثير وأقوى من كل أسباب الفرقة والشتات. كل ما علينا أن نؤمن بهذا الوطن، ونؤمن بدور كل منا فيه، ويبذل كل منا كل ما يمكنه أن يبذله بإخلاص، لنحقق جميعا حلم المستقبل الزاهر لهذا الوطن.
لن أجد خاتمة لهذا المقال أفضل مما ختم به الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي قصيدته حيث قال، ''ليس عندي شيء أعز من الروح ... وروحي مرهونة بيديك''. وقبله قال شاعر آخر ''بلادي وإن جارت علي عزيزة ... وأهلي وإن ضنوا على كرام''. وقبله أيضا قال شاعر آخر ''تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا ... وإذا افترقن تكسرت آحادا''.
وكل عام وأنتم جميعا بخير، ووطننا خير الأوطان وأعزها بين الأمم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي