التعاقد الإلكتروني وتسارع الخطى نحوه
أصبحت التجارة الإلكترونية حقيقة غير متنازع عليها في حياتنا اليومية، والتعاقد الإلكتروني أصبح مرغوبا فيه بصورة كبيرة، وهذا مرده إلى التطور التقني الذي يتسارع بخطى كبيرة وفي تطور مستمر.
وعلى الرغم من أن المعاملات الإلكترونية، بما فيها التعاقد الإلكتروني، قد تم تقنينها بصدور نظام التعاملات الإلكترونية بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/18 وتاريخ 8/3/1428هـ، إلا أن الكثير من المتعاملين ما زالوا غير مطمئنين للتعامل إلكترونياً، وهذا مرجعه إلى عدم الثقة في التعامل عبر هذه الوسيلة.
معلوم لدى القانونيين أن العقد هو ارتباط الإيجاب الصادر من المتعاقدين بقبول الآخر على وجه يثبت أثره في المعقود عليه ويترتب عليه التزام كل منهما بما وجب عليه للآخر.
فالعقد الإلكتروني هو وسيلة مساعدة للتفاوض وصياغة عقود ناجحة للمستهلك والتجارة الإلكترونية والخدمات ذات الصلة، وتوجد نماذج للعقود الإلكترونية لبيع المنتجات والخدمات.
والعقد الإلكتروني هو اتفاق تتم صياغته والتوقيع عليه إلكترونيا، ويمكن صياغة العقد الإلكتروني بأسلوب مشابه لصياغة العقود عبر الوسيلة المعروفة كالصياغة على الورق، ومثال لذلك عندما تقوم بصياغة عقد على جهاز الكمبيوتر ثم تقوم بإرساله عبر البريد الإلكتروني إلى الشخص الذي ترغب في التعاقد معه، وعندما يقوم هذا الشخص بإرسال هذا العقد مرة أخرى لك وعليه توقيعه الإلكتروني، فهذا يبين أن هناك قبولا للإيجاب من قبله.
والعقد الإلكتروني ممكن أن يتم عن طريق نموذج العقد الذي يتم عبر النقر على زر الموافقة Click to Agree، وبما أن التوقيع التقليدي غير ممكن في التعاقد الإلكتروني، فإن المتعاملين تقنياً يلجأون لعدة وسائل للتدليل على توقيعهم الإلكتروني، مثل طباعة اسم الشخص الموقع في المكان المخصص للتوقيع أو بالضغط على زر (موافق) أو غير هذا من الوسائل.
إن التعاقد الإلكتروني ورد ضمن تعريف التعاملات الإلكترونية والتي عرفت بأنها أي تبادل أو تراسل أو تعاقد أو أي إجراء آخر يبرم أو ينفذ بشكل كلي أو جزئي بوسيلة إلكترونية.
وقد استثنى هذا النظام التعاملات المتعلقة بالأحوال الشخصية مثل الزواج والطلاق وغيرها من مسائل الأحوال الشخصية، كما استثنى النظام التعاملات الخاصة بإصدار الصكوك المتعلقة بالتصرفات الواردة في العقار ما لم يصدر من الجهة المسؤولة عن هذه التعاملات ما يسمح بإجرائها إلكترونيا وفق ضوابط تضعها تلك الجهة بالاتفاق مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات.
بما أن التعبير عن الإرادة يكون باللفظ وبالكتابة وبالإشارة المتداولة وبما يدل على مقصود العاقدين دلالة واضحة من قول أو فعل جرى العرف به أو لم يجر، ونستشف من هذا أن الأصل في التعبير عن الإرادة لا يخضع لشكل معين، فللمتعاقد أن يفصح عن إرادته بالأسلوب الذي يراه مناسباً شريطة أن يكون له مدلول يفهمه الطرف الآخر.
ونظراً لكون العقد الإلكتروني يخضع في إبرامه لهذه القواعد العامة، فهو أيضاً يخضع للأحكام الخاصة به والتي تتوافق مع صفته الإلكترونية وكونه ينعقد عن بعد.
إن العقد الإلكتروني تكاد تنحصر خصوصياته في الأحكام الخاصة بركن الرضى التي يصعب تحققها إلكترونيا، أما ما يخص أحكام ركني السبب والمحل فهي منعدمة بشكل كبير.
إن السؤال الذي يثور في مسألة التعاقد الإلكتروني هو هل يتحقق التراضي إلكترونياً؟ وهل يقترن الإيجاب بالقبول في هذا النوع من التعاقد؟ للإجابة عن هذا التساؤل نجد أن نظام التعاملات الإلكترونية السعودية قد أقرت بهذا الواقع ومن ثم أجاز التعبير عن الإرادة العقدية عبر الوسائل الإلكترونية، حيث نصت المادة العاشرة من النظام على أنه يجوز التعبير عن الإيجاب والقبول في العقود بواسطة التعامل الإلكتروني، ويعد العقد صحيحاً وقابلاً للتنفيذ متى تم وفقاً لأحكام النظام.
إن حجية العقد الإلكتروني يمكن فهمها جيداً في ضوء نظام التعاملات الإلكترونية ولائحته التنفيذية، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة الخامسة من هذا النظام على أنه يكون للتعاملات الإلكترونية حجيتها الملزمة، ولا يجوز نفي صحتها أو قابليتها للتنفيذ ولا منع تنفيذها بسبب أنها تمت كلياً أو جزئياً بشكل إلكتروني بشرط أن تتم التعاملات الإلكترونية بحسب الشروط المنصوص عليها في النظام، والشروط المنصوص عليها في هذا النظام لحجية التعاقد الإلكتروني هي ما بينته المادة التاسعة من النظام، حيث نصت هذه المادة على قبول التعامل الإلكتروني أو التوقيع الإلكتروني دليلاً في الإثبات إذا استوفى المستند الإلكتروني المتطلبات الواردة في المادة الثامنة والمتمثلة في استخدام وسائل وشروط فنية تؤكد سلامة المعلومات الواردة فيه من الوقت الذي أنشئ فيه بشكله النهائي على أنه مستند إلكتروني، وتسمح بعرض المعلومات المطلوب تقديمها.
إن التعاقد الإلكتروني في ظل نظام التعاملات الإلكتروني السعودي يعتبر قرينة في الإثبات حتى وإن لم يستوف المستند الإلكتروني المتطلبات الواردة في النظام، أي فقدان السجل للمتطلبات التي وضعها النظام يجعله درجة أقل في الإثبات أي عدم النظر إليه كحجة ملزمة، وإنما كقرينة معضدة للإثبات.
إذا لقد جوز نظام التعاملات الإلكترونية السعودية التعاقد الإلكتروني وصحته وجعل له حجية تعادل حجية المستند المكتوب خطياً وملزما لأطرافه، ويجعل الطرف المخل بهذا العقد مسؤولاً عن تبعة هذا الإخلال.