مقارنات
من المفيد أحيانا أن نجري مقارنات بين أولويات منظومات الأعمال بين غرب وشرق, ورغم أن علم الاقتصاد لديه من المرونة ما يكفي لإنشاء إحصاءات وبيانات ومؤشرات قياس لكل ما يختص بمنظومة المال والأعمال، لكن إحصاء المسائل النفسية والمعنوية يبقى من الأمور المستعصية على القياس, مثل الشعور بالأمن الوظيفي والاكتئاب عند إجبار أحدهم على ترك عمله. وهنا لا ينفع إلا اللجوء إلى التجارب العملية الموجودة على أرض الواقع. بمعنى آخر إجراء مقارنات بين أولويات منظومات الأعمال بين غرب وشرق. أي بين بلد يهتم بالدرجة الأولى بتكوين النقود مثل أمريكا وبلد يهتم ببناء مجتمع مثل اليابان.
ففي نظام الشركات الأمريكية, هناك أهمية كبيرة للمدير المالي الرئيسي لأنه يعتني برأس المال, ويأتي ترتيبه تاليا للمدير التنفيذي الرئيسي. كما يتفوق دخله بـ 40 في المائة زيادة على دخل مسؤول إدارة شؤون الموظفين. بنيت تلك الأولوية عبر التاريخ الطويل من التركيز على تعظيم أموال مساهمي الشركة أو المؤسسة الرئيسيين, بينما يعامل الموظف كأنه أجير يتم استبداله في أي وقت. وهذا ما يفسر أن مجالس إدارة الشركات تشجع صرف رواتب عالية ومكافآت للتنفيذيين الذين يهتمون بإدارة أموالها. فأجور المديرين ترتفع بـ 118 مرة عن متوسط أجور العمال أو الموظفين. ورغم إخفاقات كثير من المديرين في تحقيق أرباح لشركاتهم ورغم تسبب بعضهم إلى إفلاس أو خسائر، فلم تكن تلك الأمور لتقف في وجه مستحقاتهم المالية الضخمة. فمثلا الرئيس التنفيذي ''تايم ورنر'' لم يتردد مطلقا في أن يصرف لنفسه 78 مليون دولار في اليوم نفسه الذي سرح فيه أكثر من 600 موظف بحجة تراجع الدخل من الإعلانات.
بينما في منظومة العمل اليابانية، الأيدي العاملة أو موظفو الشركة هم من الأصول الاستراتيجية في الشركة، وهذا ما يفسر الدور والمكانة التي يحظى بها مدير إدارة الموارد البشرية المسؤول عن الاهتمام بالأمان الوظيفي للعاملين تحت سقف شركته. طبعا هذا لا يقلل من أهمية المدير التنفيذي ولكن الفروقات اليابانية بين المنصبين ليست بالكبيرة، حيث إن راتب التنفيذيين الرئيسيين لا يتجاوز 18 مرة متوسط أجر العامل في الشركة نفسها. لذلك قلما توجد لدى اليابانيين النزعة للانتقال إلى أمكنة عمل تعطيهم مردوداً أكبر. فالأمور تقاس عندهم بالرضا والارتياح في بيئة العمل باعتبار أن التهديد يكون أقل إلى حد كبير بالفصل من العمل. أي أن منظومة الأعمال اليابانية تسعى لتكون منتجة وتتمتع بسمعة جيدة ولها حصة سوقية كبيرة أي أن تبيع أكبر عدد من المنتجات ذات القيمة المضافة, وتسير ضمن مبدأ أن المكافأة يشترك فيها الجميع. على الضفة الأخرى, المنظومة الأمريكية همها الأول الربح والمكافآت الفردية التي يتمتع بها أفراد محدودون, غالبا ما نراهم يلهثون من مكان لآخر أي عند أدنى إشارة ممن يدفع لهم أكثر.
إذاً المسألة لم تبدأ من الشركة أو المصنع، إنها أقدم من ذلك بكثير إنها ببساطة ثقافة مجتمع, وثقافة شعب الساموراي تتبنى المثل القديم: ''ابحث عن شجرة كبيرة إذا كنت تنشد الظل''.