كلام جرائد
تأخذني المفاجأة من العديد من المشتغلين بالشأن الاقتصادي حول تركيزهم على مصطلح النمو الاقتصادي, كظاهرة مستقلة لا ترتبط بحياة الناس الفعلية. فمثلا هل هناك دراسة إحصائية تبين حاجتنا من كل أنواع الألبسة أو السيارات أو المفروشات التي تنتج حول العالم.
كما يصرون على ضرورة أن تترافق كلمة ''النمو'' مع طائفة من المواصفات مثل: سريع أو متسارع, مرتفع, أو يتكون من خانتين, لكي يطمئن الناس أن الأحوال بخير. لكن من مراقبة الأمثلة الحياتية نرى أن النمو المتسارع أو السريع عادة ما يترافق مع الظاهرة السرطانية وهو الأمر الذي وصفت به كثرة المنتجات والسلع التي تجتاحنا كالخلايا السرطانية دون أن تكون هناك معرفة حقيقية بحاجاتنا الحقيقية لكل ما ينتج تحت سقف المصانع. كما لا يخفى على أحد أن هذا التزايد في تفريخ البضائع يلازمه باستمرار تراجع في الموارد الأولية. وحتى تتسارع وتيرة النمو يجب أن يزداد الاستهلاك ولزيادة ذلك تتبع الشركات مجموعة من الاستراتيجيات منها تنشيط الرغبة في السلعة عبر الدعايات, فتح أسواق تصدير جديدة, إضافة إلى خفض مدة حياة المنتج, ولشرح النقطة الأخيرة لا بد أننا لاحظنا تناقص مدة الصلاحية للأشياء التي نشتريها مقارنة بالسلع نفسها في الـ 20 سنة الماضية, مثل ترقيق الصفائح المعدنية للسيارات والأبنية الحديثة التي تتهالك بصورة أسرع مما كانت عليه بيوت القرون الماضية.
ويترتب على خفض مدة بقاء السلع والأشياء وتيرة متزايدة من الاستهلاك ولا توجد استثناءات لذلك حتى على مستوى الدمى. فسابقا كانت تعمر لعب الأطفال عشرات السنين ويشترك بها أكثر من جيل. هذا الأمر لا يخلو من خطورة عندما يبدأ الصغار في تشكيل ثقافة سرعة التبديل والتخريب وهذه الظاهرة فتحت أعين علماء النفس والاجتماع للتنبيه إلى مدى خطورتها باعتبار أنها تمهد لخلق جيل من الشباب العاجزين عن الاحتفاظ بصداقاتهم أو زواجاتهم فترات طويلة.
أمر آخر لا يخلو من خطورة هو هذا الكم الهائل من النفايات الذي تخلفه ظاهرة التسارع في الإنتاج والاستهلاك.
وبدأ يظهر الكثير من الأعمال التي تحاول التخلص من هذا الكم الهائل من المخلفات.
أيضا يظهر العديد من خبراء الاقتصاد انتقادات للبيانات ويدعون إلى إعادة النظر فيها، حيث إن قوانين الاقتصاد تربط بين العمالة والرفاه ومعدلات النمو المرتفعة بحتمية صارمة. لكن تلك الحتمية لم تمنع من إمكانية إثبات أن النمو قد يؤدي إلى البطالة، حيث إن الكثير من سكان المناطق النائية لا توجد لديهم مفاهيم مثل البطالة أو العمالة. لكن بمجرد أن تبدأ أعمال التنمية, حتى تبدأ قوافل الهجرة بالتوافد على مراكز العمل, مما يزيد من نسبة العاطلين. ومن أكثر الأمور انتقادا لأساليب قياس النمو الاقتصادي, ما أشار إليه أحد الوزراء الصينيين، حيث إنه يعتبر أن أهم البيانات التي تتبعها وزارة الاقتصاد الصينية للاسترشاد بأحوال نمو الأعمال في البلاد هي في استهلاك الكهرباء وحركة القطارات ونوعية البضائع المشحونة بين المناطق, وغير ذلك يعتبره الوزير ''كلام جرائد''.