العمل التطوعي في (إسرائيل)

يعد الكيان الصهيوني الغاصب لأرضنا في فلسطين أبرز مثال وربما هو الأوحد عالمياً على تواجد العمل التطوعي قبل نشوء الدولة بمكوناتها المتعارف عليها حالياً. فلقد كانت الجمعيات اليهودية المنتشرة في أوروبا وأمريكا الشمالية تنشط في جمع التبرعات وإرسالها إلى المغتصبين الأوائل في فلسطين حتى يثبّتوا تلك الشرذمة للبقاء، وتوسيع رقعتهم الجغرافية على أرضها الطاهرة.
وهذا ما جعل كثيرا من زعماء اليهود يمتهنون جمع التبرعات ويمتلكون فنونه. فقد كانوا يجوبون العالم الغربي بحثاً عن داعم لبناء أرضهم المزعومة وتشييد مغتصباتهم المشؤومة.
تقول رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير في مذاكراتها «أخبرت اليهود في جميع أنحاء أمريكا أن الدولة الإسرائيلية لن تدوم بالتصفيق والدموع، إنما يجب توفير عنصر الوقت لبنائها، قلت في عشرات المقابلات: لن نستطيع الاستمرار دون مساعدتكم في تحمل الصعاب والمشقات، لقد أجابوا بقلوبهم وأرواحهم بأنهم سيضحون بكل شيء في سبيل إنقاذ الوطن».
وفي بدايات الاحتلال قامت المنظمات التطوعية الإسرائيلية على ترجمة هذه التبرعات الطائلة التي تتدفق من أنحاء العالم إلى مشاريع حيوية ورئيسة في الكيان الإسرائيلي، وما زالت تقوم بدور مهم. واليوم يمتلك الكيان الإسرائيلي قطاعاً غير ربحي يفوق ما تملكه دول الجوار مجتمعة من حيث العدد والنوعية.
فمع حالة الحرب التي يعيشها الكيان، إلا أن عدد المنظمات التطوعية فيه لا يقل عن 40 ألف منظمة. وهو رقم كبيراً جداً مقارنة بعدد المغتصبين اليهود والبالغ عددهم خمسة ملايين نسمة. ويسهم هذا القطاع بما نسبته 13.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للكيان الإسرائيلي، ويوفر أكثر من 235 ألف وظيفة بما يعادل 10 في المائة من إجمالي العاملين هناك، كما يشارك قرابة 45 في المائة من الإسرائيليين في أعمال تطوعية.
تتنوع مصادر دعم القطاع التطوعي الإسرائيلي ما بين دعم حكومي يمثل 50 في المائة، وعوائد تجارية تمثل قرابة الـ 35 في المائة، حيث تمتلك كثير منها أذرعاً تجارية، بينما تمثل التبرعات القادمة من الأفراد والشركات قرابة الـ 13 في المائة، وتعد هذه النسبة الثانية عالمياً بعد أمريكا. وتعمل المنظمات اليهودية خارج الكيان دوراً محورياً في عمليات الدعم والمؤازرة. ففي بريطانيا وحدها ما لا يقل عن 2300 منظمة تطوعية جمعت في عام 2007 ما لا يقل عن 1400 مليون دولار، وفي أمريكا أعداد كبيرة من المنظمات التطوعية وغير الربحية والصناديق المالية التي يصب ريعها على مشاريع يهودية داخل الكيان الإسرائيلي وخارجه.
ومع أن البعض من المختصين يشكك في خلو القطاع التطوعي الإسرائيلي من دوافع سياسية، إلا أنها تجربة جديرة بأن تدرس من كل متطلع لنهضة بلاده ومؤمن بدور العمل الخيري بمفهومه الشامل في مساندة الحكومات في مسيرة التنمية إذا ما وثق به وأعطي الفرصة السليمة، وهو ما نتمناه في المملكة العربية السعودية، الوطن الذي يمتلك كل مقومات امتلاك قطاع خيري حيوي ومؤثر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي