إجازة الحداد للمرأة المتوفى عنها زوجها
في عددها الصادر يوم الإثنين 7/01/1432هـ الموافق 13/12/2010م نشرت جريدة ''الحياة'' خبرا مفاده أن مركز سيدات الأعمال في الغرفة التجارية الصناعية في المنطقة الشرقية أقام ندوة حول نظام العمل السعودي، حضرها جمع من سيدات الأعمال وموظفات القطاع الخاص. وأن المستشارة القانونية أسمى الغانم انتقدت في هذه الندوة إجازة الموظفة المتوفى عنها زوجها كحد أدنى بـ 15 يوما فقط، مشيرة إلى أن عدة الأرملة شرعا أربعة أشهر وعشرة أيام، وقالت إن (نظام العمل السعودي حدد 15 يوما فقط للأرملة، مع أن ذلك يخالف ما جاءت به الشريعة التي حددتها بـ 130 يوما، ولا أملك تفسيرا لها). وأشارت إلى أن بعض الشركات تعطي الموظفة إجازة أربعة أشهر وعشرة أيام، إلا أن كيفية حساب هذه الإجازة غير واضح.
وفي تقديري، أن ما نسب إلى الزميلة المستشارة القانونية، أمر فيه نظر، ويحتاج إلى تعقيب، فأقول وبالله التوفيق ما يلي:
أولا: إن نظام العمل السعودي الجديد الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم م/51 وتاريخ 23/8/1426هـ استحدث إجازة الحداد للمرأة العاملة التي يتوفى عنها زوجها، وهذه الإجازة لم ينص عليها نظام العمل السابق، كما أنه غير منصوص عليها في كثير من قوانين العمل المقارنة، وبذلك يكون المشرع السعودي قد منح المرأة العاملة في القطاع الخاص حقا لم يكن مقررا من قبل.
ثانيا: لقد حددت المادة 160 من نظام العمل الجديد مدة إجازة الحداد وبدايتها، حيث نصت على أنه (للمرأة العاملة التي يتوفى عنها زوجها، الحق في إجازة بأجر كامل مدة لا تقل عن 15 يوما من تاريخ الوفاة).
ويستفاد من هذا النص ما يلي:
1- أن الحد الأدنى لمدة إجازة الحداد للمرأة العاملة المتوفى عنها زوجها هو 15 يوما تبدأ من تاريخ وفاة الزوج، وأن هذه الإجازة بأجر كامل، وأنه لا يحق لصاحب العمل أن ينقص مدة إجازة الحداد عن 15 يوما ولا يحق له أن يمتنع عن دفع الأجر الذي تستحقه المرأة العاملة عن مدة هذه الإجازة.
2- إنه يحق لصاحب العمل والمرأة العاملة الاتفاق في عقد العمل على زيادة مدة إجازة الحداد بأجر أو دون أجر. فإذا اتفق الطرفان على زيادة مدة هذه الإجازة أصبح هذا الاتفاق ملزما إعمالا للقاعدة المعروفة (العقد شريعة المتعاقدين)، أما إذا اتفقا على تحديد مدة هذه الإجازة بأقل من 15 يوما فإن هذا الاتفاق يكون باطلا لمخالفته قاعدة نظامية آمرة.
3- إن الحد الأدنى لمدة إجازة الحداد الذي قرره نظام العمل لا يتعارض البتة مع ما قررته الشريعة الإسلامية السمحة بشأن عدة المرأة المتوفى عنها زوجها، حيث حددها الحق - سبحانه وتعالى - في كتابه الكريم بأربعة أشهر وعشرة أيام، فالمرأة المتوفى عنها زوجها وإن كان يتعين عليها شرعا أن تتربص في بيتها ولا تخرج منه طوال مدة العدة، إلا أنه يجوز لها أن تخرج منه للضرورة، ولقد أفتى بذلك عديد من العلماء المسلمين، منهم الشيخ محمد بن صالح بن عثمين - يرحمه الله - حيث قال (المرأة المتوفى عنها زوجها يجب أن تتربص في بيتها ولا تخرج منه إلا لضرورة، ويجب عليها أن تتجنب جميع الأشياء التي فيها زينة من لباس وحلي وطيب وبخور وكحل ونحو هذا مما يعد زينة....).
ولعل من المفيد أيضا أن أشير في هذا الصدد إلى أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء سبق أن أفتت بجواز خروج المرأة المتوفى عنها زوجها من بيتها أثناء مدة العدة للضرورة، وذلك في معرض ردها عن سؤال حول إذا ما كان جائزا أم لا لامرأة توفي عنها زوجها وهي طالبة في المدرسة، أن تواصل الدراسة؟.. فكانت إجابتها على النحو التالي:
(يجب على الزوجة المتوفى عنها زوجها أن تعتد وتحد في بيتها الذي مات زوجها وهي فيه أربعة أشهر وعشرا، وألا تبيت إلا فيه، وعليها أن تجتنب ما يحسَنها ويدعو إلى النظر إليها من الطيب والاكتحال بالإثمد وملابس الزينة وتزيين بدنها ونحو ذلك، مما يجملها، ويجوز لها أن تخرج نهارا لحاجة تدعو إلى ذلك، وعلى هذا للطالبة المسؤول عنها أن تذهب إلى المدرسة لحاجتها إلى تلقي الدروس، وفهم المسائل وتحصيلها، مع التزامها اجتناب ما يجب على المعتدة عدة الوفاة اجتنابه، مما يغوى بها الرجال ويدعو إلى خطبتها).
ولا شك أن العمل باعتباره مورد رزق للمرأة العاملة يعد من الضرورات التي تجيز للمرأة المعتدة الخروج من بيتها.
4- إن نظام العمل السعودي لم يضع حدا أقصى لعدد مرات حصول المرأة العاملة على إجازة الحداد، وبالتالي فإذا تزوجت المرأة مرتين أو أكثر خلال مدة خدمتها ومات عنها كل زوج تزوجته أثناء مدة الخدمة فإنه يحق لها في كل مرة تترمل فيها الحصول على إجازة الحداد التي قررها النظام بأجر كامل.
5- لو أن النظام ألزم صاحب العمل بأن يمنح المرأة العاملة المتوفى عنها زوجها إجازة بأجر كامل لمدة تساوي مدة الحداد الشرعي لأثقل كاهل صاحب العمل بعبء مالي باهظ يخل بتوازن عقد العمل إخلالا فادحا سيؤدي إلى إحجام كثير من المؤسسات والمنشآت التجارية عن توظيف النساء.
وأخيرا أكرر القول إن نظام العمل السعودي الجديد قد منح المرأة العاملة في القطاع الخاص حقا لم يكن مقررا في النظام السابق، ويكاد لا يكون له مثيل في قوانين العمل المقارنة.