دور الصندوق في دعم التقنيات الحديثة

تبرز أهمية التنمية الصناعية الحديثة باعتبارها سبيلا أساسيا لإيجاد تحولات هيكلية تؤدي إلى تكوين قاعدة إنتاجية ذاتية قادرة على المساهمة الفاعلة في تنويع مصادر الدخل وإيجاد بنيان اقتصادي متوازن. وقد كان خيار التصنيع هو الخيار الأفضل للمملكة في بناء اقتصادها وتنويع قواعده الإنتاجية، وأصبح القطاع الصناعي السعودي يتجه بشكل واضح وبدعم من الحكومة إلى الصناعات ذات الكثافة الرأسمالية، ويتجه نحو مزيد من الآلية والتقنيات الحديثة، وهذه ظاهرة صحية في بلد يتوافر فيه التمويل قياساً إلى عدد السكان.
يعيش عالمنا المعاصر الآن عصر الثورة التقنية الحديثة والتي تعد حلقة في سلسلة التغيرات الاقتصادية العالمية، حيث بدأت في أواخر القرن الـ18 عندما تم استخدام المحرك البخاري والتقنية المصاحبة له ثم تطورت الصناعات الميكانيكية وصناعة الحديد والصلب وما تلا ذلك من تطور في القوى الكهربائية ومحرك الاحتراق الداخلي والصناعات الكيماوية. أما الثورة التقنية الحديثة والتي تؤدي تقنية الإلكترونيات الدقيقة دور المحرك الرئيس فيها، متمثلة أساساً في استخدام الحاسب الآلي في تقنية المعلومات، فتتمثل في الاستخدام المكثف لتقنية الإلكترونيات والمعلومات في جميع الأنشطة الصناعية، كما تم الدمج بين عديد من استخداماتها والتي نتجت عنها تطبيقات واسعة في تنوع أساليب التصنيع باستخدام الحاسب الآلي ابتداء من تصميم المنتج، وعمليات التشغيل الآلي، مرورا بالتحكم بخط الإنتاج بشكل كامل وعمليات الاختبار وضبط الجودة والتغليف والتخزين والتسليم.
يعد استقطاب وتمويل التقنيات الحديثة من أولويات التمويل لدى الصندوق، حيث دأب على تشجيع المستثمرين الصناعيين في توجهاتهم نحو التقنيات الحديثة في التصنيع إيمانا منه بدورها في زيادة الإنتاجية وتحسين الكفاءة التصنيعية وجودة المنتج وتقليص الهدر وتقليل تكاليف الإنتاج، مما يزيد من فرص نجاح المشاريع الصناعية. كما أن استخدام التحكم الآلي بالإنتاج سيزيد من السلامة المهنية ويفتح المجال أمام استخدام القوى العاملة الوطنية غير الماهرة، حيث تنحصر وظيفتها في مراقبة سير العمل والقيام ببعض الأعمال الروتينية، مما يزيد فرص السعودة خاصة للقطاع النسائي في بيئات التصنيع النظيفة كالأدوية والأغذية.
ولما كان النجاح لأي منظمة صناعية يعتمد على مدى قدرتها على مواكبة التغييرات المستمرة في البيئة التي تعمل فيها وخصوصاً التغييرات التقنية واستعمال الطرق الحديثة في عمليات الإنتاج لزيادة الفرص التنافسية، فقد كان للصندوق دور بارز في دعم وتمويل المشاريع الصناعية الجديدة بتقنيات حديثة أو تشجيع المستثمرين لتطوير واستبدال أنظمتهم القائمة على الأساليب التقليدية.
فعلى سبيل المثال قدم الصندوق التمويل المالي لستة مشاريع لصناعة الأدوية في المملكة تحتوي على تقنيات متقدمة في تجهيزات المباني وآلات التصنيع طبقا لمواصفات التصنيع الجيد GMP وذلك بدءاً من تحضير المواد الخام Dispensary ووزن العناصر الفعالة مروراً بعمليات الخلط وتجهيز المستحضر الدوائي في شكله النهائي وانتهاءً بفحص الجودة والتأكد من سلامة التغليف، حيث تم استخدام خطوط إنتاج تعتمد على تقنيات الحاسب الآلي بكثافة للمراقبة والتحكم من أجل تقليل عنصر الخطأ البشري وضمان سلامة المنتج في مثل هذه الصناعات الحساسة، كما تم تزويد معظم تلك المصانع بأنظمة متطورة دقيقة للبحث والتحليل وتطوير المنتجات وكذلك بأنظمة حاسوبية للتخزين الآلي والتسليم.
كما قدم الصندوق التمويل المالي لأكثر من 500 مشروع لصناعة الكيماويات ولدائن البلاستيك وتعد مشاريع شركة سابك وتوسعاتها من أهم استثمارات الصندوق في مجال صناعة الأسمدة والبتروكيماويات ولدائن البلاستيك الحديثة، حيث يتم تطبيق أنظمة التصنيع بأحدث ما توصلت إليه تقنيات المعالجة والمزج والمفاعلات والمسرعات والتحكم الإلكتروني بالضغط والحرارة لتوفير أدق ظروف التفاعل الكيميائي لضمان كمية وجودة الإنتاج. وتعد سابك الآن أكبر منتج للسماد الحبيبي على مستوى العالم، كما أنها أصبحت ثالث أكبر منتج للبولي إيثيلين على مستوى العالم وسادس أكبر منتج للبولي بروبيلين وبجودة تنافسية عالية، كما أن لدى سابك اهتمام خاص بالأبحاث وتقنية تطوير المنتجات، كما حصلت على أكثر من 200 براءة اختراع عالمية ورخصت باستخدام تقنية معالجاتها لأكثر من 19 شركة كيماويات في 11 بلداً.
أما في مجال الحديد والصلب فقد أسهم الصندوق حتى الآن في تمويل 42 مشروعاً لصناعة المنتجات المعدنية والفولاذية، وصناعة الهياكل الإنشائية تحتوي تجهيزات صناعية متطورة تقنياً وتعتمد على التحكم الرقمي من حيث ميكنة عمليات النقل للمواد الخام والصهر ورفع كفاءة أفران الاختزال لتحسين جودة المنتج وخفض تكلفة الطاقة المستهلكة وتحسين بيئة الإنتاج من حيث السلامة المهنية وتطوير بعض مهام التشغيل من يدوية إلى آلية، حيث تتجه الحلول لإحلال التقنية بديلاً عن الأيدي العاملة البشرية من أجل منع الإصابات أثناء التعامل مع الآليات الضخمة المتعددة التي تلزم هذه الصناعة، ومن جهة أخرى فقد أدى التطور الحادث في البرمجيات ونظم التصميم على الحاسب الآلي إلى تنفيذ تشكيلات مركبة ومعقدة وتحويلها إلى قطاعات محددة الأبعاد يمكن تصنيعها مسبقا.
وتجدر الإشارة هنا إلى الدور التمويلي المهم الذي لعبه الصندوق في دعم مشاريع برنامج التوازن الاقتصادي الذي يهدف إلى استثمار ما يوازي نسبة محددة من قيمة عقود مشتريات المملكة الخارجية لإقامة مشاريع صناعية وخدمية كبرى تحتوي تقنيات متقدمة بالمشاركة مع شركات القطاع الخاص السعودي.
وقد بلغت الاستثمارات الكلية التي تحققت من خلال البرنامج نحو 17.000 مليون ريال موزعة على 38 شركة، إضافة إلى استثمارات في مشاريع جديدة قيد التنفيذ تصل إلى 3.600 مليون ريال. وقد ساهم الصندوق من خلال البرنامج في تمويل تأسيس قاعدة صناعية وخدمية متقدمة في مجال الطيران والفضاء من خلال شركات السلام للطائرات، الإلكترونيات المتقدمة، الشرق الأوسط لمحركات الطائرات) التي توفر خدمات ذات أهمية استراتيجية للقوات المسلحة والخطوط الجوية السعودية، إضافة إلى تأسيس شركات كبرى على مستوى الشرق الأوسط في مجال صناعة الأغذية (المتحدة للسكر) والدواء (جلاسكو ولكم السعودية) وصناعة بطاريات السيارات (الشرق الأوسط للبطاريات) وغيرها من الصناعات المختلفة التي تعتمد تقنيات متقدمة في التصنيع ومراقبة الجودة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي